Share |

الطعام الممزوج بالدم ...الْبَهْجَةُ وَالْكَارِثَةْ .. اَلْبَصِيرَةْ ...قصص قصيرة … حسين علي غالب

الطعام الممزوج بالدم

أدخل بين الجموع الغاضبة و التي تصرخ بجنون ..!!

ها هو صديقي ياسر غارقا بدمائه ..؟؟

أتقدم نحوه و أحمله محاولا إنقاذه قبل أن يسلم روحه لرب السماء .

الحمد الله سيارة الاسعاف قد قدمت .

أضع صديقي داخلها و تذهب سيارة الإسعاف و تطلق صوتها المخيف في المكان .

أنظر إلى نفسي و أجد أن دماء صديقي قد صبغت ثيابي .

التفت حولي و إذ أجد كل الناس غاضبين و هم يساعدون اهاليهم و اصدقائهم بعد حدوث الانفجار المدوي .

اتوقف للحظات قليلة .

عجبا ماذا تفعل أم محمد هنا ..؟؟

أوجه انظاري لها من بعيد من دون أن تلاحظني ..!!

و إذ أجدها تعبأ بعض حبات الخضروات و الفواكه الممزوجة بالدماء الملطخة للضحايا في كيسا كبير و تأخذها معها ..!!

أصبت بصدمة كبيرة لحال هذه المرأة المسكينة فهي تسرق بعض حبات الخضروات و الفواكه الممزوجة بالدماء من أجل أن تأكلها و تعيش .

لم أفتح فمي مع هذه المرأة و لم أذكر ما رأيته لأحد فيكفي ما تعانيه من فقر و جوع.

 

الْبَهْجَةُ وَالْكَارِثَةْ

 

هَا هِيَ النَّاسُ تُحَطِّمُ التَّمَاثِيلَ وَ تَحْرِقُ الصُّوَرْ..!!

لَقَدْ سَقَطَ رَمْزُ الدِّكْتَاتُورِيَّةِ وَانْهَارَ وَتَحَقَّقَ حُلْمُ الشُّهَدَاءْ.

وَلَكِنْ هَا هِيَ الدَّبَّابَاتُ الْأَجْنَبِيَّةُ فِي كُلِّ مَكَانٍ تَنْتَشِرْ ..؟؟

فَهَلْ أَفْرَحُ أَمْ أَحْزَنُ عَلَى هَذَا الْحَالْ ..؟؟

فَلَقَدْ كُنَّا بِحَالٍ وَأَصْبَحْنَا بَيْنَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِحَالٍ آخَرْ..!!

 

 

 اَلْبَصِيرَةْ   

يَتَلَفَّتُ الْأَطِبَّاءُ الثَّلَاثُ فِيمَا بَيْنَهُمْ..!!

تُحْبَسُ الْكَلِمَاتُ فِي أَفْوَاهِهِمْ..؟؟

يَبْدَؤُونَ بِبُطْءٍ شَدِيدٍ بِنَزْعِ الشَّاشِ الطِّبِّيِّ الْمَلْفُوفِ عَلَى عَيْنَيِ الْمَرِيضْ .

تَرْتَسِمُ ابْتِسَامَةٌ عَلَى وَجْهِ الْمَرِيضْ ..!!

يَتَقَدَّمُ أَحَدُ الْأَطِبَّاءِ مُتَشَجِّعاً لِكَيْ يُخْبِرَ الْمَرِيضَ بِالْحَقِيقَةِ الْمُؤْلِمَةْ .

تَزْدَادُ الِابْتِسَامَةُ عَلَى وَجْهِ الْمَرِيضِ بَعْدَ انْتِهَاءِ نَزْعِ الشَّاشِ الطِّبِّيِّ مِنْ عَيْنَيْهْ.  ..!!

 يَقُولُ أَحَدُ الْأَطِبَّاءْ : إِنَّنَا نَشْعُرُ بِالْحُزْنِ عِنْدَمَا نُخْبِرُكْ .

 يَرْفَعُ الْمَرِيضُ يَدَهُ وَيُقَاطِعُ الطَّبِيبَ قَائِلاً : شُكْراً لَكُمْ جَمِيعاً وَلَكِنَّنِي غَيْرُ مُبَالٍ فَعَيْنَايَ لَمْ تُشَاهِدْ أَيَّةَ أَشْيَاءٍ جَمِيلَةْ ، فَبَقَاءُ بَصَرِي أَوْ فُقْدَانُهُ لَا يُشَكِّلُ أَهَمِيَّةً لَدَيْ .

اِرْتَسَمَتْ عَلَامَاتُ الِاسْتِغْرَابِ الْمَمْزُوجَةِ بِالْحُزْنِ عَلَى وَجْهِ طَبِيبَيْنِ فَهُمَا مُسْتَغْرِبَانِ كَيْفَ أَنَّ الْمَرِيضَ الِابْتِسَامَةُ مَرْسُومَةٌ عَلَى وَجْهِهْ ،وَفِي نَفْسِ الْوَقْتِ غَيْرُ مُبَالٍ بِفِقْدَانِ بَصَرِهِ .

أَمَّا الطَّبِيبُ الثَّالِثُ وَكَانَ أَشَدَّهُمْ ذَكَاءً ..؟؟

 فَقَدْ أَدْرَكَ أَنَّ الْمَرِيضَ حَزِينٌ لِلْغَايَةْ .

 وَ يَكَادُ يَمُوتُ حُزْناً وَ لَكِنَّ كِبْرِيَاءَ الْمَرِيضِ يَرفُضُ أَنْ يَأْخُذَ شَفَقَةً وَلَا رَحْمَةً مِنْ أَحَدٍ حَتَّى وَلَوْ كَانُوا أَطِبَّاؤُهْ .

 وَلِهَذَا رَسَمَ الْمَرِيضُ الِابْتِسَامَةَ الْكَبِيرَةَ عَلَى وَجْهِهْ.

 وَ الَّتِي كَانَتْ عِبَارَةً عَنِ ابْتِسَامَةٍ صَفْرَاءَ خَالِيَةٍ مِنْ مَلَامِحِ الْفَرَحِ وَالْبَهْجَةْ.

وَلِهَذَا كَانَ الطَّبِيبَانِ مُبْصِرِي الْبَصَرْ.

 وَ لَكِنَّ الطَّبِيبَ الثَّالِثَ فَلَقَدْ كَانَ يَمْتَلِكُ الَبَصَرَ وَالْبَصِيرَةْ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ مَا فِي دَاخِلِ الْمَرِيضِ مِنْ أَحَاسِيسْ.

حسين علي غالب و تدقيق و تصحيح الأستاذ محسن عبد المعطي عبد ربه