في بداية الثمانينات حضرت فيلما سينمائيا من بطولة النجم العالمي الراحل مارلون براندو بعنوان القيامة الآن كان الفيلم حائزا على أوسكارات عديدة لكني أتذكر جيدا بأنني دخلت وخرجت من صالة العرض كما يقولون باللغة الدارجة مثل الأطرش بالزفة،وظهور براندو في الفيلم الطويل لم يكن سوى لدقائق معدودة.
اختيار الأمريكيين لأوباما جاء بعد حقبة سياسية هجومية مكثفة لسلفه جورج بوش الابن وخوضه حروبا فاشلة من حيث الأداء تكتيكيا واستراتيجيا، كمن ينصب فخا لنفسه ويقع في مستنقع من صنع يديه في كل من العراق وأفغانستان وذلك من خلال تهشيم البنية التحتية للدولتين وبالتالي استنزاف القوى البشرية والمادية للغاصب والمغتصب ،و زرع الحقد والضغينة عند الشعوب العربية والإسلامية من خلال الانتهاكات الفظيعة التي ارتكبتها قواته في كلتا الدولتين.
لكن لم يكن في نية الأمريكيين اختيار أوباما لكي يكون هبوطا إلى الهاوية و تقزيما للدور الأمريكي على الساحة الدولية عامة والإسلامية خاصة حتى إذا كان ذلك من مبدأ الحرص على الأمن القومي الأمريكي .
هنا أؤكد بأن المطلوب من الدور الأمريكي ليست الحروب بالضرورة،بل القيام بواجبها السياسي والأخلاقي تجاه الأحداث العالمية بما يتناسب و حجمها كدولة عظمى .اتخاذ المواقف الحازمة والتي بفضلها يمكن تفادي الكثير من الويلات فيما إذا ترك الحابل على الغارب. السياسة الأمريكية بإدارة أوباما لا ترقى إلى مستوى السياسة الدفاعية ولا حتى الاحترازية بل هي سياسة انهزامية سوف تقود عاجلا أم آجلا إلى المزيد من التحديات التي سوف يضطر المواطن الأمريكي أن يدفع ثمنها.
التراجيديا السورية أكبر تعرية للدول الداعية للديمقراطية بشكل عام وأمريكا بشكل خاص ومحك يظهر تفسخ الفكر السياسي الأمريكي واستراتيجيا التخاذل السياسي و الأخلاقي لإدارة أوباما.
خمسة عشر شهرا مضت من عمر الانتفاضة السورية التي وقودها منذ بداياتها الشباب السوري التواق إلى الحرية. مع كل طفل ،امرأة ورجل مدني يسقط صريعا تزداد الصورة وضوحا حول ادعاءات أمريكا ومن معها بالعمل على محاربة الاستبداد وإرساء النظم الديمقراطية وحقوق الإنسان الخ. عملية الاكتفاء بخطة عنان والتي لم تنجح في أول وأهم بند لها وهو الوقف الفوري لإطلاق النار منذ 12 نيسان المنصرم، يعد بمثابة التغاضي عن كل ما يجري من أعمال القتل الجماعية على التراب السوري وكأن كل ذلك لا يعنيهم في شيء. الأمن القومي الأمريكي ،الانتخابات الأمريكية أهم من أرواح بقية الشعوب .
الآن أهم شيء يقوّض مضجع حكومة أوباما هو البرنامج النووي الإيراني لكن حتى على تلك الجبهة ماذا فعلت كيف تتصرف هذه الإدارة ؟ إنها ليست أكثر من سياسة تخاذلية ! فهي لا تتجرأ على الدخول في صراع مع روسيا ولا مع العالم الإسلامي مجددا بعد أن شاءت محاسن الصدف أن تنجح في قنص بن لادن في وكره وتريد أن تحتفظ بتلك العلامات الإضافية من جراء تنفيذ تلك العملية،للحملة الانتخابية القادمة.
لكن هناك أمر على إدارة أوباما معرفتها إن هي لم تجرؤ على تحدي الإرادة الروسية و العمل على إيقاف نزيف الدم السوري،فلن تنجح أيضا على إيقاف تطوير البرنامج النووي الإيراني ولا الكوري الشمالي فالداعم الأساسي والمزود بالسلاح والمواد الأولية لهم جميعا هي روسيّا نفسها. ويكون بذلك قد انتهى الدور الريادي للولايات المتحدة كقوة عظمى.
كبيرة أوجه الشبه بين براندو في القيامة الآن وحصوله على جوائز أوسكار عديدة على الرغم من دقائقه القليلة في الظهور،وبين أوباما وأيامه القليلة في الحكم ونيله جائزة نوبل للسلام،ودون أن يقدم شيئا يستحق الذكر من أجل السلام .
القيامة الآن في الحولة ثلاثي الأبعاد والمجتمع الدولي كله جمهورنا على المدرجات،دون دفع حتى ثمن التذاكر.
ستوكهولم 2012-05-29
فرمز حسين
مترجم وكاتب سوري مقيم في ستوكهولم
Farmaz_hussein@hotmail.com
Stockholm-sham.blogspot.com
Twitter@farmazhussein