Share |

نوروز…بقلم : طارق كاريزي

قال زميلي الكاتب محمد سعدون السباهي أيام كان يقيم في اربيل "شيء غريب ان تجد شعبا بأكمله يتوجه في يوم واحد الى الطبيعة." قال ذلك من باب الدهشة والاعجاب وأضاف "خرجنا نحن ايضا، انا وزوجتي في يوم نوروز اسوة بسكان عاصمة اقليم كردستان." ومن ثم سرد الاجواء الطيبة التي أمضاها مع المحتفلين في ذلك اليوم النوروزي.

 

انه اليوم الأكثر حيوية واثارة على مدار العام لدى الشعب الكردي حيث يستقبل الملايين من الكرد ان كانوا في كردستان التي تتوزع على اربع بلدان شرق اوسطية او في بلدان الهجرة والاقامة في مختلف انحاء العالم، نوروز بفرح غامر وسرور لن يتكرر طوال العام حتى يحل نوروز جديد غرة اليوم الاول من العام المقبل وفق التقويم الكردي الذي يصادف بدايته يوم 21/ آذار من كل عام بحسب التقويم الميلادي (الكريكوري).

 

ليس من السهل تتبع مفردات الثقافة الكردية المنسية او الغابرة التي أفلت مع مرور القرون، ولعل نوروز هي المفردة الأكثر ثباتا وديمومة ضمن سياق التراث الروحي والثقافي للكرد، بما يحمل من عوامل الصمود ومعاني التجدد ومضامين التفاؤل والحيوية. التلازم بين الطبيعة ونوروز وتثبيت ذلك في التقويم الكردي، منح الركيزة الكبرى لديمومة هذه المناسبة الكبرى، فطالما هناك تقويم زمني يتوزع على الايام والشهور والفصول الاربعة، فان نوروز تبقى المتلازمة السرمدية التي تأبى الافول كما الزمن لدى الكرد.

 

نوروز ثقافة وتراث آسيوي يبدأ من غربي الصين لدى شعب الويكور (أحد بطون الترك) وينتهي بالكرد في شرق البحر المتوسط، ضمن هذه الجغرافية الواسعة يحتفل حوالي 400 مليون نسمة يتوزعون على العديد من الشعوب بهذا العيد. ولكل شعب من هذه الشعوب سرديته فيما يتعلق بنوروز، ولا اختلاف لديهم في تحديد يومه، فالكل متفقون على يوم نوروز وفق التقويم السنوي، ولا يمكن الجزم بشكل قاطع فيما يتعلق بجذور هذا العيد ومنشأه، مع هذا هناك اجماع حول قدمه في التاريخ وتجذره لدى الكرد في عمق تاريخهم وتراثهم.

 

يؤكد العديد من الباحثين بأن نوروز هو العيد الاقدم للبشرية الذي مازال الاحتفال به جاريا حتى يومنا هذا. وتتباين تقاليد الاحتفال بنوروز بحسب الشعوب التي تحيي هذا العيد، ويبدي الكردد غنى استثنائيا من حيث مراسم احياءه سنويا. ومن ابرز ملامح عيد نوروز لدى الكردد ارتداء الملابس الجديدة والازياء الشعبية وايقاد النيران عشية الليلة الاخيرة من العام الماضي والخروج الى الطبيعة صباح اليوم التالي تعبيرا عن الفرح والسرور بقدوم العام الجديد، واعداد ما لذ وطاب من الاطعمة وتناولها في الهواء الطلق وسط احضان الطبيعة والتعبير عن السرور والحبور بالغناء والرقص الشعبي الكرددي (الدبكة).

 

ويكتسب نوروز ابعادا واقعية تتحكم به ظروف حياة الكرد، فان كان الكرد يعانون من سيطرة قوى خارجية تتحكم ببلادهم وتصادر حريتهم، تتحول نوروز الى بادرة تحثهم على الثورة ومقارعة المحتلين والغاصبين، وهكذا يمكن توقع جدلية الاحتفال بنوروز وفق الواقع الكردي والكردستاني، فالقيمة الرمزية لهذا العيد تعد رأسمالا كبيرا من النادر ان يضاهى يمكن توظيفه من قبل ابناء الامة الكردية بما يتوافق مع أمانيهم وتطلعاتهم.

باس نيوز