في 80 صفحة من القطع المتوسّط، صدر عن دار «آفيستا« للطباعة والنشر في اسطنبول، مجموعة شعريّة جديدة للشاعرة والمترجمة الكرديّة السوريّة أفين شكاكي بعنوان: «أمنيات شجرة الرّمان«
. طوت الشاعرة مجموعتها على 25 قصيدة و15 ومضة، تنوّعت مواضيعها بين الانتظار، الخيبة، الحزن، الألم، العشق والأمل. وكمثيلاتها من الشاعرات الكرديّات، دوماً هنالك حضور طاغٍ للطبيعة ومفرداتها، أثناء البوح الشعري عن مكنونات النفس، والتعبير عما يعتملها ويعتصرها من هموم وشجون، وذلك، بلغة سلسة وواضحة لا تحتمل التكلّف والإلغاز والغموض، ولدرجة أن هذه اللغة تقارب الشعر الشفاهي الشعبي، المحكي بلهجة عاميّة، في بعض الأحيان. كل ذلك، من دون أن تفقد اللغة حساسيّتها وشفافيّتها الشعريّة.
تستهلُّ شكاكي مجموعتها، (وهي الثانية لها بعد مجموعة «قوافل المطر« الصادرة سنة 2005 عن دار الزمان - دمشق)، بقصيدة، عنوانها، هي عبارة عن تساؤل وجودي؛ «ابنة أيّ ألمٍ أنا؟«، لكأنّها تطرحه على نفسها وعلى القارئ والقصيدة في الآن عينه، هذا التساؤل، من دون أن يكون متن القصيدة، هو الجواب الشافي لتساؤلها، إذ تقول: «حتّى القواميس عاجزة عن تفسير جراحي/ الشمس تشرق متأخّرة«. وفي الشروق المتأخّر عن الموعد، إخلافٌ في الوعد المقطوع، ودلالةٌ على الخيبة حيال الأمور التي ننتظرها، وتأتي متأخّرة.
لغة شكاكي، على بساطتها، مشحونة بالتداعي الداخلي، على هيئة مونولوغ ذاتي، لا يخلو من التوتّر والمفارقات التي يمتزج فيها الحسّي بالفكري، كما في قصيدة «ترنيمة«: «يخاتلني صوتي./ كلما أتقنتُ هديل حجلٍ، تؤلمني أفكاري«. فالصوت حين يخدع أو يخون صحابته، وأفكارها التي تؤلمها، لهي مؤشّر على القلق والدراما والتراجيديا التي تعيشها، من دون أن يدري بها أحد. وكتعبير أوضح عن حزنها، تقول في نفس القصيدة: «هذا الصباح، توقّف قلب شمال القصيدة/ وانسكبت كل أنجم ليلته الأخيرة«.
وإلى جانب مفردات الجراح، الألم، الحمّى، الانتظار، التي تكثر في قصائدها، هنالك أيضاً مفردات البنفسج، النرجس، الأمل، المطر، الابتسامة، القُبلة، الحبّ، الفراشة...، ما يشير إلى مستويات متعددة من الصراع الداخلي الذي تعيشه شكاكي، ويعبّر عن نفسه شعريّاً. ورغم تمجيدها لجراحها، إلاّ أن نبرة التحدّي والمقاومة، لا تختفي في شعرها، كما في قصيدة «الجراح الشامخة«: «مرّةً أخرى.../ سأسبر حرائق الكلام، مقتفيّة أثر جراحي الشامخة./ أتسلّق سلالم الخوف./ ألم يبقَ في قلوبنا المعتصرة، ولو جرأةَ فراشة عاقر؟!».
للرومانس والهمس والهسهسة أيضاً حضوره في شعر شكاكي، اذ هناك دوماً واحات من الأمل والعشق وما يستحقّ الحياة، وسط صحاري الانتظار والخيبة والألم، وكلما علت جدران الحزن، دوماً هنالك كوّاة أو نوافذ، يعبر من خلالها شعاع الأمل بغدٍ أجمل. فتقول في قصيدة «من فصيلة البنفسج«: «في ليلةٍ ظلماء كالحة/ صادفت شاباً مدنيّاً. قلبهُ جرحٌ مندمل، ووسادةٌ للعشق./ كان من فصيلة البنفسج./ يسوقُ كلاماً من حليب وسكّر، نحو خصلاتِ صباحاتي«. وتقول في القصيدة ذاتها: «يغطيني بالقصائد، كل مساء./ وكل صباح، يوقظني بالبشارات./ يهديني مطراً باسماً.».
بالإضافة إلى ما هو ذاتي والهمّ والغمّ الخاصّ، هنالك للهمّ والشأن العام، حضوره في قصائد شكاكي، بلغة هي مزيج من الإخبار والإيحاء، كما في قصيدة «في وطني« حيث تقول: «في وطني/ كل لحظة، تتهشّم زجاجة قلب/ وتنهمر مئات النجوم/ الليالي تبقى يتيمة/ والصباحات أسيرة/ تنهض الحريّة وتخرج الورود إلى المظاهرات«. وفي هذا، خلاصة لما تشهده سوريا من ثورة وتضحيات وآلام ونهوض للحريّة.
في «أمنيات شجرة الرمان«، تأخذنا أفين شكاكي إلى حالات مختلفة وأحياناً متناقضة، بين الخيبة والأمل، الحزن والفرح، الحبّ والانكسار والهزيمة، ونجدها في قصيدة واحدة، تجمع كل هذه الحالات، كما في «فيض الوعود الضبابيّة«، وكأن قصائد هذه المجموعة هي عبارة عن قصيدة واحدة، كلما فرغت أفين من كتابة واحدة منها، شعرت بأنها لا زالت ناقصة، ولم تفِ بالبوح اللازم، فاتجهت إلى كتابة قصيدة أخرى. وهكذا دواليك: «عيناكَ، بأملين ملويي العنق، والهزائم المهترئة في القلب/ تمطرً رذاذاً خائفاً وتخضّل أثر خطى جراحكَ./ ما زلت أقوى على استراق نفسي من عسكر النوم/ وقراءةَ عينيكَ ألماً ألماً«.
أفين شكاكي، المولودة في منطقة ديريك الكرديّة، شمال شرق سوريا، تعتبر من الشاعرات الكرديات الواعدات، اللاتي يكتبن باللغتين الكرديّة والعربيّة. تمارس العمل الصحافي إلى جانب الترجمة والشعر. صدر لها قبل فترة في تركيا «تغريدة الأقلام الرقيقة.. انطولوجيا الشعر النسائي الكردي الحديث«.