Share |

فتح الله غولان: الزعيم الخفي لتركيا!...هوشنك أوسي

المدقق في تفاصيل الحيوات السياسيّة والآيديولوجيّة، يرى أن أتاتورك يقود العلمانيّين من قبره، وأربكان كان يقود حزب السعادة الاسلامي (المتبقّي من حزبه – الرفاه) من خلف الكواليس، حين كان حيّاً، (مجرّداً من الحقوق المدنيّة والسياسيّة بقرار من المحكمة الدستوريّة)، وحتّى بعد وافته سنة 2011.

وعبدالله أوجلان، الزعيم الكردي، لا زال يقود حزبه وهو رهن السجن الانفرادي. وفتح الله غولان، يقود جماعته الاسلاميّة المتغلغلة في حزب العدالة والتنمية، وكل مؤسسات الدولة، وهو مقيم في امريكا!. ما يعني ان تركيا، هي بلد التحكّم عن بُعد!. وإذا كان القادة؛ أتاتورك، أربكان وأوجلان، معروفون، فإن غولان، ودوره ووزنه وتأثيره في السلطة والسياسة التركيّة، ليس معروفاً لدى الكثيرين.

 

من هو غولان؟

داعية اسلامي، ولد يوم 27/04/1941 في قرية "كوروجك" التابعة لبلدة "حسن قلعة" بمحافظة أرضروم، جنوب شرق تركيا. نشأ وسط عائلة متديّنة.حفظ القرأن ودرس العلوم الدينيّة في فترتي الطفولة والصبا. أثناءها، تعرّف على "رسائل النور" التي ألّفها المصلح الديني، سعيد الكردي - بديع الزمان النورسي (1877 – 1960) وتأثّر بها. في العشرين من عمره، عيّن إماماً لإحدى جوامع مدينة أدرنة. بدأ العمل الدعوي في جامع "كستانه بازاري" بمحافظة إزمير، مطلع الستينات (بعد وفاة النورسي). وطاف الاناضول واعظاً.

يرى مراقبون أن الكثير من أفكار النورسي وتلخيصه مشاكل وأعداء المجتمع الكردي بـ"الجهل، الفقر، التشتت"، ومحاولته النهوض بالكرد ومناطقهم علميّاً، وطلبه من السلطان عبدالحميد، فتح فرع لجامع الازهر في منطقة "وان" الكرديّة، قام غولان باقتباسها ونسبها الى نفسه، وأسقطها على الواقع التركي والإسلامي، وافتتح المدارس والمعاهد والجامعات الدينيّة في تركيا، المغرب، مصر، العراق، جمهوريات آسيا الوسطى، البلقان، القوقاز، اندونيسيا، كينيا، أوغندا...، (يمتلك أكثر من 1000 مدرسة خاصّة، وعدد من الجامعات، ومئات المدن الجامعيّة، وبيوت الطلبة. ويمتلك امبراطوريّة إعلامية تضمّ صحف ـ ومجلات ـ ومحطات إذاعيّة ـ وفضائيّات ثقافيّة ـ إخباريّة ـ اجتماعيّة خاصّة بالأطفال، تبث بعدّة لغات)، إلى جانب مؤسسات العلاج والمشافي الصحّية، وعدد من أكبر دور النشر في تركيا وخارجها، وجمعيّات ومنتديّات رجال الأعمال. وعشرات المواقع الإلكترونيّة، تنشر مقالاته ومؤلفاته وأخباره بـ22 لغة. اللافت أنه لا توجد حتّى الآن تقارير واضحة وشفافة تفيد بمصادر ثروة غولان!؟. إلاّ أنه احتلّ المرتبة الأولى في قائمة أهم مائة عالم في الاستطلاع الذي أجرته مجلتي "فورين بوليسي" و"بروسبيكت" البريطانية سنة 2008.

 

غولان والنورسي

في تحقيق صحافي، اعددته، في اسطنبول عن الفرق النورسيّة، ونشرته صحيفة "الحياة" بتاريخ 25/10/2009، ذكر فيه الباحث في تراث بديع الزمان النورسي، نوزت أمين أوغلو: (في تركيا، أربع جهات رئيسة، تدعي أنها تتبع نهج بديع الزمان. أولاً: "دار كلمات" للطباعة والنشر، وتضم تلاميذه الأتراك. تسلّط الضوء على الجانب المعنوي، وتتجنّب الجانب الاجتماعي. ناهيكم عن تجاهلها للبعد القومي الكردي في فكر بديع الزمان. ثانياً: دار "يني آسيا" للطباعة والنشر، التي تصدر عنها يومية "يني آسيا" منذ 1970 وتضم تلاميذ بديع الزمان من الأتراك، المقربين من الحزب الديموقراطي الذي ترأسه رئيس الوزارء الأسبق عدنان مدنرس، تم إعدامه عام 1960. ويركزون على الجانب السياسي والديني، وتجاهل الجانب القومي الكردي في فكره. ثالثاً: المؤسسات التابعة للداعية فتح الله غولان المقيم في أمريكا. وهي الأكبر. وتضم امبراطوريّة إعلاميّة واقتصاديّة هي الركيزة والداعم الأبرز لحزب العدالة والتنمية الحاكم. يحاولون الاستفادة من فكره، وتجاهل الجانب القومي. ويركزون على نشر كتبه الجديدة، وتفادي نشر الكتب القديمة التي ذكر فيها بديع الزمان رأيه ومواقفه من هموم الأكراد وشجونهم ومظالمهم ومشاكلهم، وبين آليات المعاجلة لها، كـ"الدروس الاجتماعية"، "ديوان الحرب العرفي"، "مناظرات". هذه الكتب، يتفادون إعادة طبعها. حتى أن كتاب "الدروس الاجتماعية" ممنوع طبعه عندهم!".

سنة 1990، بدأ غولان يقدّم نفسه كصاحب مشروع الاسلام الاجتماعي المعتدل، المنفتح على الحوار مع الأديان الأخرى. وتكلل هذا المسعى بدعوة بابا الفاتيكان السابق يوحنا بولوس الثاني لغولان واللقاء به. سنة 1999، هرب من تركيا ولم يتجه الى أي بلد إسلامي آخر، واستقرّ في أمريكا. في 14/06/2012 وجّه رئيس الوزراء التركي اليه دعوة "لانهاء الغربة" والعودة الى الوطن. إلاّ أنه رفضها بحجّة؛ أن الدعوة يجب ان تكون من الجماهير. وان الظروف في تركيا، ما زالت غير مواتية".

 

غولان وأربكان

في بداياته، كان غولان، يتفادى الخوض في السياسة. وكان يمهّد لخلق حالة منافسة غير معلنة بينه وبين اربكان (حسن البنا الاتراك)، بشكل هادئ ومستتر. ومنذ منتصف التسعينات، بدأ يعلن اختلافاته مع اربكان، ويمكن تلخيصها في:

1ــ اربكان ينظر الى امريكا والغرب نظرة عدائيّة، وان اللوبي اليهودي هو المتحكّم في القرار الامريكي.بينما يرى غولان انأمريكا والغرب قوى كبرى، لابدّ من التعاون معها. أمّا أربكان وحزبه فينظرون الى غولان، وحزب العدالة والتنمية المنشق عنهم على أنهم نموذج "الاسلام المُأمرك" الذي يناسب مصالح أمريكا.

2ــ الجانب القومي لدى غولان أقوى منه لدى اربكان الذي كان يعتبر وحدة العالم الاسلامي ضرورة ملحّة، واسس في هذا السياق "مجموعة الثمانية الاسلاميّة". بينما غولان، فينظر إلى العالم العربي وايران ومنطقة القوقاز وجمهوريات آسيا الوسطى والبلقان هي المجال الحيوي لتركيا. وإذا كان لتركيا العودة لمكانتها كأهم دول المنطقة والعالم، كما في الحقبة العثمانيّة، لا مناص من نفوذ قوي لها وسط الاتراك في كل مكان. وهذا ما يمثّله وزير الخارجيّة التركي أحمد داوود أوغلو في كتابه "العمق الاستراتيجي" ودعوته الى "العثمنة الجديدة".

وتأكيداً على طرحه لنفسه بديلاً عن أربكان، وازدياد النزوع السياسي لدى غولان، سارع الاخير الى احتضان وتأييد انشقاق اردوغان وغل عن حزب اربكان، وتشكيلهما للعدالة والتنمية، ودعمهم في انتخابات 2002، 2007، 2011. وكان غولان عرّاب العدالة والتنمية لدى الغرب وأمريكا، تحقيقاً لطموحه السياسي، بإزاحة اربكان عن صدارة قيادة الاسلام السياسي التركي، وقبله، التعمية على النورسي في قيادة فكر الاصلاح الديني والاسلام الاجتماعي!.

 

ضدّ العلمانيّة

تناولت منابر إعلاميّة غربية عدّة تجربة غولان، كزعيم حركة اجتماعيّة إسلاميّة قوميّة لا تعادي الغرب، وأنه "وجه المستقبل للإسلام الاجتماعي في الشرق الأوسط". بينما يرى معارضوه أنه الخطر الحقيقي والبطيء على العلمانيّة. وأكّد ذلك، نشره شريط فيديو على موقع "يوتيوب"، قال فيه لعدد من أنصاره؛ "أنه سيتحرّك ببطء من اجل تغيير طبيعة النظام التركي إلى نظام إسلامي"، ما خلق موجة غضب في الجيش وباقي المؤسسات العلمانيّة. فأصدرت هيئة التعليم العالي قراراً لا يعترف بالشهادات العلميّة التي تمنحها مدارس غولان للطلبة. وألغي هذا القرار لاحقاً.

 

بدء الخلافات

حزب العدالة والتنمية، هو أقرب الى كونه عقد شراكة بين تيّارات إسلاميّة وقوميّة محافظة، من كونه حزب متجانس، محكوم بوحدة المصالح والآيديولوجيا. فيوجد ضمنه: جناح غولان، (وهو الأقوى)، والجناح المنشق من حزب الفضيلة (جماعة اربكان)، ومجموعة منشقّة من حزب الله التركي، وبعض القوميين المحافظين، اتوا من يمين الوسط (حزب الطريق القويم) ومن اليمين المتطرّف (حزب الحركة القوميّة)، بالاضافة الى بعض الشخصيات المحسوبة على الدولة، ونجدهم في كل الاحزاب كـ"جميل تشيتشك وعبدالقادر آكسو). وعلى خلفيّة تقاسم "الغنائم" (مؤسسات الدولة) يتزايد حاليّاً الخلاف بين غولان وأردوغان، بخاصّة على المؤسسة الأمنيّة التي تريد جماعة غولان السيطرة عليها. ومن غير المعروف ان الخلاف بين أردوغان وغولان سيزداد أم سيُصار إلى رأبه بخاصّة أن تركيا مقبلة على انتخابات محليّة وبرلمانيّة ورئاسيّة، يعلّق عليها أردوغان آمال كثيرة؟. ولم تساند جماعة غولان، سياسات أردوغان، اثناء حركة الاحتجاجات الاخيرة التي شهدتها تركيا، وبل انتقدتها!.

 

الرئيس الخفي

خلال عقد من الزمن، وعبر مؤسساته المتشعّبة في تركيا، الى جانب وزنه وتأثيره على حكومة العدالة والتنمية، كل التغييرات التي كانت تجري في تركيا، كانت على هوى فتح الله غولان. فالأخير، بات يمتلك امبراطوريّة أعلاميّة من صحف وقنوات تلفزة، أبرزها صحيفة "زمان" واسعة الانتشار. وكان الحكومة التركيّة هي العصا الضاربة لجماعة غولان، على شبكات تلفزة علمانيّة تركيّة، عبر إبراز ورقة التهرّب الضريبي في وجهها، ما أجبر بعض اصحابها على بيعها لأشخاص ومؤسسات، إمّا تابعة لغولان او مقرّبة منه.

على الصعيد القضائي، الكثير من المراقبين يرون ان محاكمة أذرع الدولة الخفيّة (أرغاناكون) و(مخطط انقلاب المطرقة الضخمة) من جنرالات وضبّاط كبار وتجّار وساسة وإعلاميين وقضاة...، هو في الأصل، تصفية حساب، أو انتقام غولان من كل الذين استهدفوه أثناء تواجده في تركيا. ما يعني ان غولان، بعد ان انتزع لقب "خوجة: الاستاذ بالعربيّة" من النورسي وأربكان، هو الآن الرئيس الخفي لتركيا منذ استلام حزب العدالة والتنمية للحكم.

 

عن مجلة الشروق الاماراتية الصادرة عن دار الخليج / عدد الاثنين 05/08/2013