Share |

شخصيات كردية من جمهورية أرمينيا السوفيتية (القسم الاول) ... بقلم:الدكتور.محمد علي الصويركي

 الدكتور.محمد علي الصويركي
الدكتور.محمد علي الصويركي

مقـدمـة.

 

     ظهر من بين كرد جمهورية أرمينيا أيام العهد السوفيتي نخبة من الأدباء والشعراء والكتاب والمسرحيين والعلماء والأكاديميين والمؤرخين واللغويين والسياسيين والفنانين والفنانات وذلك أيام احتضنها للثقافة الكردية لمدة سبعين سنة في ظل الحكم السوفيتي (1920-1990م).

     من أبرز هؤلاء الأعلام: د. عرب شمو، د.حاجي جندي، أميني عفدال، د.قناتي كوردوييف، جردو كينجو، وزير نادري، د.جاسم جليل، عتاري شرو، أحمد ميرازي، قاجاغ مراد، يوسف بكو، علي عبد الرحمن، نادو ماخمودوف، د. جليلي جليل، ميرو أسد، خليل مرادوف، جلادت كوتو، د. عسكر بوييك، جميلة جليل، د. أوردخان جليل، والمثقفة نورى بولاتبيكوفا، والقائد الكردي الشهير شمو تيموروف، ومن الفنانات: أصليكا قادر، فاطمة عيسى، كولا أرميني، سوسكا سمو...وغيرهم. وهنا سنعرض سيرة بعض من توفر لنا عنهم من معلومات، ونعتذر للبقية لعدم توفر المعلومات الوافية عنهم، مع تقديرنا لجهود الجميع في خدمة الثقافة الكردية.

 

الدكتور عرب شمو

(1309-1397هـ = 1897- 1978م)

عرب شمس الدين شامل (Shamilov)، المشهور باسم (عرب شموErebê Şemo= ): كاتب وشاعر، وروائي مشهور، يعتبر عميد الأدب الكردي، كما ساهم في وضع الأبجدية اللاتينية للغة الكردية.

قد انضم الى الحزب البلشفي عام 1918 م، والتحق بمعهد لازاريف للغات الشرقية في موسكو، وتخرج منه بتفوق عام 1924، وعاد الى أرمينيا ليصبح لولب النشاط المتعدد الجوانب بين الكرد، وأنيطت به مسؤولية متابعة الشؤون الكردية لدى اللجنة المركزية للحزب البلشفي الأرمني،وأسهم في إنشاء المدارس الكردية، وتم اختياره كأول رئيس تحرير لجريدة «ريا تازة Riya Teze = الطريق الجديد» التي بدأت بالصدور من يريفان عام 1930م، وبقي رئيساً لها حتى 1937م. وبعد فترة وجيزة تم أنشاء أول معهد كردي لإعداد المعلمين في أرمينيا، فاختير أول عميد له، حيث تخرج منه مئات المعلمين الكرد من كافة المناطق الكردية في ما وراء القفقاس.

        في عام 1933 التحق عرب شمو بمعهد الاستشراق في ليننغراد (بطرسبورغ) لنيل شهادة الدكتوراه في قواعد اللغة الكردية. وفي عام 1937م كان في أوج نشاطه العلمي والثقافي ويستعد للدفاع عن رسالته لنيل شهادة الدكتوراه في اللغة الكردية حين تم اعتقاله ونفيه إلى سيبيريا وهناك أمضى أيام المنفى في أصقاع سيبيريا الموحشة القاسية يعاني الظلم والاضطهاد، ولم يسمح له بالعودة إلى أرمينيا إلا بعد 19 عاماً أي بعد موت ستالين في عام 1957، وعند عودته واصل نشاطه الثقافي، وتوالت أعماله الروائية للتعويض عن كل السنوات الضائعة من عمره الإبداعي.فكتب أول رواية في الأدب الكردي الحديث (الراعي الكردي= Kurd Þivanê).  واكتسبت هذه الرواية شعبية كبيرة، وحظيت باهتمام الكتاب والقراء في أرمينيا وعلى مستوى البلاد السوفيتية بأسرها، وسرعان ما ترجمت إلى اللغة الروسية ونشرت في موسكو عام 1931. ثم ترجمت إلى عدد من اللغات السوفيتية والأجنبية، وأصبح مؤلفها بين عشية وضحاها كاتباً شهيراً، كما نشر  مسرحية (الراهب المزيف) فكانت أول مسرحية في تاريخ الأدب الكردي، وفى عام 1936 نشر روايته الثانية (أكراد آلاغوز= Kurdên Elegez)، ونجده فيها قد نضج فكراً وتطور فنًّا، واكتملت أدواته التعبيرية ليصل إلى المستوى الفني والجمالي لأفضل الروائيين الروس. أما روايته الثالثة (الفجر) فقد نشرت فور عودته من المنفى، ويبدو انه كتبها في سنوات النفي والاعتقال في سيبيريا.

     ثم توالت أعماله الروائية فنشر رواية: (طريق السعادة =Bextewer  Jiyana) عام 1959، وصدرت عن دار الكاتب السوفيتي في موسكو، 1971م، ورواية (الفجر=Berbang)، ورواية تاريخية من حكاية كردية قديمة بعنوان:(قلعة دمدم =Dimdim) عام 1965م، و قد ترجمت إلى الإيطالية، فاثنان من أوبرات كانت مكتوبة باللغة الإيطالية على أساس رواياته،وهما: إلباستوره كوردو، وإلكاستيلو دي. وقام بنشر مجموعة من القصص الشعبية الكردية في موسكو 1967م، وفي عام ١٩٦٩ صدرت أعمال مختارة لـه في مجلد واحد اشتمل على: رواية الحياة السعيدة، الفجر وهبو. كما كتب روايات أخرى. وقد لفتت رواياته أنظار القراء السوفيت والأجانب وعالمه الروائي المتميز، أنه عالم الإنسان الكردي بكل سماته وقيمه الروحية، وخصائصه الاجتماعية، ونضاله من أجل غد أفضل.

عرب شمو وزوجته

     يعد عرب شمو من أكثر الكتاب الكرد شهرة في العالم؛ لأن نتاجاته ترجمت الى أهم لغات العالم الحية: ولا تزال أعماله الروائية هي الذروة في الأدب الروائي الكردي - المدون باللغة الكردية وليس بأية لغة أخرى.  في أواخر كانون الثاني عام 1977م احتفلت الأوساط الثقافية السوفيتية بالذكرى الثمانين لميلاده، وأقيمت بهذه المناسبة حفلة تكريمية له في مدينة يريفان عاصمة جمهورية أرمينيا، وقد وجهت رئاسة اتحاد الكتاب السوفييت برقية حارة ومطولة إلى الكاتب نشرت في صحيفة (ليتراتورنايا غازيتا)،أشادت فيها بمؤلفاته القيمة، ووصفته بمؤسس الأدب الكردي وعميده، وواضع الأبجدية اللاتينية للغة الكردية، والشخصية الثقافية والاجتماعية اللامعة. ومنح وساماً رفيعاً من مجلس السوفيت الأعلى (1).

 

 

 

 

 

 

البروفيسور جاسم جليل

(1325- 1418هـ =1908- 1998م)

 

        

الدكتور جاسم جليل: قاص، شاعر شعبي، مترجم، موسيقي، وأديب متخصص في الفلكلور الكردي وموسيقاه، يعد من رواد النهضة الثقافية الكردية في الاتحاد السوفيتي السابق، ومن الذين أرسوا دعائم اللغة الكردية وتراثها وثقافتها في جمهوريات القفقاس لمدة ربت على سبعين عاماً ، وله الفضل في ترجمه أبرز نتاجات الشعراء والكتاب السوفيت إلى اللغة الكردية.

      ولد في قرية (قزل قولي) في منطقة (قارس) بكردستان الشمالية (تركيا) الخاضعة للاحتلال العثماني عام 1908م، أستطاع الطفل المسكين (جاسم) أن يصل مع جمع المتشردين، جائعاً، حافياً إلى (يريفان) عاصمة أرمينيا. وهناك تربى مع آلاف الأطفال اليتامى من الكرد والأرمن في ميتم (الكسندرا بولي) و (جلال وخليي). ثم دخل المدرسة الابتدائية وبعدها المتوسطة وتمكن من تحصيل قدرٍ كافٍ من العلم والثقافة الحديثة، وتعلم عدا لغته الكردية، اللغتين الروسية والأرمنية وآدابهما. 

      في عام 1928 رشح للالتحاق بالمدرسة العسكرية في باكو، ونظراً لذكائه أرسل إلى تبليس بجورجيا للدراسة هناك، وفي بدايات العام 1929م بعد أن تحسن وضع كرد ما وراء القفقاس في (أذربيجان، أرمينيا، جورجيا)، وقيام الأديب الكردي (عرب شمو) بمساعدة مورغوف بوضع (ألف باء) اللغة الكردية، فتحت الدولة الروسية المجال أمام الكرد لتعلم لغتهم قراءة وكتابة، ولكن لقلة الكادر الكردي الذي يستطيع أن يقوم بعمله المطلوب في المدارس والمعاهد، اختاروا عدداً من يتامى الكرد والأرمن وكان (جاسم) من بينهم، وهكذا عاد جاسم من تبليس إلى يريفان لخدمة الثقافة الكردية.

    أصبح (جاسم) عضواً في الحزب الشيوعي السوفيتي في العام 1930، ومديراً لمعهد إعداد كوادر الكرد والأرمن في المراكز والمدارس الكردية لما وراء القفقاس في العام 1931. وقد تخرج على يديه مئات الشباب والفتيات الكرد، وأصبحوا مدرسين في المدارس الكردية، ونظراً لتفوقه في معهد إعداد الكوادر، اختارته الحكومة الأرمينية في العام 1932 مديراً للطباعة وتطوير اللغة والأدب الكردي، وبعد هذا التغيير أصبح المسؤول الأول لطباعة الكتب الكردية، ومنذ ذلك الحين شقت الكتب المكتوبة باللغة الكردية طريقها إلى الصدور مثل باقي اللغات الأخرى في الاتحاد السوفييتي.

       وما بين عامي (1932- 1938) وفي السنة الأخيرة أوقف ستالين هذه الإصدارات، وكان (جاسم) في ذلك الحين قد طبع مئات الكتب باللغة الكردية من كتب المدارس، ودواوين الشعر، وترجم الكلاسيك الروسي إلى اللغة الكردية. فقد أعد (جاسم) لوحده حوالي عشرة مقررات للمدارس الكردية، إضافة إلى ترجمة عدة كتابات لماركس ولينين إلى اللغة الكردية، ولا تزال بعض كتبه تقرأ وتدرس.

     التحق في كلية الحقوق الجامعية ونال منها شهادة الدبلوم، وفي سنوات الحرب العالمية الثانية (1940-1946) أصبح مدرساً للغة الكردية في المدارس العسكرية الخاصة، و بناءََ على طلب من الحزب الشيوعي في يريفان نظم حوالي (500) أمسية في المناطق الكردية، حول حب الوطن، ومحبة الأمم.

      لعب (جاسم) دوراً كبيراً في مجال تطوير اللغة والأدب الكرديين بعد الحرب العالمية الثانية. وغدى مترجماً جيداً، وفي الذكرى المائة والخمسين لميلاد الشاعر الكلاسيكي الروسي (أ، س، بوشكين) 1937م، قام بترجمة روائع شعره ونشرها باللغة الكردية. كما ترجم نتاجات أدبية لشعراء وكتاب من لغاتها الأصلية إلى اللغة الكردية وبالعكس، وبعد موت (ستالين) فتح المجال مرة أخرى أمام اللغة الكردية ليتعلموها في قراهم، وأعادت جريدة (ريا تازه) البسمة إلى وجوه الكرد إثر صدورها مرة أخرى.  

       بعد موت (ستالين) – عدو الكرد- أصبح في ربيع سنة 1953 أحد مؤسسي القسم الكردي لمحطة إذاعة يريفان الرسمية الذي افتتح سنة 1955م، فسمح للكرد بأحياء لغتهم وتراثهم وتاريخهم القومي من خلال تلك المحطة، وكان هو مديراً لذلك القسم؛ فأهتم كثيراً بأحياء التراث الكردي من أدب فولكلوري وموسيقى شعبية، وأسس أرشيفاَ جيداَ لتلك الأصناف، واستطاع في مجال فن الغناء الكردي من تسجيل 700 أغنية شعبية ومقاطع موسيقية بألحانها الأصيلة وبذلك حافظ عليها من الضياع والاندثار، وقام ببثها عبر دار الإذاعة فخدم بذلك الفن القومي لأمته، وانتشر صوت الشعب الكردي إلى العالم، وغدى الأكراد في أجزاء كردستان الأربعة يستمعون إلى موسيقاهم وفولكلورهم، ولم يكن عاشقاً لسماع الأغنية الكردية فحسب، بل كان موسيقياً أيضاً يعزف على الناي، فكان يتذكر أغاني طفولته، وطفولة قرى آبائه وأجداده، فكثيراً ما كان يغني ويدندن تلك الأغاني، ويشعر بالراحة والترويح عن النفس، لذلك كان للقسم الكردي في إذاعة يريفان دور كبير في إيقاظ الكرد وبث الروح القومية فيهم.

       وهكذا أهتم (جاسم) بجمع ودراسة الأدب الفولكلوري الكردي، وأصبح له دور كبير في إحياءه في تلك الأصقاع القفقاسية وخارجها، وقد انسجم مع الأدب الشعبي الكردي انسجاماً تاماً حتى أصبح هو شاعراً شعبياً غزير الإنتاج يشار إليه بالبنان، فذكر اسمه في موسوعة (انسكلوبيديا) بلدان أرمينيا وروسيا وأوكرانيا كشاعر ومثقف كردي خدم تراث أمته. بالإضافة إلى نظمه مجموعة دواوين شعرية باللغة الكردية مع 23 مؤلفاً آخر من الكتب التراثية منها ملحمة باسم (عمر الجلالي) باللغة الروسية، وملحمة (قلعة دم دم)، وله نتاجات أخرى وترجمات للقصص الأجنبية ولاسيما من اللغة الروسية والأرمينية، ودراسات باللغات الروسية والألمانية والفرنسية والتركية.

      لقد وهب (جاسم) سبعين عاماً من عمره هدية للشعب الكردي دون أن يتوقف يوماً عن حب وطنه، فكان هاجس الوطن دائماً في فكره وقلبه، وعاشقاً لفولكلوره الذي أعتبره أساساً لكتاباته ومزيناً لها، جاهداً للتعريف به للشعوب المجاورة من الأرمن والروس والجورجين، وترجمت العديد من أشعاره إلى اللغة الروسية، ونشرت في كبريات الصحف السوفيتية مثل (برافدا) و (ايزفستا) وصحف أخرى.

    بفضله أيضاً ترجمت أشعار الكثير من الكتاب الكرد إلى اللغة الروسية، والإنكليزية، والأذربيجانية، والأرمينية، ونشرت في مجلات مختلفة في أرمينيا. حقيقة لقد كان جاسم علماً بارزاً في الاتحاد السوفيتي السابق، فلم تبق مجلة أو صحيفة في أرمينيا إلا ونشرت قصائده، وتحدثت عنه بايجابية. وفي العام 1936 في اتحاد الكتاب السوفييت، أصبح لعدة مرات ممثلاً في الكونفرنسات في موسكو ويريفان لنشاطه الدائم والمثمر، ونال العديد من الجوائز.

       كان رجلاً مثقفاً قومياً ووطنياً مخلصاً لأمته الكردية، وقد وقف مع أكراد العالم الذين تعرضوا للاضطهاد والقمع، فأثناء الظلم الوحشي الذي كانت تمارسه الحكومة العراقية على ثورة الملا مصطفى البارزاني، نظم العديد من القصائد عن أحداث كردستان الجنوبية بعد انقلاب 8 شباط 1963م الأسود، عندما بلغت المظالم على أشدها على يد الحكام المستبدين في بغداد، وترجمت تلك القصائد إلى اللغة الروسية ونشرت تباعاً في جريدتي (برافدا) و (أزفيستيا) وكان لها أكبر الأثر في نفوس الكرد وغيرهم من شعوب الإتحاد السوفيتي السابق، وعندما سمع بجريمة قصف مدينة (حلبجة) في كردستان الجنوبية بالسلاح الكيماوي من قبل النظام البعثي الفاشي عام 1988م، وجه رسالة مفتوحة إلى الرئيس السوفيتي غورباتشوف آنذاك طالباً من الحكومة السوفيتية إدانة واستنكار ذلك العمل الإجرامي بحق الشعب الكردي الآمن، واعتباره جريمة بحق الإنسانية وقتلاً جماعياً ضد أمة تريد الحياة. 

      وبعد تقديم خدماته الجليلة في حقول الشعر والأدب والفولكلور والترجمة التي خدمة الثقافة الكردية، توفى جاسم جليل في 24/10/1998 في أحد مشافي (يريفان) عن عمر ناهز التسعين عاماً، قضى أكثر من سبعين عاماً منه في خدمة الأدب والفن والتراث الشعبي لأمته، كانت ممزوجة بالمرارة والسواد، وبقيت رؤية أرض الآباء والأجداد (كردستان) حسرة في قلبه، وقد دفن فوق تل يبعد 15كم عن يريفان، وإلى الشمال من قبره ترى جبال (الاغوز) بوضوح، تلك الجبال التي أنقذته من الموت ذات يوم، وإلى الجنوب منه يعلو جبل آرارات نحو السماء الذي أصبح مقبرة لشهداء ثورة آرارات ما بين سنوات (1927 – 1930).

     ذهب هذا العالم الجليل بجسده، لكن علمه ومؤلفاته بقيت خالدة بعده، وترك لنا ثلاثة من أبناءه الكبار، وهم: البروفيسور (اورديخان جليل Ordîxanê Celîl (1932-2007), academic and linguist, Armenia/Russia. Ordîxanê) (1932-2007م)، الأكاديمي، واللغوي، وباحث الفولكلور. و البروفيسور (جليلي جليل) المؤرخ المشهور، و (جميلة جليل) الباحثة والموسيقية الماهرة، وقد خدمت هذه أسرة (الجليل) اسماً وقدراً من الأب والأبناء الأدب والتراث والموسيقى الكردية، وآمنوا بقضية أمتهم القومية بكل صدق وتفان وإخلاص (2). 

 

الدكتور جليلي جليل

الدكتور جليلي جاسمي جليل: عالم ومؤرخ وباحث كردي سوفيتي معروف، أصله من أكراد جمهورية أرمينيا السوفيتية، يعمل اليوم أستاذاً للكردولوجيا في جامعة فينا بالنمسا. وقد أسهم في نشر الكثير من الكتب وعشرات البحوث والدراسات الجادة المنشورة باللغات (الكردية والأرمنية والروسية)، وعمل على دراسة وتوثيق مراحل وأحداث مهمة من تأريخ الكرد الحديث، وفي تحقيق ونشر روائع التراث الإبداعي الشفاهي الكردي.

     ينتمي جليلي جليل إلى أسرة كردية امتلأت قلوب أفرادها بحب الكرد وكردستان، وكرست حياتها لخدمة الشعب الكردي وتراثه القومي والأدبي. فقد كان والده جاسم جليل كاتباً وشاعراً معروفاً، وله إسهامات كثيرة في شتى المجالات الثقافية الكردية، ويعد أحد مؤسسي الأدب الكردي الحديث في ما وراء القفقاس، ويعود الفضل إليه في استحداث القسم الكردي في إذاعة يريفان عام 1955. وشقيقه الدكتور أورديخان جليل باحث معروف في مجال تحقيق ونشر التراث الكردي بشقيه الشفاهي والمدون، فأصدر بالاشتراك مع أخيه جليلي مجلدين عن الفلكلور الكردي. كما أن شقيقته جميلة جليل فهي موسيقية معروفة بذلت جهودا كبيرة في جمع وإحياء الألحان الكردية الشعبية، ووضع النوتات الموسيقية لأكثر من (500) أغنية، وجعلتها في متناول محبي الغناء الكردي.

       لقد أسهم جليلي جليل خلال أربعين عاماً من الجهد العلمي المتواصل، وعبر العديد من الكتب وعشرات البحوث والدراسات الجادة المنشورة باللغات الكردية والأرمينية والروسية، في دراسة وتوثيق مراحل وأحداث مهمة من تاريخ الكرد الحديث، وفي تحقيق ونشر روائع التراث الإبداعي الشفاهي الكردي.

       تخرج الدكتور جليلي جليل من كلية التاريخ بجامعة يريفان في عام 1959، ثم واصل دراسته العليا بمعهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم السوفيتية فنال شهادة الدكتوراه في عام 1963 عن رسالته: (حركة التحرر الكردي من خمسينات إلى تسعينات القرن التاسع عشر)، وقد صدر بالروسية عن أكاديمية العلوم في موسكو عام 1966 في موسكو تحت عنوان: (الانتفاضة الكردية في عام 1880). وقد ترجم الى العربية من قبل  سيامند سيرتي، ونشرته رابطة كاو للمثقفين الكرد، عن دار الكاتب، بيروت، 1979م.

    أما كتابه الآخر فقد صدر في موسكو عام 1973 تحت عنوان «أكراد الإمبراطورية العثمانية في النصف الأول من القرن التاسع عشر»، وقد شرح وحلل علاقات الأمارات الكردية التي كانت قائمة في تلك الفترة: (بابان، بادينان، سوران، هكاري، بوتان) بالحكومة المركزية في اسطنبول، والحملات العسكرية التركية ضدها، والتنظيم الداخلي وأوجه النشاط السياسي والاقتصادي فيها، وانتفاضة يزدان شير خلال حرب القرم (1853 - 1856) بين تركيا وروسيا، وهذا الكتاب تناول بالبحث والتحليل الفترة الممتدة من عام 1820وحتى عام 1880 في التأريخ الكردي الحديث، وقد كرس المؤلف قسماً كبيراً من هذا الكتاب لأمارة سوران ومحاولات أميرها المنصور محمد باشا الرواندوزي توحيد أجزاء كردستان. واهتمامه بالبناء والتعمير والعلم وأهل الخبرة في الصناعات المختلفة، وهي من السمات البارزة لهذه الإمارة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

      أما الحقل الآخر الذي ركز عليه الدكتور جليلي جليل جهوده ابتدءاً من أوائل السبعينات من القرن الماضي فهو مجال إحياء التراث الكردي بشقيه المدون والشفاهي، فقد اصدر مع شقيقه الدكتور أورديخان جليل كتاباً ضخماً من (508) صفحة يشتمل على آلاف الحكم والأمثال الكردية (تضمن 15 ألف حكمة ومثل سائر) مع مقدمة إضافية عام 1973م , وقد ترجمت مقدمة الكتاب من اللغة الروسية الى الكردية، وتم نشرها في مجلة ( روشنبيري نوي) في عام 1973. كما أصدر مع شقيقه أيضاً كتاباً ضخماً ضم روائع الإبداع الشفاهي الكردي بعنوان (زاركوتنا كردا) عام 1978، تألف من (534) صفحة، ويعد من أهم الكتب التي ظهرت حتى اليوم عن الفولكلور الكردي.

    كما وضع دراسات باللغة الروسية حول تاريخ الصحافة الكردية ودورها في نشر وتعميق الوعي القومي والفكر السياسي لدى الكرد، وهي دراسات علمية رصينة معمقة، وغنية بالمعلومات والأفكار والاستنتاجات بأسلوب واضح جميل.

   وله بعض الكتب التي ترجمت إلى اللغة العربية مثل كتاب: (انتفاضة عبيد الله النهري عام 1880)، ترجمة سيامندي سيرتي، وكتاب:(نهضة الأكراد الثقافية والقومية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين)، ترجمه عن الروسية بافي نازي، ود. ولاتو. ونشرته رابطة كاوا للثقافة الكردية في بيروت، 1986، وكتاب (قصائد من الفلكلور الكردي)، تحقيق بالاشتراك مع حاجي جندي، ومن إعداد وترجمة ولاتو، نشر رابطة كاوا للثقافة الكردية، بيروت. 

    امتاز الدكتور جليلي جليل بتواضع العالم الحقيقي، وانصرافه إلى العلم في هدوء وصمت، ونكران الذات. ونتطلع إلى من يقوم بترجمة أبحاثه وكتبه إلى اللغة الكردية والعربية، التي لا يمكن أن يستغني عنها أي باحث أو مهتم بالشأن الكردي (3).

 

يتبع

_

_

_

 

في القسم الثاني  

البروفيسور حاجي جندي جواري

الدكتور عسكر بوييك

البروفيسور قناتي كوردوييف

أحمد ميرازي