Share |

مصير كردستان الغربية…(خذوا... وطالبوا)… بقلم: محمد الصويركي الكردي. لندن/بريطانيا

خريطة غرب كردستان

كلمات للتأمل:

 

v     (الكرد خلائق لا تحصى، وأمم لا تحصر، لولا سيف الفتنة يحصدهم؛ لفاضوا على البلاد؛ وتحكموا برقاب العباد، لكنهم رموا بشقاق الرأي، وتفرق الكلمة).      (المؤرخ: ابن فضل الله العمري).

v     (التاريخ من أحسن الأساتذة؛ لكن طلابه من أسوأ التلاميذ).    (الزعيم: البرتو موسوليني).

v     (أيها الكورد، توحدوا حتى أعطيكم كردستان).                 (الأميرة: سينم جلادت بدرخان).

v      

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

      الشائع عن الأكراد أنهم يتقنون فن القتال، وهم شجعان وفرسان الشرق كما وصفهم الأديب الأرمني (آبوفيان)، إذ برزت شجاعتهم النادرة عندما وقفوا أمام الغزو الصليبي يدافعون عن الأمة الإسلامية بقيادة البطل الخالد صلاح الدين الأيوبي، ومعركة حطين شاهدة على ذلك، وكذلك ظهرت شجاعتهم في مقاومة المستعمرين لبلادهم قديماً وحديثاً.. لكن في المقابل ينقص قادة الكرد الثقافة السياسة ومعرفة دهاليزها، وإتقان فن المناورات مع الخصوم والحلفاء، ومعرفة التوازنات والصراعات التي تدور على ساحة المنطقة بين مختلف القوى الإقليمية والدولية، ومن ثم التقاط اللحظة المناسبة لتحقيق مشروعهم الاستقلالي. لهذا السبب انتهت ثوراتهم المعاصرة بالفشل الذريع، ودفعوا ثمناً باهضاً مقابل ذلك. ومن هنا يستوجب على القيادات السياسية الكردية أن تتقن فن السياسة إضافة إلى معرفتها بفنون الحرب لأنهما عاملان متلازمان لتحقيق الأهداف المرجوة. وهذا الحالة التي ابتلي بها قادة الكرد دفعت أحد الغربيين إلى القول:" إنَّ ما يكسبه الكورد في أرض المعركة؛ يخسرونه على كرسي التفاوض".

      من يستعرض تاريخ الثورات الكردية المعاصرة يرى ضحالة النضوج السياسي لدى الكثير من قادتها؛ فنراهم يراهنون على قوى خارجية خذلتهم في النهاية الأمر وباعتهم بثمن بخس مقابل مصالحها الخاصة، أضف إلى ذلك ضعف خططهم العسكرية وقلة عددهم وعتادهم... كل ما سبق قادت ثوراتهم إلى الفشل الذريع، وساقت ثوارهم إلى أعواد المشانق والسجن والإبعاد والقتل... ومن هنا الحقوا أشد الضرر بالقضية الكردية لأنهم تركوا الشعب الكردي يواجه القهر والانتقام والتهجير والقتل... وبقيت (كردستان) خاضعة للتجزئة والخنوع منذ نهاية الحرب العالمية الأولى 1918م حتى هذا اليوم.

     لذلك يتوجب على القيادات الكردية السياسية وخاصة القيادات الكردية في سوريا والتي تمر اليوم بمرحلة مفصلية وتاريخية أن تقرأ وتتدبر كيف ناضلت شعوب العالم المستعبدة لنيل حريتها حتى ظفرت باستقلالها المنشود، لذلك يتوجب عليهم امتلاك رؤيا سياسية عميقة وبعيدة النظر من خلال استقراء الواقع على الأرض، وتغيير التكتيكات والتحالفات، ومعرفة موازين القوى الإقليمية والدولية اللاعبة على الساحة، وإتقان فن المفاوضات والمناورات مع كل الأطراف جميعاً وبلا استثناء من أجل رسم خارطة طريق تحقق نجاح قضيتهم العادلة، وتجنب شعبهم التهجير والقتل والتهميش.

     أسرد هذه القصة لعل عقلاء الأكراد يتأملوها: يحكى أنه كان راهبان يعيشان في مدينة روما ويذهبان في نهاية كل أسبوع إلى تلة مرتفعة مشرفة على مبنى الفاتيكان، وهناك يجلسان تحت ظل الشجرة ويتحدثان معاً في أهمية إصلاح الكنيسة إذا ما قيض لأحدهما أن يجلس على كرسي البابوية في المستقبل، وجرت الأيام... وإذ بأحدهم يعتلي ذلك الكرسي، وهنا ابتهج صديقه وأخذ يتطلع إليه لتطبيق تلك الإصلاحات التي كانا يتحدثان عنها تحت الشجرة... مرت الشهور دون أن يجري صديقه البابا أية إصلاحات... عندها نفذ صبره ...وقرر الذهاب إليه ...وعندما قابله أخذ يعاتبه على عدم تطبيقه الإصلاحات التي ناديا بها في تلك الأيام الماضية... وبعد أن أكمل عتابه. قال له البابا: "يا صديقي، أعلَمْ أن رؤية العالم من فوق كرسي البابوية، غير رؤية العالم من تحت تلك الشجرة!!!".

     العبرة من هذه القصة أن الأماني والأحلام شيء والواقع شيء آخر، فالمطلوب من أكراد سوريا شعباً وقيادة أن تكون مطالبهم واقعية وضمن الحد الممكن، ووفق القول السياسي الشهير:"خذ وطالب". فسقف مطالبهم تتمثل في الفدرالية أو الإدارة الذاتية في سوريا الجديدة... وقد عرف عن المفاوض الكردي أنه يطالب دائماً بالسقف الأعلى من مطالبه، ويرفض العروض المتاحة... وفي النهاية يخسر كل شيء، ولو أنه قبل بالمعروض وتكيف معه، ثم ناضل للحصول على بقية المطالب بشكل متدرج عبر المفاوضات والحوارات وترقب المتغيرات والتقلبات السياسية الجارية في منطقة الشرق الأوسط التي ربما تأتي ريحها وفق مصالحه فيغتنمها ويحصل على بقية حقوقه المشروعة، فالوصول الى سطح المنزل يبدأ من درجة السلم الأولى، لذلك قيل في الأمثال العربية : "رُبَّ فرصة أورثتْ غصّة".

     لقدعلمنا التاريخ، أن العامل الخارجي شرط للتغيير، فلولا الإنكليز والفرنسيون لما كان بمقدور العرب التحرر من العثمانيين الأتراك، ولولا التدخل الأمريكي والغربي لما تحرر العراقيون من نظام صدام حسين، ولما حصل الأكراد على دولتهم شبه المستقلة في كردستان العراق، ولولا انهيار الاتحاد السوفيتي لما استقلت عنه خمس عشرة جمهورية....الخ. كما شاهدنا كيف استنجد الليبيون واليمنيون والآن يستنجد السوريون بأمريكا والغرب وبروسيا والصين للتدخل من أجل حل قضيتهم المستعصية.

    صحيح أن الأكراد هم ضحايا الجغرافيا والتاريخ والمصالح الغربية والإقليمية، ويحيط بهم أعداء أقوياء يتربصون بهم، فعلى الرغم من اختلافهم سياسيا ومذهبيا وعرقيا واقتصاديا فإنهم يتفقون على شيء واحد هو الحيلولة دون حصولهم على حريتهم واستقلالهم. لذلك ينبغي التمعن في القول السياسي الخالد: (خذوا وطالبوا)، ولعلنا نتذكر كيف عرض صدام حسين – وإن كنّا نشك في عرضه- على الملا مصطفى البرزاني نصف بترول كركوك مقابل حل المشكلة الكردية؛ لكن البارزاني رفض العرض وركب موجة الثورة، فخسر كردستان وكركوك معاً. وفي عام 1948م عرض مجلس الأمن الدولي على الفلسطينيين دولة مستقلة فرفضوها، وهاهم اليوم يتفاوضون من أجل تلك الدولة  بعد نضال دام ستين عاماً...

    أن ما ذكرناه سابقاً، لا يعني البتة أن لا يطالب أكراد سوريا بالحكم الذاتي أو الفدرالية ضمن الدولة السورية الجديدة، فهذه المطالب مشروعة وتحتاج من ممثلي الكرد في الائتلاف الوطني والمجلس الوطني السوريين، ومن القيادات الكردية الأخرى العاملة على الأرض التكاتف معاً وبذل قصارى الجهود للدخول في حوارات ومفاوضات مع مختلف القوى السورية المعارضة، ومع القوى الإقليمية والدولية التي لها طرف مباشر بالقضية السورية من أجل نزع الاعتراف بهذه الحقوق، والتعهد بتثبيتها في دستور الدولة السورية الجديدة.

      ولا بد هنا من التنويه بمبادرة المجلس الوطني السوري التي اعترفت نوعا ما بما لحق الأكراد السوريين من مظالم، وهو تنويه يشكرون عليه فقد جاء في:"الوثيقة الوطنية حول القضية الكردية في سورية" مايلي:

     ...إيماناً بضرورة إزالة الغبن الواقع على الشعب الكردي على مدى عقود، وللظروف الخاصة التي مرّ بها الكرد في سورية، فقد أصدر المجلس الوطني السوري هذه الوثيقة الوطنية التي تحمل رؤيته والتزاماته لحل القضية الكردية في سورية...حيث أكد المجلس الوطني السوري والقوى الموقعة التزامها بالاعتراف الدستوري بهوية الشعب الكردي القومية، واعتبار القضية الكردية جزءً أساسياً من القضية الوطنية العامة في البلاد، والاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكردي ضمن إطار وحدة سورية أرضاً وشعباً. والعمل على إلغاء جميع السياسات والمراسيم والإجراءات التمييزية المطبقة بحق المواطنين الكرد ومعالجة آثارها وتداعياتها وتعويض المتضررين...ويعمل المجلس الوطني السوري والقوى الموقعة على إقامة فعاليات وأنشطة تساهم في التعريف بالقضية الكردية في سورية والمعاناة التي مرّ بها المواطنون الكرد على مدى عقود من الحرمان والتهميش، بهدف بناء ثقافة جديدة لدى السوريين قائمة على المساواة واحترام الآخر... (المجلس الوطني السوري 03 نيسان (أبريل) 2012).

     من جهة ثانية، صدرت تصريحات مغلوطة بحق أكراد سوريا من قبل قوى سياسية سورية معارضة كان أخطرها ما صدر على لسان رئيس المجلس الوطني السوري السابق (د. برهان غليون) عندما شبهالأكراد السوريين (بمهاجري فرنسا) في تصريحات له بثتها قناة (دوتشه فيله) الألمانية، مما أغضب الأكراد جداً، فما كان منه إلا تقديمالاعتذار للشعب الكردي.

د. برهان غليون

    نحن لا نعجب من تصريحات غليون وغيره ! فهناك الكثير من القيادات السورية المعارضة ممن تؤمن بتلك المفاهيم المغلوطة عن القضية الكردية في سورية، وهنا يأتي دور القيادات الكردية السياسية والمثقفة على توضيح الحقائق والمظالم التي لحقت بقضيتهم طوال حكم نظام البعث، ربما نجد العذر لبعض من يدلي بتصريحات مغلوطة عن القضية الكردية السورية؛ لأنهم خريجو المدرسة البعثية التي حجبت عنهم الحقائق والتاريخ،  وبالتالي غسلت أدمغة جميع شرائح الشعب بفكرها الشوفيني العنصري الاقصائي لمدة ربت على الأربعين عاماً، وصادرت جميع حقوق الشعب الكردي السوري، ووسمتهم بمهاجرين جاؤوا من تركيا في مطلع القرن العشرين... 

     كما إنََّ سلوكيات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي جعلت المراقبون يصنفونه بالذراع الثاني لحزب العمال في سوريا وهذا ظاهر للعيان من خلال تبنيه لفكر وصور ورموز ورايات ذلك الحزب في وسائل إعلامهم المختلفة، وهو خطأ تكتيكي وقعوا فيه مما استعدى تركيا وبعض الجهات ضدهم، فتركيا اليوم تعد اللاعب الرئيس في هذه الثورة، ومهما كان موقفها من الكرد كان يجب على كرد سوريا القيام بدور المهادنة مع تركيا وجبهات المقاومة المسلحة التي تقاوم النظام خاصة التي تقاتل بجوار مناطقهم حتى لا يدخلوا في حرب استنزاف معها، وبالتالي تكلفهم خسائر جسيمة في المال والرجال والأرض. وليت الحزب قدم نفسه كحزب كردي سوري خالص، هدفه الأول رفع المظالم والغبن عن كرد سوريا الذين تعرضوا له من قبل نظام دمشق على مدار أربعين عاماً، أما الكرد الذين يراهنون على نظام دمشق بحجة أنه سلمهم إدارة المنطقة، وسمح لهم بتدريس لغتهم، ومنح الجنسية التي حرموا منها طوال أربعين عاماً، فالنظام تساهل معهم بسبب ضعفه، ولأسباب إستراتيجية آنية، فغدا سينقلب عليهم لأنه نظام شمولي يهادن أيام الضعف، وينكر العهود عند القوة، ويتذكر الجميع كيف أنهم طردوا (عبد الله أوجلان) وسلموا رقبته إلى تركيا؟ وكيف استخدموا (حزب العمال) كورقة للضغط على تركيا حتى يقايضوا بالدم الكردي مياه نهر الفرات؟ وكيف سحقوا ثورة القامشلي عام 2004م؟ ومن هو المسؤول عن اغتيال المناضلين الكرد من أمثال: الشيخ معشوق الخزنوي، والمناضل مشعل تمو....

 

مصطفى كمال

      أذكر قصصاً حيّة من التاريخ القريب لعل عقلاء الكرد يتأملونها، فكيف استطاع ضابط تركي يدعى (مصطفى كمال) من بناء تحالفات ومناورات مع الأكراد حتى حقق غرضه الخاص، معتمداً على أسلوب المكر والدهاء والميكيافلية، فاستطاع بذكائه استدراج الأكراد إلى جانبه من أجل تحقيق استقلال تركيا الحديثة، وعندما تحقق له مراده، تنكر لهم وضرب بوعوده عرض الحائط، وعمل على قمع تطلعاتهم في داخل تركيا وخارجها، فعندما احتلت قوات الحلفاء السواحل التركية في الحرب العالمية الأولى 1918م، ذهب (مصطفى كمال) إلى مدينة (ديار بكر) واجتمع هناك بزعماء الكرد وأخذ يدغدغ عواطفهم الساذجة ويعزف لهم على وتر الدين والتاريخ المشترك اللذان يجمعان الكرد والترك معاً، وتعهد لهم بالحكم الذاتي بعد التحرير – كشف عن هذه الوثيقة عام 1988م- وحتى يطمئن قلوبهم حلف لهم بأغلظ الإيمان بوضع يده اليمنى على المصحف الكريم، واليد اليسرى على صحيح البخاري، ولأنهم شعب ينقصه التجربة السياسية ويتمتع بالطيبة الفطرية صدقوه ووثقوا به، واندفعوا بعواطفهم المتهورة يقاتلون معه في معارك التحرير حتى تحررت تركيا من قوات الحلفاء، وعندما زار وزير الدفاع التركي نصب الجندي المجهول في مدينة أزمير احتفالاً بيوم النصر، قال:"أغلب الظن أن هذا الجندي هو كردي".

لم يقف تأييد الأكراد له عند هذا الحد، بل واصلوا تأييدهعام (1923م) عندما قام بعض النواب الأكراد في البرلمان التركي-منهم الميجور (بِنْباشي) حسن خَيْري-  وأكّدوا لممثلي القوى الكبرى أن الأكراد لا يريدون الاستقلال عن تركيا في دولة خاصة، بل يفضلون البقاء مع إخوتهم الأتراك ضمن الجمهورية التركية الحديثة، وبعملهم هذا تسبّبوا في سقوط (معاهدة سيڤر) التي أقرت للأكراد بدولة مستقلة في جنوب شرق تركيا، وإحلال معاهدة لوزان المشؤومة محلّها التي اسقط منها حق الكرد في الاستقلال، حتى منحهم صفة الأقلية، وبهذا العمل المشين من النواب الأكراد ذوي المصالح الخاصة والرؤيا السياسية الضيقة لا يزال الشعب الكردي يرزخ تحت الاستعمار والهيمنة حتى اليوم، ولم ينل حريته مثل باقي شعوب العالم الحرة.

     بعد ذلك تمكن الذئب الأغبر (مصطفى كمال) من تأسيس جمهوريته الحديثة على أنقاض الدولة العثمانية، وهكذا تحرر العرب والأرمن واليونانيين من عبودية الأتراك، أما الأكراد الذين راهنوا على الأخوة التركية، فجاءهم رد الجميل عاجلاً من الأخ التركي السلجوقي، فحكم على النائب حسن خَيْري بالإعدام؛ بتهمة أنه كان فخوراً بارتداء الزيّ الكردي القومي في جلسات البرلمان التركي، ولم ينتبه إلى خطئه الفادح إلا تحت حبل المشنقة، عندها صرخ قائلاً:" يا شهداء كردستان! ها هو حسن خيري ينضم إليكم الآن"! .

      بعد مدة قصيرة أيضاً أعدم (مصطفى كمال) أحرار الأكراد في ساحات ديار بكر وكان في مقدمتهم زعيم الثورة الشيخ سعيد بيران عام 1925م وكان ذنبهم الوحيد أنهم نادوا بحرية شعبهم الكردي... ثم بدأت سياسة التتريك بحق الكرد، فأطلق عليهم اسم (أتراك الجبال)....وحُِضر عليهم استخدام اللغة الكردية، تحت طائلة العقوبة ...وبعد سبعين عاماً ونتيجة ضغط الاتحاد الأوربي عام 1991م اضطرت الحكومة التركية الى الاعتراف باللغة الكردية....الخ

     عندما استشعر (مصطفى كمال أتاتورك) بخطر (جمهورية كردستان الحمراء) التي أقامها (لينين) للأكراد السوفيت عام 1923م وكانت تقع بجوار جمهوريته الوليدة، بنى علاقات وطيدة مع السلطات السوفيتية والأذربيجانية، ووقع معهم معاهدات إستراتيجية حتى أوهمهم بأنه عازم على تطبيق الاشتراكية في بلاده، فصدقه الرئيس السوفيتي (جوزيف ستالين)، وحقق له مطالبه، فقام بشطب جمهورية (كردستان الحمراء) من التاريخ عام 1929م، ولم يكتفي ستالين بهذا العمل بل تبعه بالتهجير القسري لمئات الأكراد من أذربيجان وأرمينيا وجورجيا ونفاهم إلى صحراء سيبيريا القاحلة حتى مات أكثرهم على دروب المنافي نتيجة الجوع والبرد والمرض، والذين كتب الله لهم النجاة سكن في جمهوريات كازخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، ولا يزال أحفادهم هناك يتجرعون مرارة الفقر والتشرد والحرمان.

الدكتاتور ستالين

      أما الاتحاد السوفيتي السابق الذي رفع شعار الدفاع عن المقهورين والمضطهدين في العالم فنراه يقف مع الأكراد وفق مصالحه الخاصة، دون أي اعتبار أخلاقي أو عاطفي، وعندما كانت مصالحة تتحقق يتخلى عنهم ويترك مصيرهم العوبة في مهب الريح، فقد تخلى عنهم في (جمهورية مهاباد 1946) في إيران، وتأمر مع تركيا في إسقاط (جمهورية آرارات) عام 1930م، وتخلى عنهم في (جمهورية لاشين 1992م) المعهودة في أذربيجان.

      ونتذكر أيضاً كيف تخلت إيران الشاة وأمريكا ودول الغرب عن الثورة الكردية بعد اتفاقية الجزائر المشئومة عام 1975م، فخلال ساعات انهارت ثورة الملا مصطفى البارزاني... وظل البارزاني يردد والحسرة والغضب لا يفارقا فؤاده وشفتاه:" لقد خانوني....!!!" وفي نهاية مرحلته النضالية خرج لنا الملا بدرس تعلمه خلال كفاحه المشرف الطويل بمقولة:" ليس للأكراد أصدقاءٌ حقيقيون؟!!".

 

    هكذا خذل العالم الأكراد مراراً.... لكن الأكراد أيضاً خذلوا بعضهم مراراً حسب قول مثلهم: (كلهم عدو للحَجَل، والحجَل عدو نفسه)، فحدثت بينهم الخيانات والدسائس والمؤامرات والفرقة والتحاسد والبغضاء.... من أجل حفنة من المال، أو المناصب العارضة، أو كسب رضا الأسياد، فعرفنا بينهم- بكل خجل وأسف- (الجحوش، وحراس القرى، ومئات أبو رغال...).

     إن أبجديات السياسة اليوم تقتضي البحث عن المصالح فقط، وتختزل في شعارات سياسية باتت معروفة مثل: (فن الممكن)، (خذ وطالب)، (اقتناص الفرص)، (لا توجد صداقات دائمة بل مصالح دائمة)...الخ.

    فعالم السياسة – بكل أسف- أنكر الجانب الأخلاقي في العلاقات الدولية، ولذلك فمن لا يقدر الأمور بالشكل الصحيح، ويجيد فن المناورة والمفاوضات والحوارات، ويحسب بدقة متناهية جميع المتغيرات، والتوازنات الداخلية والإقليمية والدولية، لا شك ستكون خسارته باهظة جداً... وقد جسد الأكراد هذا المبدأ السياسي في قولهم الشهير: (ليس للكرد أصدقاء سوى الجبال)، لكنهم لا يتذكروه ولا يعتبروا منه- بكل أسف- إلا عندما يتخلى عنهم أصدقاؤهم الوهميون ويكونوا قد خسروا كل شيء.   

    المطلوب اليوم من أكراد سوريا توحيد الصف وجعل خطابهم موحداً، والالتفاف حول قياداتهم الصادقة والمخلصة التي تجعل مصالحهم العليا تسمو فوق أي اعتبار، ونبذ القيادة الهرمة والمصطنعة والمشبوهة وذات الأجندة الخاصة.... لأن حركات النضال لا يقودها إلا الشرفاء والشجعان.

    كما يجب أن يكون للحركة السياسية الكردية في سوريا موقعاً ورؤية في الحركة الثورية السورية، فالشكر الموصول إلى تنسيقيات شباب الكرد الذين قاموا بالمظاهرات والتلاحم مع باقي المحافظات السورية، مع ضرورة توحيد كافة الجهود للحفاظ على المناطق المحررة، وعلى قوى الحماية الشعبية أن تقبل بمشاركة جميع القوى الكردية الأخرى الى جانبها، ولا تحتكر الساحة، فالوحدة اليوم مطلوبة، مع ترك الخلافات جانباً، فهناك مرحلة سياسية شاقة اليوم... وغداَ ... وهذا يتطلب من جميع أكراد سوريا الاستعداد لها...

    في النهاية، لا يختلف اثنان على أنه سيبزغ فجر سوريا المشرق الجديد، وعلى أكراد سوريا الاستفادة من هذه المرحلة المفصلية في تاريخها الحديث، والاستعداد لها، وألا يفوتوا عليهم هذه الفرصة الثمينة، فحذارِ أن تفلت من أيديكم...اللهم أني قد بلغت، اللهم فأشهد؟!