( بحثٌ يُنشَرعلى حلقات بنفس العنوان)
الجزء الأوّل .
( إنّ الإنسان كالإله ,عاجز تماماً , ومن سوء الحظ أنّه لم يُكتشفْ علمٌ للهندسة الإنسانيّة حتّى الآن). عن كولن ولسون .
في كلّ ثورةٍ اجتماعيّة يكونُ الإنسان هوالمبتدأ والخبرُ فيها , في هذه الحالةِ يتوجّبُ علينا نحن كمجموع أنْ نخلقَ الإنسانَ بصيغته الحديثة " الإنسان الجديد"الذي يُنهَضُ به من تحت ركام عقود القهر الثقافيّ والاجتماعيّ والسياسيّ الذي ملأ حياتَنا فوضى وتشتّتاً بعدَ أنْ ملأتْها قحطاً وعقماً حيث ثقافةُ دَفْن وذبح المواهب وقصفها فعلتْ فعلَها المُدمّى , وكانَ يجبُ على مؤسّسة المجتمع المدنيّ ومجمل التيّارات السياسيّة أنْ تنتبهَ إلى هذا الخلق الجديد وأن تفعّل كوادرَها لتأسيس وعيّ مؤسِّس مقابلَ وعي مؤسَّس -ومشوَّشٍ حتماً -لم يُحصَدْ منه إلا تشويهُ الإنسان وتصغيرُ شأنِهِ , ولذلك وجدْنا أنْ نُدرِجَ هنا بعضَ سمات المرء المُرتقَب "الإنسان الجديد" بغيةَ تفعيل كوادرَ مؤهّلةٍ لتمارسَ واجبَها الثقافيّ وتتشرّبَه بعيداً وقريباً وبمصالحةٍ معَ الصّرخة الصّادمة لغرامشي :"لن يرضى السياسيُّ عن الفنّان" أي بثّ الرّوح في التّجريد النّظريّ وتحويله إلى تجسيد ثقافيّ - فكريّ .
الإنسانُ الجديد يعي ذاتَه الخامدة والمتفجّرة بنفس الآن بعدَ أنْ دَرَّسَها عقوداً شوّشتْ عليه فكرَه وفكرَ ما حولَه أدبيًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا فلم يجد نفسَه إلا ضائعاً ومخنوقاُ لا يستطيع الفكاكَ من تبعثره إلا بعدَ أنْ وضَعَ حياته أمامَ مراياه الناقدة التي كشفتْ عنه طاقته التي تدلُّه على كيفيّة تحرير ذاته ووضعِها عند شأنٍ يخصُّه دون أيِّ تبديد أو تقسيم نفسه إلى كائن آخر يشتغل على شأن آخر لا يعنيه , هنا لا بدّ من التنويه -مثالاً -أنّ العملَ على عديد الأنواع الأدبيّة يمنعُه أنْ يبدعَ في أيّة واحدة منها .
الإنسان الجديد يفجّر ذاته في تخصّصه فقط ويترك ويسلّم تخصّصَ غيره إلى مَنْ يجدُ في نفسِه شجاعة العقل ليبدعَ بعدَ أنْ غيّبته وكتمته العقودُ كذاتٍ وكإبداع معاً .
أنْ يعي الإنسان الجديد ذاتَه يتناسبُ طرداً مع معرفة وعي الآخر الذي يحملُ صفات المرونة والحوار والاختلاف الذي يُفضي إلى الحوار من جديد , هكذا يكونُ الإنسانُ الجديد مؤثَّراً في غيره ومُتأثِّراً بمَنْ حولَه , الإنسانُ الجديد الذي يُقصَد يكونُ جديداً بجوهره وكينونته في مجمل جوانب الحياة الفكريّة – الأدبيّة – السياسيّة وأنْ يكونَ كائناً متحوّلاً فيها ونابذاً تملّكها واستحواذها له ولغيره .