Share |

شخصيات كردية من جمهورية أرمينيا السوفيتية (القسم الثالث والاخير) ... بقلم:الدكتور.محمد علي الصويركي

مقـدمـة.

 

      ظهر من بين كرد جمهورية أرمينيا أيام العهد السوفيتي نخبة من الأدباء والشعراء والكتاب والمسرحيين والعلماء والأكاديميين والمؤرخين واللغويين والسياسيين والفنانين والفنانات وذلك أيام احتضنها للثقافة الكردية لمدة سبعين سنة في ظل الحكم السوفيتي (1920-1990م).

 

     من أبرز هؤلاء الأعلام: د. عرب شمو، د.حاجي جندي، أميني عفدال، د.قناتي كوردوييف، جردو كينجو، وزير نادري، د.جاسم جليل، عتاري شرو، أحمد ميرازي، قاجاغ مراد، يوسف بكو، علي عبد الرحمن، نادو ماخمودوف، د. جليلي جليل، ميرو أسد، خليل مرادوف، جلادت كوتو، د. عسكر بوييك، جميلة جليل، د. أوردخان جليل، والمثقفة نورى بولاتبيكوفا، والقائد الكردي الشهير شمو تيموروف، ومن الفنانات: أصليكا قادر، فاطمة عيسى، كولا أرميني، سوسكا سمو...وغيرهم. وهنا سنعرض سيرة بعض من توفر لنا عنهم من معلومات، ونعتذر للبقية لعدم توفر المعلومات الوافية عنهم، مع تقديرنا لجهود الجميع في خدمة الثقافة الكردية.

 

 

أصليكا قادر

)(1366 هـ   1946م

 

أصليكا قادر: فنّانة مثقفةٌ، ومتكلّمة لبقة، وسياسيّة متمكّنة، تملكُ القدرة الهائلة على التّحاورِ والمناقشةِ والإقناع، وتغنّي بصدقٍ وإحساسٍ حتى يخالُ إلينا أنّها والأغنية التي تؤديها يصبحان كلاً واحداً متماسكاً، وهذه الصّفة لا يمتلكها إلا الفنّان الصّادق، والمطربُ الحسّاس.

     أنها فنانة كردية معروفة، ولدتْ في منتصف أربعينياتِ القرن العشرين وظهرتْ كفنّانة وسياسيّة كردية في وقتٍ شهدَ على ظهور عمالقة الكرد في الفنّ والأدب والسّياسية في الاتحاد السوفيتي السابق، واستطاعتْ أن تجلبَ إلى فنّها وصوتها وأدائها المتميّز الأنظار، وكان لإذاعة (يريفان) القسم الكرديّ فضلٌ على انتشارها في عالم الغناء الكرديّ إلى جانب عشرات الفنّانين والفنّانات الكرد الآخرين.

     تؤكّدُ على أنّها أوّلُ مَنْ غنّتْ أغنية ( ولاتى مه كردستانه= me Welatê Kurdistan e)، هذه الأغنية التي أصبحتْ منذ ذلك الوقت بمثابة النّشيد القوميّ الثّاني للكردِ بعد نشيد ( أي رقيب=Ey Reqîb )، وما زالتْ الحناجرُ الكردية تردّدها حتى يومنا هذا، وتتناقلها الأجيالُ جيلاً إثر جيلٍ، وهي من كلماتِ الشّاعر الكرديّ (مجيد سليمان) من كرد كازاخستان.

      كما غنت مختلفِ أنواع الغناءِ، فنجدُ إلى جانب الأغنية القوميّة، الأغنية الاجتماعية، والعاطفية، والرّومانسية، ولا تنسى الارتشافَ من منهل التّراثِ الكرديّ ليكونَ رافدها الخيّر إلى عالم الفنّ الكرديّ الأصيل، وهي تؤدي مختلف أنواع الغناءِ الكرديّ بجدارةٍ وتفوّقٍ مميّزين.

      أصليكا قادر تؤكّدُ يوماً بعد يومٍ أنّها تزدادُ تألقاً وحيوية في عالم الفنّ الكرديّ، وأنّ اسمها سيُدوّن بأحرف الخلد في صفحاتِ تاريخ الفنّ الكرديّ؛ لأنّها فنّانة ملتزمة في حياتها، وفي فنّها وغنائها، ومفعمة بمشاعر العشق لكلّ المحيطين بها ولشعبها ولكلّ البشر، على الرّغم من أنّها لم تأخذ بعدُ نصيبها من الرّعايةِ والاهتمام في عالم الإعلام الكرديّ من صحافةٍ وإذاعة وتلفزيون منذ ستينياتِ القرن العشرين وحتى يومنا هذا.

      قالت عنها الكاتبة نارين عمر: امرأةٌ أقلّ ما يمكن أن يُقال عنها إنّها امرأة جبّارة وقويّة على الرّغم من دفقات العاطفة الجيّاشة التي تلفّ كلّ خلاياها، لأنها بفضل صلابتها وإرادتها القويّة استطاعت أن تجابه الزّمن بكلّ تغيّراته والقدر بكلّ طقوسه وتقلّباته.

     أصرّت أن تساهمَ مع الفنّاناتِ الكرديات الأخريات في النّهوض بالفنّ الكرديّ الأصيل، وتساهمَ من خلاله على تعريفِ الآخرين بقضيّةِ المرأة، وما تعانيه في مجتمعنا الكرديّ والمجتمعاتِ الأخرى، بالإضافةِ إلى تغنيّها بالوطن والأرض والطّبيعةِ والإنسان والعالم الذي تحلمُ به، ويحلمُ به كلّ محبّ للحياةِ والمستقبل (8).

 

 

فاطمة عيسى

) (1352هـ ـ   1934م     

فاطمة عيسى: فنانة كردية. ولدت في قريةِ أرزكين(Erezegîn) التّابعة لأذربيجان في عام 1934م. وفي السّنة الثّالثة من عمرها نُفيت أسرتها مع باقي العائلاتِ الكرديّة إلى قريةِ (همزالي= Hamzalê) في أرمينيا. وقد تزوّجتْ في الرّابعة عشرة من عمرها كعادة الكردِ حينذاك حيثُ كانوا يزوّجون بناتهم في سنّ مبكّرة.

     كانت تمتلكُ صوتاً عذباً, ولديها رغبة قويّة في الغناءِ علناً، ولكنّ الموانع المولودة من جحرِ ما تُسمّى العادات والتّقاليد حالت دون ذلك, لذلك قرّرتْ ممارسة هوايتها في الغناء على نطاقٍ ضيّقٍ مع الحفلات والمجالس الغنائية التي تقيمها النّساءُ عادة, وهذه المحاولة بحدّ ذاتها تُعْتَبَرُ تحدّياً لمحيطها المغلق, وبداية نصرٍ لموهبتها التي أبتْ هي أن تضمرها وتميتها كما فعل الكثيرُ من نسوةِ وفتياتِ الكردِ حينذاك.

     ولادتها الفنيّة الحقيقيّة في عام 1972م: الموهبةُ والرّغبة في أيّ شيءٍ لا يكفيان إن لم تقابلانِ بعملٍ فعليٍّ وجدّيّ على أرض الواقع, وهذا ما قامت به فاطمة عيسى فيما بعد. لم تسمح لموهبتها تموتُ في بيت الأعرافِ والتّقاليد, ولم تستسلم لمحيطها الذي كان يضعُ عشرات الخطوطِ الحمراءِ والسّوداءِ في طريقِ إظهار موهبتها, وإسماع صوتها العذبِ إلى ملايين الكرد, فاستغلّت الفرصة الذهبيّة التي أتتها من إذاعةِ ايريفان (القسم الكرديّ), حين قرّرَ الإداريون فيها البحثَ عن أصواتٍ نسائيّةٍ كرديّةٍ جديدةٍ, وكان ذلك في عام 1972م, فاتصلت بهم, وتقدّمت إليهم بطلبها, داعية فيه إلى الاستماعِ إليها وقبولها في الإذاعة.

     تقول فاطمة عيسى في أحدِ حواراتها:" كانت النّساء الكرديات الّلواتي يغنّين في تلك الفترة أمثال (سوسكا سمو, وزادينة شكر) وغيرهنّ من الكردِ الإيزيديين, ولم يكن بينهنّ نساءٌ من الكردّ السّنة, لذلك ولأجل أن يتمّ التّعريف بأصواتِ النّساء من الكردِ السّنة, صاروا يبحثون عنهنّ في المدن والقرى, وحين قدموا إلى قريتنا تقدّمَ إليهم أخي بطلبٍ يدعو فيهم إلى مقابلتي والاستماعِ إلى صوتي, فقبلوا طلبه, واستمعوا إليّ, حيثُ غنّيتُ لهم عدّة أغانٍ كلاسيكيّة, سرّوا بها كثيراً, وفيما بعد دعوني إلى مبنى الإذاعة...".

    لبّت فاطمة عيسى الدّعوة بمحبّةٍ وسرور, وهناك التقت (خليل مرادوف) مسؤول القسم الكرديّ في الإذاعة حينذاك, الذي أعجبَ بصوتها كثيراً ودعاها إلى تسجيل عدّة أغانٍ بصوتها وكان من بينها:

(Gidî Mîrzo, Derwêşê Evdî, Dîna min, De Miho…) وغيرها من الأغاني التي لاقت الاستحسان والقبول من كلّ المستمعين, فكانت بحقّ جواز مرورها إلى قلوبهم وأسماعهم, وخاصّة أغنية(De Miho) التي دخلت إلى قلوبهم بأريحيةٍ وسلاسةٍ وكانت الأغنية الأبرز لها لسنواتٍ طويلةٍ.

    وهكذا كانت هذه الفنّانة كغيرها من النّساء الّلواتي تحدّين القدرَ، وواجهنَ العادات وثبتت أنّ إرادة الإنسان فوق كلّ الممنوعات، إذا كانت الرّغبة في تحقيق الطّموحات حقيقيّة وجدّيّة. وهكذا دوّنتُ اسمها في سجّل الفنّ الكرديّ الأصيل بأحرفٍ من مداد الخلود والبقاء (9).

 

كولا أرمني (كشه)

 

كولا أرمنيGula Ermenî أو كولا كشهGula Keşe,: فنانة ومطربة كردية معروفة، كانت تشكّلُ علامة بارزة في سماءِ الغناءِ الكرديّ في القرن التاسع عشر الميلادي, ّ(Gula Ermenî*)أو(Gula Keşe) , وقد تأتتْ لها الشّهرة وحضنها المجدُ أنّها عاصرت شيخ الفنّانين الكرد (عفدالى زينكى) ومن ثمّ اقترنت به جسدياً وروحياً وأصبحتْ زوجته.

    يُقال إنّ عفدال ذهبَ إلى إحدى قرى الأرمن ليحيي فيها حفلة عرس, وبينما هو منسجم في غنائه لمحتْ عيناه فتاة جميلة تقودُ حلقة الدّبكة, فوقع في حبّها من النّظرةِ الأولى, وبعد الانتهاء من مراسم الحفلة, ذهب عفدال إلى صاحب الحفلة وقال له: "جئتُ إليكم وأنا سليم معافى وبكلّ قواي العقلية, ولكنّني حين لمحتُ هذه الفتاة رحلتُ إلى عالم آخر, والله لن أرحل من هنا إلى بعد أن تطلبها لي من أهلها". ويُقال إنّ الرّجل ذهب إلى أهلها ولكنّهم لم يوافقوا على طلبِ عفدال لأنّها كانت مخطوبة لرجل آخر, لكنّه لم ييأسُ من هذا الرّفض لقناعةٍ التامة بأنّه يستطيع بصوته الذي يهدّ الجبال أن يتسلّلَ إلى قلبها، ويدغدغَ مشاعرها وأحاسيسها مهما طال الزّمن.

     تحققتْ نبوءة عفدال ورقّ له قلبها في تلك الّليلة الحميمية التي أنشدَ فيها عفدال ما طاب له من أغاني العشق والهيام، ومن ثمّ تشاركه كولا الغناء والطّرب, فيلحظ على الفور أنّها وقعتْ في غرامه, مما دعاه إلى خطبتها من جديد، فتوافقُ على الفور ليقترنا كزوجين حبيبين,عاشقين.

      عاشتْ هذه الفنانة أيّاماً جميلة مع حبيبها وزوجها عفدال، ويُقال إنّها أنجبت منه ولداً كان يسمّى (تمو), لكنّ الدّهرَ المتقلّبَ والغدّارَ أصدرَ فرمانه الظّالم عليهما, حين حرمهما من وليّ نعمتهما (طاهر خان) الذي غضبَ عليه العثمانيون ونفوه مع عائلته إلى اسطنبول, ولكنّ المصيبة الأكبر عليهما كانت إصابة عفدال بالعمى, ثمّ تناوبت عليهما المحن والمصائب.

     يقالُ إنّها كانت تمتلكُ صوتاً جميلاً ومقدرة كبيرة على الغناءِ لساعاتٍ طويلة دون أن تبديَ تعباً أو إرهاقاً, وكانت تجيدُ معظمَ أنواع الغناء الكرديّ, كما كانت تمتلكُ حضوراً متميّزاً من خلال شخصيتها القويّة والمرنةِ في الوقتِ نفسه, تتعاملُ مع المحيطين بها بلطفٍ وحكمةٍ، لذلك حظيتْ بمكانة متميّزة في عصرها.

      على الرّغم من بحث الأديبة (نارين عمر) الحثيثِ عنها لم تتمكن إلا من جمع هذه المعلوماتِ المتواضعة عنها, ولم تفلح في تحديدِ تاريخ ميلادها ووفاتها,ولكونها كانت زوجة عفدال وعاصرته نستطيع أن نحدّدَ الفترة التي عاشتْ فيها بشكل تقريبيّ، فعفدال وبحسبِ ما روي عنه واستناداً إلى ما قاله حفيده (عمر زينكى) كان قد ولد في بداية عام 1800م، وتوفى عام 1913م، فيُفترض أن تكون هي كذلك ولدت في القرن التاسع عشر وربّما ماتت فيه أيضاً, لأنّ عفدال عاشَ عمراً مديداً، ولم تذكر أيّة مصادر أنّها عاشت العمر المديد, ومما يؤكّد ذلك ما أورده الروائي الكردي محمد أوزون في روايته أنّ عفدال حين التقى بـ(Gulê)  كان قد تجاوز الثلاثين عاماً، وهي كان عمرها بين (14-15) عاماً, وكانت تعيشُ وبحسبِ المصدر السّابق في بلدة خامورى(Xamûrê)  (10).

 

الفنانة سوسكا سمو

(Sûsika Simo)

(1343-1397)هـ =1925م-1977م

 سوسكا سمو: فنانة كردية معروفة، ولدت لعائلةٍ كرديّةٍ من كرد قفقاسيا في عام 1925م, ولدت ضمن حدودٍ لا يجوز للنّساء تجاوزها لئلا تلحقها لعنة العادات والأعرافِ الكرديّة التي كانت متّبعة على المرأة حينذاك وما تزال, وكعادةِ بعض نساءِ تلك الفترةِ قرّرت سوسكا التّمرّد على هذه الحدود, وتجاوزها بجرأةٍ وصلابةٍ, واضعةٍ نصب عينيها سهام المجتمع الفتّاكة التي قد تفتكُ بها، وبسمعتها كامرأة متمرّدة, خارجة عن الأعراف والعادات.

     اختارت مجال الفنّ كمنطلقٍ ومنشأ يشهدُ على ولادتها الجديدة, الولادة التي اختارتها هي لنفسها وبنفسها, والتي أوصلتها إلى متاهاتٍ ومجاهل كادت تخيّمُ على حياتها باليأس والعزلةِ.

      حين ولوجها إلى عالم الفنّ, تعرّفت إلى شابّ أرمنيّ, كان رياضيّاً, ربّاعاً, أدى إلى نشوء علاقة حبّ بينهما انتهت بالزّواج, فكان هذا الزّواج السّبب الرّئيس في تدنّي شعبيتها بين جماهيرها الكرديّة التي رفضت رفضاً قاطعاً زواجها من رجل من غير قوميتها وحتى دينها, فابتعدوا عنها, وخلقوا لها حياة صعبة وشاقة، وصلت إلى حدّ العزلةِ والوحدة, فهي بنظرهم امرأة تجاوزت عادات وأعرافِ قومها ومجتمعها, وتمرّدت على شرائع دينها.

      أظنّ أنّ ابتعادهم عنها, وإطلاقهم الإشاعات والشّائعات عليها لم يكن بسبب زواجها فقط, بل وقبل ذلك بسبب قرارها الدّخول إلى عالم الفنّ والغناء, وهو المجال الذي ما زال الدّخول إليه محظوراً على الفتاة لدى شرائح واسعة من المجتمع الكردي.

    تعدّ سوسكا سمو أوّل فتاةٍ كرديّة تعتلي خشبة المسرح, وتغنّي بلغتها الكرديّة على مسارح جمهوريّاتِ الاتحادِ السوفيتي السّابق. كان ذلك في عام 1946م حين اعتلت مسرح (فلارمونيا) في أرمينيا وأدّت عليها وضمن حفل فنّي العديد من الأغنيات الكرديّة, وهذا المسرح كان مخصّصاً للأقليّات في تلك الجمهوريات لكي يعرضوا فنونهم وتراثهم عليه, حيثُ كانت الحكومة المركزية ترفض أن تفعل الأقليّات ذلك قبل هذا التّاريخ (1946م), ولم يكن يحضر ذلك المسرح أبناء الأقليّات فقط, بل كان يتوافدُ إليه النّاسُ من روسيا وأرمينيا وجورجيا وجمهوريّاتٍ أخرى ليتعرّفوا على فلكلور وفنون الأقليّات.

    بعد أن تعرّفت إلى الشّاب الأرمنيّ (كوليا نفتالينا) والذي أصبح فيما بعد زوجاً لها, صار يرافقها في كلّ حفلاتها الغنائيّة, ويعتلي معها خشبة المسرح حتى شكّلا ثنائياً غنائيّاً متميّزاً.

    لم تقتصر شهرتها على يريفان فحسب بل شملت كلّ جمهوريات الاتحاد, لذلك انهالت عليها الدّعوات من مختلفِ هذه الجمهوريات لتحيي حفلاتٍ فيها, زادت هذه الحفلات من شهرتها وجماهيريتها التي بلغت ذروتها في عام 1965م  حين أحيت حفلاتٍ غنائيّةٍ في (السّاحة الحمراء) في أرمينيا, وكانت ساحة مشهورة جدّاً, يحيي فيها كبار الفنّانين حفلاتهم ويقدّمون عروضهم الفنيّة.

     يُقالُ إنّ الشّهرة الواسعة التي حصدتها سوسكا سمو كان السّبب في قطع الجماهير الواسعة تذاكر حفلاتها قبل بدءِ الحفلة بعدّة أيّام, وكانت هذه الجماهير تنتظرُ طويلاً أمام شبّاك التّذاكر حتى تتمكّن من قطع تذاكر الحفل, وإن لم تتمكّن من ذلك كانت تكتفي بالاستماع إليها والاستمتاع بصوتها من الصّالون الملحق بخشبةِ المسرح.

     منذ بدايتها مع الغناء والفنّ قرّرت النّهل من التّراثِ الغنائيّ الكرديّ, الذي لم يبخل عليها بالعطاء بالإضافة إلى الأغاني الخاصّة بها, ولكنّ أشهر الأغاني التي كانت تردّدها في حفلاتها بالإضافة إلى أغنية (محو, Miho) التي اشتهرت بها وكانت مفتاح شهرتها الأوّل فإنّها كانت تؤدي أغنياتٍ أخرى منها:

(Devera berê, Lenîn rabû, Belengaz bû), ولكنّها وعلى الرّغم من كلّ هذه الأغاني التي قدّمتها في حفلاتها الكثيرة والنّاجحة, لم تتمكّن من إصدار أيّ كاسيتٍ غنائيّ في حياتها بسبب ظروفها المادية الضّعيفة, وضعف إمكاناتها.

    عرفنا كيف أنّ وجود زوجها الأرمنيّ في حياتها أثّر إيجاباً على حياتها الفنيّة والغنائيّة, على الرّغم من تأثيره السّلبيّ على حياتها الاجتماعية, إلا أنّ وجود آخرين أيضاً كان لهم عميق الأثر في فنّها ومن أبرزهم أمير النّاي الكرديّ حينذاك (عكيد جمو, Egîdê Cimo), الذي كان يرافقها في غنائها ويضفي على صوتها وأدائها الرّونق والانسجام, وقد أوردت بعض المصادر هذا الخبر عنهما.

     نقاطٌ مضيئة تلمعُ في حياتها, فهي لم تكتفِ بالغناءِ بلغتها الكرديّة بل اعتادت أن تلبس الثّياب الملوّنة بألوان العلمِ الكرديّ (الأخضر والأحمر والأصفر), وتزيّن رأسها بكوفيّةٍ كرديّةٍ زاهية الألوان كذلك, ما يدلّ على صدق مشاعرها وصفاءِ أحاسيسها تجاه قومها وشعبها ولغتها وقضيّتها, وقد أطلق عليها بحقّ (فنّانة المسرح).

     تأرجحت حياتها بين الفرح والسّرور اللذين كانا يأتينها من حبّ وعشقِ جمهورها لها, وبين الأسى والحزن الّلذين خيّما على حياتها بعد تعرّضها لمضايقاتٍ من شعبها ومجتمعها اللذين تخلّوا عنها, وعرّضوها للوحدةِ والعزلة.

     رحلت عن عالمنا في عام 1977م وهي في عنفوان شبابها وعطائها لتكون شمعة مضيئة تضفي على عالم الفنّ والغناء الكرديّين الألق والضّياء إلى الأبد (11).

 

**************

الهوامش (الأمانة العلمية).

* ملاحظة: (هذا الجزء مستل من كتابنا): الأكراد في الاتحاد السوفيتي السابق، الصادر في بيروت، 2015م

نرجو من كل من يقتبس هذه المقال ان يشير الى اسم المؤلف للأمانة العلمية)

(1)  محمد أمين زكي: مشاهير الكرد،2/64، جودت هوشيار، طريق الكاتب الكردي عرب شمو الى الأدب العالمي، مقال على الانترنت، وكتب عنه جودت هوشيار مقالة" " أيها الرائد العظيم سلاما " مجلة " شمس كردستان " العدد ( 45 – 46 ) آذار – نيسان 1977، لم تنشر من نتاجات عرب شمو الروائية في كردستان العراق سوى رواية واحدة وهي:(دمدم) التاريخية، كما نشر عرب شمو مقالات عديدة في الصحف الصادرة في القفقاس خلال تلك الفترة

 (2) المقال للكاتب الكردي: كوني رش، ومنشور باللغة الكردية في مجلةPIRS – العدد 19، الترجمة بتصرف: دلجار أمين، ومنشور في المواقع: موقع جلجامش، بنكه، كوني ره ش- ترجمة بتصرف: دلجار أمين، وترجمته على موقع جلجامش، وصحيفة المدى العراقية، بغداد.الدكتور معروف خزندار- مجلة كولان- العدد 255 في 15/5/1995. هيمن حسين- جريدة (برايه تى ئه ده ب وهونه ر)، العدد 120 في 11/6/1999. مصطفى نريمان- معجم المؤلفين الكورد- بغداد، 1986 ، كريم شاره زا: الشاعر والمترجم والأديب الكردي: جاسم جليل 1908- 1998م.

 (3) جودت هوشيار: نهضة الأكراد الثقافية والقومية: عن موقع الرافدين:www.alrafidayn.com، الصويركي: الموسوعة الكبرى لمشاهير الكرد، ومجلة الصوت الآخر 271 تاريخ 19/12/2009م.

 (4) من مقدمة كتاب: وجاء الربيع (رواية) حاجي جندي؛ ترجمه عن الروسية إسماعيل صاف، دمشق، مطبعة الجاحظ، 1993. تتمة الأعلام/ رمضان:122،  قادر الدناني خانكى  جمعية كانيا سبي الثقافية والاجتماعية: http://kaniya-sipi.de  ، مجلة الصوت الآخر، اربيل، العدد 125، تاريخ 7/1/2009م.

 (5) بدل فقير حجي، الأربعاء 04/10/2006، عن مركز قنديل، العدد 94.

 (6) الدكتور معروف خزندار، مجلة شمس كردستان، العدد 2، سنة 1971 موضوع عن قنات كوردو. ممتاز الحيدري: مجلة نووسه رى كورد- الدورة الثانية،العدد4، في 1986، موضوع بمناسبة وفاة كوردوييف، كريم شاره زا، البروفيسور قنات كوردو، كتاب أعلام الكورد، مخطوط. الصوت الآخر عدد311 تاريخ20/10/2010م. اتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق. ht (1)جواهر المبدعين: 169، جريدة خه بات، العدد748، تاريخ 28/10/1994، tp://www.iraqiwritersunion.com ،

(7) المأساة في مذكرات أول طالب إيزيدي (أحمد ميرازي)، إعداد وترجمة – داود مراد الختار، 1/5/2012م، موقع أنا الحرة الإيزيدي. ana_alhuraa@yahoo.com، وموقع الألش.

 (8) موقع مركز النور، نارين عمر: الفنّاناتُ الكرديات شموعٌ احترقتْ لتنيرَ دروب الفنّ الكردي - الشّمعة الثّامنة - أصليكا قادر، الاثنين 13/07/2009م.

 (9) نرمين عمر:الفنّانات الكرديات شموعٌ احترقت لتنيرَ دروبَ الفنّ الكرديّ-الشّمعة (16)، تشرين الثاني، 2009م، موقع ويكيبيديا, القسم الخاصّ بالفنّانين الكرد. narinomer76@gmail.com

 (10) نارين عمر: الفنانات الكرديات شموع احترقت لتنير الفن الكردي، الشمعة السابعة كولا كشه، موقع عفرين كرد الإلكتروني، وتقول: كلّ المصادر التي اطلعتُ عليها والتي تناولت حياة هذه الفنّانة كانت مقتبسة من رواية الكاتب الكرديّ الخالد محمد أوزون:  يومٌ من أيّام عفدالى زينكى.(Rojek ji rojên Evdalê Zeynikê)

(11) المصدر مأخوذ من مقالة وردت بالّلغة الكرديّة في موقعwww.kurdish-info.eu بتاريخ 23-8-2008م. كما ترجم المهندس العزيز (حسن شتو) مقاطع من حياة سوسكا سمو من مقاطع من مقالة بالّلغة التّركيّة. نارين عمر: الفنانات الكرديات شموع احترقت لتنير دروب الفن الكردي الشمعة (15)، 8/12/2009م/ موقع:.narinomer76@gmail.com