منذ الإعلان عنه وحتى الآن، لم تتوقف ردود الفعل المنددة بالقانون رقم (10)، الذي أصدره السلطات السورية في 2 نيسان/إبريل 2018، من قبل العديد من الأوساط الشعبية والمنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني المحلية والإقليمية والدولية. كما ولم تتوقف أيضاً التصريحات "الرسمية السورية" المخففة لآثاره وتداعياته، والمستعدة لتعديل بعض بنوده، وخاصة تلك المتعلقة بالمُهل والوكالات وغيرها الكثير من الأمور المثيرة للجدل فيه.
والقانون رقم (10) المذكور، يسمح من جهة بإنشاء مناطق تنظيمية في كافة أنحاء سوريا - في سياق عملية إعادة الأعمار - التي يتم تعينها وفق مرسوم خلال أسبوع من صدور المرسوم القاضي بإعادة أعمار منطقة ما، حيث تقوم السلطات المحلية بالطلب من الهيئات العقارية الحكومية في تلك المنطقة تزويدها بقائمة لأصحاب العقارات، والتي عليها هي الأخرى تقديم تلك القوائم خلال (45) يوماً من تاريخ تلقيها الطلب. وإذا لم تظهر ممتلكات مالكي المنطقة في القائمة، سيتم إبلاغهم بذلك، مع الاحتفاظ بحقهم في تقديم وثائق إثبات الملكية خلال (30) يوماً، وفي حال عدم قيامهم بذلك، لن يتم تعويضهم وتؤول ملكية العقار للجهات العامة في الدولة، مع الاحتفاظ بحق المقيمين أو المالكين رفع دعوى في غضون نفس المدة بالاستناد لأدلة أخرى تكون في حوزتهم. أما في حال إظهار المالكين ملكيتهم في المنطقة التنظيمية، فأنهم سيحصلون على حصص في المنطقة. ومن جهة أخرى فأنه - القانون المذكور - يفرض على كل شخص مقيم في هذه المناطق - المناطق التنظيمية - المغادرة، على أن تقوم السلطات المحلية بتعويضه ما يعادل إيجار عامين للمستأجرين غير المؤهلين للحصول على سكن بديل، أما المستأجرون الذين لديهم الحق في السكن البديل سيتم إسكانهم فيه في غضون (4) سنوات، وإلى ذلك الوقت سيمنحون بدل إيجار سنوي.
واستناداً للمقدمة التي أتينا عليها والنصوص الواردة في القانون المذكور وظروف إصداره، وأيضاً ما تمر بها سوريا من أزمة مستمرة ومتفاقمة منذ عام 2011، والتي أدت إلى تدمير مدن بأكملها وتهجير قسري لأكثر من ربع سكانها، وحالات الاعتقال والاختفاء القسري للآلاف من المواطنين، الذين لا تزال أوضاعهم القانونية غير واضحة تماماً...، يُثار الكثير من المخاوف والهواجس من أن تقوم سلطات الدولة بموجب هذا القانون، بوضع يدها على أملاك العديد من المواطنين السوريين بدون وجه حق، وخاصة عندما يتعذر على المالك تقديم إدعاء بنفسه للأسباب التي ذكرناها أنفاً، حيث لا يمكن أن يفي النص الوارد في القانون "يمكن لبعض أقربائه أو وكيله القانوني التقدم عوضا عنه"، لأنه يفرض أيضاً على الأقارب "إثبات أن المالكين لا يمكنهم تقديم الادعاء بأنفسهم"، كما ويفرض أيضاً على "الوكلاء المعترف بهم قانونا أن يكونوا معينين من قبل مالكي العقار والحصول على تصاريح أمنية من أحد الأجهزة الأمنية السورية"، وهي شروط خاضعة لمشيئة "النظام" ورغباته وإرادته. كما أنه يجب أن لا ننسى أن العديد من الأراضي والأملاك العائدة للمواطنين السوريين، غير مسجلة رسمياً في "الدوائر العقارية الرسمية السورية"، وهذا الواقع موجود بكثرة، ناهيك عن إن العديد منها تم تدميرها بشكل كامل.
وأيضاً فإن المخاوف التي ذكرناها، تعززها السوابق التي قامت بها سلطات الدولة السورية، وخاصة حلال فترة حكم "حزب البعث العربي الاشتراكي" واستغلالها عمليات ما تسمى بـ "التنظيم العمراني" و "إعادة الأعمار" و "الإصلاح الزراعي"، للاستيلاء على ممتلكات المواطنين والعمل على تهجيرهم في العديد من المناطق السورية، مثل: المرسوم التشريعي رقم (66) لعام 2012 الخاص بإعادة أعمار مناطق السكن العشوائي في محافظة دمشق، وكذلك المرسوم التشريعي رقم (63) لعام 2012، والذي استولت بموجبه "وزارة المالية" على أصول وممتلكات الأشخاص الخاضعين لقانون مكافحة الإرهاب، وأيضاً عمليات الاستيلاء على الأراضي الزراعية للمواطنين الكرد في محافظة الحسكة، على طول الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا، تحت غطاء ما سمي بـ "قانون الإصلاح الزراعي" رقم (161) عام 1958، والذي مهد لتنفيذ مشروع "الحزام العربي الاستيطاني" عام 1974، حيث قامت "منشأة مزارع الدولة" بتوزيع الأراضي المستولى عليها على الفلاحين العرب الذين أتت بهم من محافظتي حلب والرقة، استناداً للقرارات الصادرة عن "حزب البعث"، الذي لا يزال يحكم سوريا حتى الآن.
وهذا القانون فيما لو تم تمريره، سيُضيف جريمة أخرى إلى سجلات الجرائم التي ارتكبها "حزب البعث" بحق الشعب السوري، خلال سنوات حكمه الكارثية والمدمرة للوطن والمواطن، لأنه يصادر حق الملكية الخاصة، الذي كفله وصانه القوانين والمواثيق والعهود الدولية، بدون إتباع الأصول والإجراءات القانونية، وهو يمنع أيضاً عودة اللاجئين والمهجرين السوريين قسراً إلى وطنهم ومناطق سكناهم.
أن المجتمع الدولي الذي فشل حتى الآن في وقف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها نظام الأسد - الأب والابن - بحق الشعب السوري طيلة سنوات حكمه، وخاصة سنوات الأزمة الحالية، أمام تحد آخر للضغط عليه وإجباره على إلغاء هذا القانون وجميع القوانين والمراسيم والقرارات المجحفة والمخالفة للقوانين والمواثيق والعهود الدولية، التي تصادر حقوق المواطنين السوريين وتؤدي بهم إلى جحيم الهجرة القسرية ومنع عودتهم إلى مناطقهم وتغيير تركيبتها الديمغرافية، والعمل الجدي من أجل إعادة الحقوق لأصحابها وتعويضهم عما لحق بهم من أضرار مادية ومعنوية نتيجة لذلك.
ورغم الآفاق المعتمة والمظلمة الناجمة عن عدم جديته - لمجتمع الدولي - وضعف تفاعله مع الكوارث والمآسي التي يمر بها الشعب السوري منذ بداية الأزمة في بلاده قبل سبع سنوات، فأننا نبقى محكومون ببعض الآمال في أن يقوم بمراجعة جادة لأوضاعه من كافة الجوانب وتصحيحها قبل أن يصل المجتمع البشري إلى مرحلة لا يمكن التنبؤ بآفاقه ومآلاته.