Share |

هل لغة الكتابة والثقافة القومية مقياسان أساسيان لانتماء المثقف ؟.... علي شيخو برازي

الثقافة مصطلح واسع ، ومفهومه يختلف من شعب إلى آخر نسبيا، وكثيرا ما نقف عند مصطلح (المثقف) تلك الكلمة التي تحمل الكثير من الدلالات والقابلة لشتى التأويلات، وقد عرفنا هذا الاصطلاح حديثا، وهي عموما مقياس لوعي المجتمع ، و مدى تطوره في مجالات الحياة، وللغة دور كبير في تحديد معنى الثقافة والمثقف .

 في مجتمعنا الشرقي فقد بات تقليدا لدى الناس، أن الطبيب والمهندس والمحامي والمدرس الخ ....... أي كل من حمل شهادة جامعية أو شهادة معهد، ودون تحديد الاختصاص، فهو مثقف بمفهوم العامة، لكن هل يطبق هذا المفهوم على من أسلفنا ذكرهم ، أم أنه تقليد ورثناه دون أن نأخذ بالاعتبار السياق التاريخي لهذا المفهوم ؟

مدلول هذا المصطلح باللغة العربية، بعيد عن المفهوم العلمي المتعارف عليه، حيث عرف العرب كلمة ثقف بمعنى: غلب، وثقِف الشخص بمعنى: صار فطنا وحاذقا. وفي القرآن ثقِف بمعنى: صادف،(واقتلوهم حيث ثقِفتموهم ) وأفضل ما ذهب إليه عن مفهوم الثقافة هو: عبد الرحمن بن خلدون التونسي المولد صاحب النظرية العصبية، ويقال أنها من أولى النظريات الاجتماعية غير الدينية لدى العرب، هذه النظرية التي تحاول فهم المجتمعات ، وفي أي حقبة زمنية كانت .

أما خارج الإطار الإسلامي فإن أول من بحث في هذا المجال هو : المؤرخ اليوناني هيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد، حيث أرخ للحرب الفارسية الإيرانية في كتابه ( تاريخ هيرودوت) فقد تحدث عن الثقافات المختلفة بغرب آسيا وبلاد اليونان وشمال أفريقيا ، وكما عرف أنه ( أبو التاريخ)، يعد هيرودوت أبا للأنثروبولوجيا أيضا ، كونه دون في تاريخه اختلاف المجتمعات في اللغة والقيم والتقاليد والعادات،وعن الرق والمرأة وعلم الطب ألخ .....

ولا شك أن القصد هنا : الأنثروبولوجيا الثقافية، أي: كل ما هو مكتسب في حياتنا، من لغة وعادات وقيم وفنون وأساطير، وقد أكدت منظمة اليونيسكو على أن الثقافة هي خليط من السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية ، أي كل المنظومة الحياتية .

أما في الغرب فكانت كلمة :( كولتور) تستخدم في التعبير عن نمط الحياة والسلوك والفكر،أي الثقافة ، والكرد يستخدمون هذا المصطلح (كلتور) وبنفس تعريف الانثروبولوجيا . أما مصطلح روشنبير الذي يستخدم حديثا في الأدب الكردي، فلم يكن هذا المصطلح موجودا في الأدب الكردي الكلاسيكي، والذي هو الشعر و الأغاني  والملاحم الفولوكلورية والأمثال، وعلى العموم تعني الثقافة مجموعة من ألأسس الحضارية مثل: القيم - السلوك - العادات – التقاليد – الفنون – التربية – الفكر – اللغة – الآداب – العلوم – الذوق، أي كل ما يمت إلى التطور بصلة .

Tor – huner – zaniest – chej – perwerde – ziman – reman – hest……

وفي الإطار الكردي كان للغات الجوار دورا كبير، في ابتعاد المثقف الكردي عن ماضيه الحضاري، فعدم وجود الدولة الحاضنة، ولغة الكتابة الموحدة، والالتزام بالثقافة الشعوب المهيمنة على الكرد: الفرس والترك والعرب ، جعل من المثقف الكردي مشتتا في فكره وقناعاته وسلوكه .

لكن رغم كل ما ذكرناه هناك عشرات المثقفين ، الذين وضعوا ثقافة الدول التي اقتسمت كردستان، وعملوا على رواج الإرث الثقافي الكردي، ونجحوا في مسعاهم إلى حد بعيد .

أما في هذه المرحلة التاريخية الهامة من تاريخ شعبنا، كان الأجدر بنا أن نكون أكثر التصاقا بماضينا، وهنا نحن أمام السؤال التالي : هل المثقف الكردي يدرك ، ما ذكرناه من مدلولات الثقافة ؟ وأقصد هنا : هل من ينعت اليوم بالمثقف، ملم بتاريخه ولغته وأدبه وقيمه وتقاليده وفنه وعلومه وتراثه المدون وغير المدونّ ؟  وهل اختصاصه في مجال ما ، كاف ليكون مثقفا ؟ .

وهناك مسألة اللغة والثقافة التي تلعب دورا كبير في تحديد هوية المثقف،  ابن خلكان – ابن تيمية - قاسم أمين - أحمد شوقي - سليم بركات - جميل صدقي الزهاوي – معروف الرصافي – يشار كمال يلماز كوني – محمد كرد علي - عباس محمود العقاد الذي ألف 100 كتاب،  وكتب 100 ألف مقالة، و العائلة التيمورية وغيرهم الكثير، الذين حملوا ثقافات غير كردية  و فكروا بعقلية غير كردية ورفدوا ثقافة الغير  بنتاجهم الأدبي والفكري ، هل نعتبر هؤلاء  من مثقفي الكرد ؟ أم نضع اللغة والثقافة مقياسا لانتمائهم القومي ؟.