Share |

عامودا... من يمسكْ بالدجاجة/ الهدفِ يَحظَ بفخذها على المائدة... ريبر يوسف

 

إلى: درويش ملا سليمان

 

(عاد الحصان وحيداً، تقول الجدة فيما الصهيل يبرق في عينها)

 

 

في حدقة النزاع ما بين كاتب كردي وآخر، قائد سياسي وآخر، جماعة مسلحة وأخرى، فريق كرة قدم وآخر، دكان لبيع اللبن والجبن وآخر، عاشق وآخر، حقل قمح وآخر، نوع من الأسلحة وآخر، خطاب حزبي وآخر، قناة فضائية وأخرى، حدود منسوجة من حديد مستورد وآخر، عاهرة وأخرى، طالب وآخر، لعبة بوكر وأخرى، شاعرة وأخرى، حقوقي وآخر، أسلوب كتابة وآخر، مفتاح وآخر، مطبخ وآخر، قارة وأخرى، دولة عظيمة وأخرى، دين وآخر، ولغة وأخرى ترمي السماء بدلوها في قعر التراب مستنهضةً غباراً في مدينة عامودا التي تقع  في الشمال الشرقي لسوريا.

صباحاً، تسنّ الأم سكينها ـ فارس المناسبات الاجتماعية ولاعب الوقت بدل الضائع في عيد ديني أو قومي. صباحاً، حيث الشمس تنهض عن ركبة الله، تدخل الطفلة الصغرى قنَّ الدجاج مثل حصوة في بركة، تندلق الدجاجات البلدية عن الكوخ ناسجةً كل دجاجة طريقاً عبر صوتها، تخرج العائلة برمتها مطاردةً الدجاجات فيما الطفلة الصغرى تضع البيض في جعبة صنعتها، على عجل من فستانها المغبر إثر دلو السماء العظيمة. من يقبضْ على الدجاجة/ الهدفِ يحظَ بفخذها على المائدة.

صباحاً، تدهس الأم قدم الدجاجة المتجهة زفراتها صوب جهة الجنوب، حيث القبلة التي شطرت الكون إلى معركتين عظيمتين، مغمضة العين تصيخُ السمع إلى تراتيل ذبحها، كدعاءٍ يتسلق جبهة الجدّ المصاب بالحمى، مثل قوسٍ على الكمان تسير السكينُ على رقبة الدجاجة. الريش لمخدة زوجة الابن البكر، الأمعاء لهرة البيت، الكبد والقلب للجدة المقعدة. ستأخذ الأم قطعة اللحم المتبقية من صراع الأيادي حول المائدة؛ الأم نحلة تنقل حبات الطلع ما بين أولادها.

صباحاً، يفرش الأب سجادة على دكة قد أسدلتِ الداليةُ عليها أغصانها، فيما الابنة المتعلمة تنقّح ديون العائلة على ورقة مجهولة المصدر وتاريخ الصنع.

صباحاً، حيث الحصرم ممتلئ بالضوء، يقبض الزمن بيده على حنجرة الأب. ما من سور للبيت فيضبط الأمن ما بين دجاجات الحي المرهقة إثر مطاردات القومية والدين، ما من سور يقسّم بيد العدالة النور المندلق على فناء البيوت المتشابكة مع بعضها البعض مثل جسد الغريق وجثة المنقذ. ما من سور للبيت يفك به الأبُ بحة الصراعات من صوته، الأصوات في السماء يتقاذفها الهواء مثل فساتين مهجورة الأجساد والنطاف.

صباحاً، يصنع الطفل قطيعاً من الطين إذا ما يبس أطلقَهُ مثل الاسم في الشوارع الخاوية.

صباحاً، ما من آية قرآنية جديدة تحدّ من حدة النظرات في عين الشمس الجاحظة.

لا يهدأ الماء في بئر تسرّحُ الريحُ حولها صوفَ الماشية. ما من دسم يهطل من عيون الأغنام. وحده القشُّ مغروس مثل سكين في مؤخراتنا الملتصقة بمؤخرة الزمن.

 

 

 

 

برلين