Share |

أكراد سوريون: سنستعيد أراضينا بعد سقوط بشار

البحث عن الثروة النفطية كان جزءاً من دوافع الحكومة الأسدية لمصادرة الأراضي

 

   

"نحن ولدنا وكبرنا في سلسلة من القرى على وادي الفرات، أجوا (أتوا) خزنوا مياه بحيرة السد وشفنا بيوتنا كيف عم تغرق.. وعم تتدمر، ودمرت معها كل الذكريات"، بهذه الكلمات بدأ المخرج السوري عمر أميرالاي أحد أشهر أفلامه الوثائقية "طوفان في بلاد البعث - عام 2003"، يرصد فيه التحولات على أهالي وادي الفرات الذين رُحّل بعضهم إلى المناطق الكردية شمال شرق سوريا لتعريبها عام 1974.

 

إلا أن تدمير ذكريات هؤلاء العرب الذين عرفوا فيما بعد باسم "الغمر"، نسبة إلى غمر أراضيهم بمياه سد الفرات، لا يزال يثير أيضا ذكريات الاستيلاء على الأراضي لدى الأكراد ومنحها لعرب الغمر في المشروع الذي عرف بـ"الحزام العربي".

 

وفي تقرير نشرته صحيفة "ميامي هيرالد" تتناول فيه المشكلة، لا يزال سطام شيخموس يزرع القمح في ما تبقى من الأراضي التي ورثها عن جده. وتقلصت هذه الأراضي من ما يزيد على 32 ألف فدان إلى أقل من 5 آلاف بعد أن استولت عليها الحكومة السورية عام 1966 وعام 1974 بدعوى الإصلاح الزراعي.

تطبيق الاشتراكية أم قرار سياسي؟

يقول شيخموس (60 عاما): "قالوا لنا إن الاستيلاء تطبيق لسياسة الاشتراكية، ولكننا نعتقد أن القرار كان سياسيا"، في إشارة إلى مصادرة الأراضي من قبل الحكومة عندما انضمت سوريا إلى مصر التي كان يحكمها جمال عبد الناصر حينها، لتشكيل الجمهورية العربية المتحدة عام 1958.

 

حينها، جرت عمليات مصادرة الأراضي في طول البلاد وعرضها. ولكن في محافظة الحسكة (شمال شرق سوريا) التي تقطنها أغلبية كردية، خلق إعادة توطين عرب من مناطق أخرى داخل المنطقة ذات الغالبية الكردية في السبعينيات، وهو المشروع الذي بات يعرف باسم "الحزام العربي، توترات عرقية يخشى البعض أنها مجرد مسألة وقت كي تنفجر وتؤدي إلى اندلاع أعمال عنف في المنطقة الكردية.

 

امتد الحزام بطول 300 كلم وعرض 10-15 كلم، من الحدود العراقية في الشرق إلى رأس العين في الغرب. واغتنمت السلطات السورية فرصة بناء سد الفرات ومشروع إعادة توزيع الأراضي الزراعية كي تستولي على أراضي الفلاحين الأكراد لإقامة مزارع نموذجية مزودة بالمياه والمدارس والحماية الأمنية وتمليكها لفلاحين عرب غمرت مياه السد قراهم، وبالفعل تم توطين أكثر من 4 آلاف أسرة عربية في الشريط الحدودي وتوزيع أكثر من 700 ألف دونم من الأراضي المصادرة عليهم.

المناطق الكردية.. نار تحت الرماد

يوضح شيخموس "علينا أن نطلب منهم أن يعيدوا لنا أرضنا مرة أخرى، وإذا لم يفعلوا ذلك، علينا أن نفعل كل ما يتعين علينا القيام به"، ويضيف "إنها ليست مجرد أرضنا، إنها من الأراضي الكردية، وإذا لم يرحلوا بسلام، سوف نلجأ للسلاح".

 

وفيما لا تزال المظاهرات المناهضة للأسد على أشدها في باقي المناطق السورية، يسود المناطق الكردية الهدوء ولم تشهد أعمال العنف شبيهة بالتي اندلعت في المناطق الأخرى من سوريا.

 

إلا أن تاريخ العلاقات بين أكراد سوريا والجماعات العرقية العربية الأخرى، تشير إلى أن هذا السلام قد يكون قصير الأجل، وثمة نار تحت الرماد. ويخشى البعض من صدامات بين الحكومة التي ستخلف النظام السوري بعد سقوطه، والأكراد حول المظالم التي تعرضوا لها طوال التاريخ الحديث للدولة السورية. الأراضي المصادرة من الأكراد غنية زراعيا وبالنفط، ولن يكون من السهل على الأكراد السيطرة عليها.

 

وفي حين أن الزراعة لا تزال واحدة من أكبر قطاعات الاقتصاد السوري، يعد النفط الذي لا يذكر بالمقارنة مع الجارة الشرقية العراق، مصدرا هاما للدخل في البلاد.

الثروة النفطية جزء من المشكلة

يقول عبدالصمد داود الذي ألف كتابا عن مصادرة الأراضي ومحاولة تعريب المناطق الكردية سوريا، إن "الثروة النفطية كانت جزءا من دوافعهم لمصادرة الأراضي".

 

وبحكم عمله كمهندس زراعي في مدينة القامشلي، أكبر مدينة في محافظة الحسكة، تمكن داود من الاطلاع على الوثائق التي تفصّل عمليات مصادرة الأراضي، وحصل على وثائق أخرى عبر تقديم رشاوى لموظفي الدولة.

 

يقول داود "قررت أن أكتب هذا الكتاب عام 1985، لقد استغرق الأمر وقتا طويلا جدا لأنه كان علي العمل في الخفاء".

 

في عام 2003، نشر كتابه تحت اسم مستعار. بعد الثورة ضد الرئيس السوري، أعاد داود نشر الكتاب باسمه الحقيقي.

 

يقول داود "من هذه النقطة وحتى تصل إلى الحدود التركية، تمت مصادرة الأراضي من أصحابها. 90% منها منحت لـ الغمر". النقطة التي أشار إليها داود تبدأ من قرية "حاتمية" حوالي 15 كيلومترا إلى الجنوب من الحدود التركية. ويقول "خسرت نحو 350 قرية أراضيها".

تعريب أسماء البلدات والقرى

ويقول سكان محافظة الحسكة إن تبديل أسماء البلدات والقرى الكردية بأسماء عربية، بدأ قبل الاستيلاء على الأراضي بوقت طويل، إذ أن مساعي الحكومة السورية لتعريب المنطقة تعود إلى عام 1962.

 

ولكن وصول الغمر مع أحفادهم، الذين يصل عددهم الآن إلى نحو 100 ألف، كان له الأثر الأكبر في مساعي تعريب المنطقة الكردية. ويتناقل السكان شائعات أن السلطات السورية سلّحت "الغمر" منذ بدأ الثورة السورية المناهضة لنظام الأسد، وأن قراهم حصلت على مزيد من الأسلحة استعدادا لأي محاولة من طرف الأكراد لاسترجاع أراضيهم.

 

إلا أنه ليس كل الغمر مع الرئيس بشار الأسد. ويرى ناشطون أن دوافع الغمر للتسلح ربما يعود إلى مخاوفهم من التصادم مع جيرانهم الأكراد. ويقولون إن "هؤلاء الغمر تعرضوا هم أيضا للاضطهاد على يد النظام السوري باقتلاعهم من أراضيهم".

 

وعرض أحد الناشطين المناهضين للأسد من مدينة القحطانية التي يسكنها خليط من العرب والأكراد، تصورا قاتما للأمر، وقال "لقد تضرر كل من الأكراد والغمر". وأضاف "ينبغي منح الغمر التعويضات عن أراضيهم. ولكن بعد سقوط النظام، أتوقع أن نشهد أعمال عنف".

 

العربيية- دبي - رشاد عبدالقادر