كانوا أطفالاً صغار ضمن حي مختلط فيه بيوت ، من كرد وعرب
مرعي وجاسم وخلف وحسين وتيسير وشافع وسلوم ورمضان ووائل، والأطفال الكرد التالية أسماءهم مسعود ، أوجلان، جلال، سرخبون، آزاد ، لهنك وحين تغلق كل المدارس وتبدأ العطلة الصيفية وفي عز الصيف الحار عند المساء، عند الساعة السادسة أو الخامسة والنصف، حينها تصبح حرارة الشمس أخف بقليل، يلعب أطفال الحي كرة القدم ليقلد كل منهم ما يراه من فلم كرتون كابتن ماجد أو رابح من حركات، كأن يسددوا الكرة بقوة حتى لا يستطيع الحارس التصدي لها وتمر من بين يديه، لتذهب لآخر الحارة ، أو لتذهب على سطح أحد البيوت وعندها إما أن يمزقها صاحب البيت مهدداً ومتوعداً الأطفال المشاغبين، أو
. يعيد الكرة للأطفال كي يكملوا لعبتهم محذراً إياهم من رميها للسطح مجدداً
وهكذا تمنح للأطفال فرصة جيدة من المهم أن يحذروا من أن تذهب الكرة مجدداً لأحد الأسطح ، وتنتهي اللعبة بوابل شتائم ، أو لتغيير سير اللعبة بلعبة أكثر خطورة وهي أن ينقسم صبية الحي لفريقين لأجل البدء بلعبة قذف الحجارة بعد أن يتخذ كل فريق موقعه، ليتواروا خلف تلك الدار الخربة وهي الحد الفاصل فيما بينهما، فتنتهي اللعبة بمشاهد دموية كأن يشج أحد الأطفال رأس طفل مقابل ويبدأ تدخل الأهل واللجوء للشكوى وتبوبيخ أهل الطفل المدان، أو أن ينشغل الأطفال بلعبة خطرة أخرى وهي إيجاد وكر دبابير وتسديد الحجر باتجاه شق الحائط الذي تخرج منه الدبابير لتتصدى ببسالة لتحرشات ، ،الأطفال به فالأقل حظاً وحركة هو الذي يقع في حصار تلك الدبابير الحمراء فتحيطه من كل الاتجاهات وتلدغه في كل أماكن جسمه
لقد جاءت لآزاد فكرة، أراد عرضها على سلوم ، وسلوم هذا أكبر الأطفال معروف بعنفه وسلاطة لسانه، وكثرة أخوته، فقد كان ينظم عصابة مكونة من أخوته من زوجات أبيه الثلاثة، فلا يتجرأ أحد على عصيان أمره، فقد عوّد من حوله قبل بدء اللعب ، على أن يشتم ويهين من ينضم للعب معه ، الأكثر ظرفاً أنه يبرع
في تأليف شتائم لا تخطر ببال أحد ، أحد أكثر شتائمه القذرة:
هل تريد الانضمام إلينا أيها القذر، شرطي هو أن تجعلني أمتطيك أمام الأولاد وأغتصب أختك داخل حظيرة التبن
آزاد هو الوحيد الذي تمرد على سلوم ، رغم قصر قامته مقابله، وهزالة جسمه، لم يكن نداً حقيقياً لسلوم، لكن لم يكن ليستطيع أن يصمت أمام إهاناته، فصارت له مكانة رمزية بين أطفال الحي وذلك بعد عدة شجارات ، استطاع أن يثبت ويصمد بالرغم مما فعله سلوم به ، حيث كسر زجاج نافذة بيت آزاد ، فما كان من آزاد إلا أن هجم كالمجنون ولوحده عليه ممزقاً قميصه المكوي ،وقد أراد بعد هدوء الجو بينهما ، أن يشاركه الفكرة التي تجول في ذهنه.
- سلوم لدي فكرة أظنها ستروق لك.
- ما هي أيها اللعين.
- بات لدي فريق كردي، وأقترح أن ننظم مباراة كرة قدم بين الكرد والعرب، ما رأيك ؟
- أو تظن أنكم قادرون على هزيمتنا في اللعب ؟
- لنرى ونجرب.
- حسناً
راح آزاد وبسرعة يخبر ، مسعود جلال ولهنك ،وسرخبون بهذه الفكرة، فلم يعترضوا ، وأبدوا حماستهم، فقال مسعود
لا يوجد لدي حذاء رياضة، هل أستطيع اللعب بالصندل؟
- حسناً إلعب بالصندل لا بأس.
أوجلان راح يقول لأزاد ، سأخبر أبي وأمي أن يقوموا بتمديد ساعة لعبي في الشارع ، وبعد أن تقوم أمي بتخييط جواربي المثقوبة سأعلمك بجاهزيتي ، لدي حذاء بلاستيكي أبيض اشترته لي جدتي وسألعب فيه، انه قوي وسيجعل تسديدي للكرة أقوى
: تحدث جلال بحماسة:
- أريد أن أكون حارس مرمى، فلقد شاهدت كل حلقات فلم كرتون كابتن رابح ، ولن تفلت الكرة مني سأمسكها وأركلها لكم لتصل لمرمى الخصم.
سرخبون ولهنك لم يكونا على وفاق، بصعوبة تمكن آزاد من إقناعهم بضرورة أن يتحدوا لأن هذه اللعبة ستفرض وجودهم على باقي أطفال الحي
لهنك أصغر وأشقى الصبية ، أصر اللعب حافياً ، فالحذاء الذي اشتراه بنفسه كان واسعاً عليه
: أما فريق سلوم فكان ضعف فريق آزاد، وحدث شجار فيما بين الأولاد إثر تزاحم للانضمام للعبة ، حسمه سلوم صارخاً كالرعد ؟
يا أولاد الذين كفروا هم فقط ستة ، لقد اخترنا ستة فقط
ابن عمي مرعي، وابن خالي جاسم ، وأخوتي خلف وحسين وتيسير ووائل
حين يتعب أحدهم سينوب أحدكم عنه انتهى.
مرعي ترك المدرسة في نصف الفصل الدراسي، وجاسم الطويل كالنخل معروف بخفة دمه ونزقه في آن، أما خلف أشقر الشعر فقد دخل ميدان اللعبة مهاجماً شرساً يلعب الكرة كمن يلعب الملاكمة ، لقد أحال ساحة الملعب لحلبة مصارعة حرة،
لم يكن ثمة مرمى، كنا نضع عدة أحجار فوق بعضها البعض، ويصل طول المرمى مترين ، وحجم الملعب برمته يصل لعشرين متر، والكرة التي يتم اللعب بواسطتها كانت في الأصل كرة سلة مثقوبة ، والملعب بالأصل طريق للدراجات النارية والسوزوكي والتي لا تأتي وتذهب سوى ما ندر
بدأت المباراة ظهيرة الجمعة وأصوات الخطبة تنبعث من مكبرات الصوت من مسجدين على طرفي الحي، حتى اختلط صوت خطيب جامع النور بصوت خطيب جامع الرحمن، الأمر الذي أضفى على اللعبة حماسة أشبه بصوت المعلق الرياضي، وسط زمجرة المهاجمين وشتائم البعض وهتاف البعض الآخر، راح سلوم يعدو خفيفاً نحو مرمى الفريق الآخر، بينما حاول آزاد التقاط الكرة منه ، واستطاع تحريف مسار الكرة قبل أن تذهب باتجاه جلال . ثم راح أوجلان يستأثر بالكرة غير آبه بصياح مسعود الواقف قريباً من مرمى الفريق الآخر ، لرغبته الجمة في أن يحرز هدفاً بمفرده دون منة من أحد.
حتى استطاع كل من مرعي وجاسم استعادة الكرة منه فذهبت إلى سلوم الذي نجح بتسديد الكرة باتجاه جلال الذي قد أخذ غفوة وقتها فدخلت للمرمى دون أن يستيقظ حتى من صوت سلوم الذي راح يقول فرحاً
لقد ركبناهم!!!!
. إنه الهدف الثاني مقابل صفر
- زمجر مسعود بوجه أوجلان
لو أنك شطتها باتجاهي لكنت قد سددت الهدف.
- ولماذا أشوطها لك ؟
- ألسنا فريق واحد ؟
- بلى لكني أريد أن أحرز الهدف لأني ألعب أفضل منك ، ألم ترى أني تجاوزت كل الذين حاولوا استعادة الكرة مني حتى كدت أصل مرماهم لوحدي.
مسعود في الجولة التالية أخذ الكرة واستأثر بها كما فعل أوجلان، وأقسم يميناً أن يحرز هدفاً وقد تجاوز كل المهاجمين المحاولين أخذ الكرة منه ولوحده، وحين وصل المرمى متعباً ،استطاع الحارس تيسير أن يلتقط الكرة منه بيسر، فضربته كانت خفيفة لشدة انهماكه ،في الوصول للمرمى
حين رأى جلال محاولات مسعود وأوجلان في تحقيق هدف على مرمى الخصم ، ترك مرماه وراح يسدد ضربة قوية من مرماه لمرمى الفريق المقابل، فطارت الكرة فوق سطح الجار الذي قام بدوره بتمزيق الكرة المثقوبة إرباً إرباً فهرب كل الأطفال إلى بيوتهم لشدة الخوف الذي اعتراهم من هياجه المجنون.
تغير الزمن وكبر الأطفال وأصبحوا شباباً
آزاد استشهد في معارك الباغوز ريف دير الزور، كان ضمن صفوف اليبك قوات حماية الشعب ، بينما اختفى أوجلان في سجون داعش وقت كان في طريقه من حلب لكوباني، حيث تم أسره في منبج مع مجموعة من رفاقه القادمين من الامتحانات ولا أخبار عنه ان كان حياً أم ميتاً.
أما مسعود فقد التحق ببيشمركة روج آفا ويقيم مع زوجته وأطفاله الست في مخيم دار شكران بهولير،
لهنك بات سياسياً وعضواً في الإئتلاف السوري الكتلة الكردية التابعة للمجلس ,ومقيم في مدينة غازي عينتاب، وسرخبون في روجآفا شمال سوريا مقيم في مدينة كوباني ، وبين فترة وأخرى يتراشقون الاتهامات كخصوم سياسيين ، ولا يجدون مانعاً من أن ينشروا غسيل بعضيهما عبر البثات المباشرة على الفيسبوك بين حين وآخر.
أما عن أخبار سلوم وأخوته وابني عمه وخاله، فسلوم تم قطع رأسه من قبل عناصر داعش أثناء مكوثه في قريته بتهمة ارتداده عن الدين
مرعي وجاسم لقيا حتفهما في معركة عين دقنة بينهم وبين قوات حماية الشعب، أما خلف وحسين فقد انضما لقوات مجلس منبج العسكري، واستشهدا في حملة تحرير منبج ، تيسير خرج لألمانيا منذ خمس سنوات، ولا أخبار عن وائل ، والبعض يقول أنهم عثروا على جثته في ليبيا، حين انضم كآلاف المرتزقة الذين خرجوا من عفرين لينقلوا إلى ليبيا عبر مطار استانبول، طعماً بالراتب وأملاً في أن يستطيع مغادرة ليبيا باتجاه أوروبا
. عبر إيطاليا
.تشتت شباب الحي المختلط وتبعثروا كذرات التبن وسط الريح في خضم هياج الحرب المجنونة.