ساهم الفنانون الكرد في الحفاظ على ثقافة وفن وقيم الشعب الكردي من خلال فنهم. والفنان محمد شيخو خير مثال على ذلك. يصادف اليوم مرور 33 عاماً على رحيل إحدى قامات الفن، الفنان محمد شيخو، لكن صوته وألحانه يعيشان في قلب الكرد.
ساهم الفنانون الكرد من خلال أغانيهم واختيارهم للقصائد في حماية قيم الأمة الكردية، وساهموا في إفشال مساعي الإبادة الجماعية للشعب الكردي. ومن أحد هؤلاء الفنانين هو الملحن والمغني والفنان محمد شيخو، الذي تمر اليوم ذكرى رحيله الـ 33.
بدأ بالعزف على آلة الناي وعلى العديد من الآلات الموسيقية
فتح الفنان محمد شيخو عينيه على الحياة عام 1948 في قرية خجوكي الواقعة جنوب غرب قامشلو في روج آفا، وكان الابن البكر في العائلة التي تضم 12 فرداً نصفهم ذكور ونصفهم إناث.
أثناء فترة تعليمه الابتدائي في القرية، بدأ العمل كراعي أغنام بالترافق مع الدراسة. عزف محمد شيخو وفي ذلك الوقت على الناي، كما عزف على عدد من الآلات الموسيقية الأخرى مثل البزق، والعود والكمان والأكورديون والغيتار.
لمواصلة تعليمه انتقل محمد شيخو إلى قامشلو عام 1965. درس في المدرسة الإعدادية حيث شارك في العديد من الأمسيات الفنية وغنى عدة مرات باللغة العربية.
يقول الفنان وشقيق محمد شيخو، بهاء شيخو، أنه في عامي 1965 و1966 غنى الفنان آرام تيكران مع محمد شيخو في المدرسة.
الخروج من روج آفا
بسبب الحظر المفروض على الأغاني الكردية في سوريا، سافر الفنان محمد شيخو عام 1969 إلى العاصمة اللبنانية بيروت. درس الموسيقى في بيروت لمدة سنتين وأصبح عضواً في اتحاد الفنانين اللبنانيين كمطرب وملحن.
عمل في لبنان في إحدى الشركات من أجل تأمين متطلبات الحياة، وانضم إلى الفرق الموسيقية أثناء العمل والدراسة؛ مثل فرقة نوروز، وفرقة سركوتين، وفرقة بهار، تأسست هذه الفرق الثلاث في عام 1971.
عاد محمد شيخو إلى روج آفا في عام 1972، حيث عمل في بلدة رميلان، وهناك أشرف أيضاً على فرقة موسيقية. وبسبب عدم رغبته في المشاركة في احتفالات النظام البعثي ترك العمل هناك.
في عام 1973، انتقل إلى جنوب كردستان، ثم انتقل إلى العاصمة العراقية بغداد، حيث عمل في محطة إذاعية هناك، وسجل 7-10 أغانٍ خلال وقت قصير. بعد عودته إلى جنوب كردستان من بغداد، قام تلفزيون كركوك بتصوير مقطع فيديو لاثنين من أغنياته، وقال بهاء شيخو عن هذه الأغاني المصورة: "حتى الآن نحن وأصدقاؤه نبحث عن هذا المقطع المصور. كان مصوراً بالأبيض والأسود".
السجن والتعذيب
بعد عودته إلى روج آفا، لم تتوقف مخابرات حكومة دمشق عن ملاحقة الفنان محمد شيخو، فقد تعرض في كثير من الأحيان للاعتقال والتعذيب؛ لكنه لم يتراجع عن موقفه، ولم يتخلى عن عمله في تطوير الأغاني الكردية.
أثناء الثورة في جنوب كردستان نهاية عام 1974، أراد الفنان محمد شيخو السفر إلى جنوب كردستان مرة أخرى. بعد هزيمة الثورة، انتقل إلى روجهلات كردستان مع البيشمركه، حيث شكل فرقة موسيقية للأطفال في مخيم في مدينة ربت في روجهلات كردستان. في ذلك الوقت، ومن أجل قطع علاقة محمد شيخمو بأصدقائه المثقفين، قامت القوات الإيرانية بترحيلهم إلى مدينة خارج روجهلات كردستان.
سجل 14 من أشرطة الكاسيت الغنائية
أصدر محمد شيخو أول شريط كاسيت له للأغنية الشهيرة "إي فلك" عام 1975 في عاصمة كردستان الشرقية مهاباد. كما أصدر شريط كاسيت آخر عام 1976. كما صدرت له أشرطة كاسيت أخرى في أعوام 1980 و1981 و1982. وبلغ إجمالي عدد الأشرطة التي أصدرها 14 كاسيتاً.
ورداً على سؤال حول عدد الأغاني التي غناها شقيقه محمد شيخو، قال بهاء شيخو: "حتى الآن لم يتم تحديد عدد الأغاني التي غناها محمد شيخو بصوته والتي لحنها. لأن بعض الأغاني كانت تُغنّى مرة واحدة فقط في الأمسيات وبسبب ضغط الحكومة كان يقوم بتمزيق أوراق كلمات الأغنية. على الرغم من أنه غنى القصائد دون ذكر اسم الشاعر، وقد تحمل لوحده مسؤولية مضمون تلك القصائد، وتابع: “هناك أكثر من 120 أغنية لمحمد شيخو. وجدنا بعض الكاسيتات الجديدة في جنوب كردستان. لا زلنا نواصل البحث".
في عام 1977، بينما كان الفنان محمد شيخو يدرّس الموسيقى واللغة العربية في إحدى قرى كردستان الشرقية، تعرف على طالبته نسرين ملك، وهي أيضاً من عائلة كردية. ثم قرر الفنان محمد شيخو الزواج من نسرين.
في روج هلات رزق بـ 4 أبناء. بيكس، فلك، إبراهيم وبروسك. ابنه بيكس فقد حياته وهو لا زال في شهره الثاني بسبب المرض. لاحقاً، أراد محمد شيخو، العودة مع عائلته إلى روج آفا، رغم المشاكل مع حكومة دمشق.
في عام 1989، افتتح الفنان محمد شيخو وشقيقه بهاء شيخو ستوديو تسجيلات في قامشلو باسم تسجيلات فلك. لكن بعد شهرين أغلق المحل بالشمع الأحمر من قبل حكومة دمشق بسبب تسجيل أغانٍ متعلقة بنوروز والأمة الكردية. وبقي مغلقاً لمدة 5 سنوات.
’هدفي هو حماية جهود الشعراء الكرد من الضياع‘
تحدث الفنان وشقيق محمد شيخو، بهاء شيخو، لوكالتنا عن حياة محمد شيخو، وقال إن محمد شيخو رفض كل الفرص لمغادرة كردستان والهجرة وكان موقفه ثابتاً في كل مكان.
وحول نتاجه الفني قال بهاء شيخو إنه لم يبق ضمن دائرة فنية ضيقة، فبالإضافة إلى الغناء كان يكتب القصائد أيضاً، وقال: " كان يقوم بتلحين العديد من القصائد المنوعة، حتى لا تضيع القصيدة وتصبح قيد النسيان، كان يعمل على إضفاء الجمال على مضمون ومعاني تلك القصائد من خلال ألحانه وصوته".
وأشار بهاء شيخو إلى أنه لم يختر قصائد لفنان واحد معين، بل غنى قصائد 18 شاعراً كردياً مشهوراً على الأقل، وقال: " كان محمد شيخو يقول إن غايتي في الغناء هو ألا تضيع أعمال الشعراء الكرد بمرور الوقت. وبهذا الشكل صنع لتلك القصائد أجنحه لتحلّق في جميع أنحاء كردستان".
’أراد محمد شيخو أن يفهم الناس فحوى كلمات الأغاني‘
وأضاف بهاء شيخو: "أهم شيء بالنسبة لمحمد شيخو أنه أراد أن يفهم الناس فحوى كلمات الأغاني. جودة صوت محمد شيخو غير متوفرة أبداً؛ وضوح الصوت ونبرة الحزن والألم التي في صوته لا يمكن إيجاد مثيل لها".
وذكر بهاء شيخو أن أغاني محمد شيخو أثرت في بقية أفراد عائلته: "أثّر صوت وأغاني محمد شيخو علي، وكان لوالدي أيضاً صوت جميل، محمد شيخو أيضاً تأثير بصوت والدي. تعلّمنا الموسيقى وأداء الأغاني بأنفسنا".
للموسيقى والأغاني دور مهم في حياة الأمم
لفت شقيق محمد شيخو، الفنان بهاء شيخو الانتباه إلى دور الفنانين في حماية القيم الوطنية بشكل عام، وذكر أن قطاع الموسيقى والغناء يلعبان دوراً مهماً للغاية في حماية المجتمعات والأمم. والأمة الكردية من أغنى الشعوب في مجالات الفن والثقافة والموسيقى والغناء، وأضاف حول الموضوع: "من مهام الفنان أن يعبر عن آلام ومعاناة شعبه من خلال الأغاني وأن يوصلها للعالم، لقد ساهم الفنانون الكرد على مدى مئات السنين في حماية قيم الأمة الكردية".
وأضاف بهاء شيخو في حديثه: "لهذا كان محمد شيخو ومن أجل تطوير الأغنية الكردية يبحث عن قصائد ذات رسائل ومعاني في السياق القومي والكردستاني. وظلّ مواظباً على ذلك دون كلل أو ملل".
في 9 آذار عام 1989، فقد الفنان محمد شيخو حياته في منزله في الحي الغربي في قامشلو، بسبب مرض في القلب.
قامشلو – سيما بروكي ANHA-