سلسلتنا “وجوه ثقافية “، والتي نسعى بها التعريف بالوجوه الثقافية – ما أمكن- في حوارات تمسّ جوهر عملهم ومنتجهم الإبداعي والشّخصي، ومناقشة مجمل المناخ الثقافي والفني في المنطقة، مؤكدين، أن الثقافة لا زالت تشكل الكيان الأساس لأيّ مجتمعات حيّة وَلودة، لتكون حلقتنا الرابعة من ديرك مع أحد الوجوه الثقافية والإعلامية الكاتب “دلشاد مراد”.
ـ في خضم انشغالاتك بإصدار مجلة شرمولا، أين هو دلشاد مراد الكاتب؟
بدايةً أقدم شكري لكم على هذه الاستضافة. هذا السؤال بالذات يشغل بالي في كثير من الأحيان، أتساءل فيما إذا كان عملي في الصحافة، يلقي تأثيراً على الجانب الإبداعي؟ وأقصد هنا الكتابة والتأليف.
ورغم أنه لو نظرنا بتجردٍ، لأمكننا القول: إنه يؤثر بالفعل، لكن أعود ثانية إلى مسألة في غاية الأهمية، من شأنها أن تقلب الأمور إلى منحىً آخر، وهي تتعلق بالطموحات والظروف الموضوعية، ومتطلبات المرحلة التي نحياها راهناً.
فلطالما شغلتُ بالي قبل الأحداث الراهنة، التي بدأت منذ 2011 بهموم الشأن العام الكردي، وبذلتُ جهداً ذاتياً لبناء شخصية إعلامية متينة، ذلك كله كان تمهيداً لدخول عالم الصحافة فيما بعد. لكن دون أن أنسى مسألة الكتابة والتأليف، فإيماني بقوة وتأثير الكلمة والصحافة ووضعها في خدمة – القضية- كان يتطلب مني جهداً كبيراً لإيصال الطموحات إلى مستوى التطبيق العملي.
ورغم بعض التجارب الكتابية والصحفية بين عامي 2009- 2012 من قبيل إصدار جريدة الكترونية -بصيغةpdf- أو نشرة على مستوى محلي بحت أو دراسة عن التنظيمات الكردية في سوريا. لكن؛ الانعطافة كانت منذ آذار 2013 بالانضمام إلى فريق عمل صحيفة روناهي، والتي أخذت الوقت المتاح مني، لأن عملنا في ظروف -تأسيسية بحتة- في بناء وإدارة مؤسسة إعلامية يقدر أعضاؤها في الوقت الحالي بالعشرات، وتوزع في مناطق شمال وشرق سوريا. ورغم ذلك لم أهمل الجانب الكتابي، فكنتُ أواظبُ على كتابة مقالات في أغلبها تمس الشأن السياسي لروج آفا وشمال شرق سوريا، وتلك المقالات كانت نواة لكتابي “أيديولوجيا الإبادة العرقية في الشرق الأوسط”، الذي صدر في 2019.
وفيما يتعلق بمجلة شرمولا الأدبية، التي أديرها منذ انطلاقتها في أيلول 2018، فإنها فتحت أفاقاً جديدة، والحال هنا كما سبق، فرغم العمل المتواصل لم أهمل الجانب الكتابي، فإلى جانب الكتابة في مجلة شرمولا، كتبتُ خلال عامين متتالين مقالات في الشأن الأدبي والثقافي المحلي ضمن زاوية خاصة في صحيفة روناهي باسم (الحديث الثقافي).
ـ هل الصحافة والعمل الصحفي بالعموم يقتلان الجانب الفردي والإبداعي الشخصي؟
يؤثر العمل الصحفي، أو أي عمل آخر إلى حد ما على الجانب الإبداعي والكتابي الشخصي. ولكن كما قلت فإن متطلبات المرحلة والظروف الموضوعية تلعب دورها هنا، ولذا فإنه يتحتم عليَّ – وكل من يعاني من هذا الأمر- استغلال الوقت وعدم إهداره، وإحداث توازن بين العمل والإبداع.
بكل الأحوال لا أنقطع إطلاقاً عن الكتابة راهناً من خلال نشر المقالات والدراسات الأدبية، والسياسية سواء في مجلة شرمولا أو في دوريات أخرى.
ـ ما الفرق بين العمل الثقافي وأي عمل آخر؟
يفتح العمل في حقل الثقافة والأدب آفاقاً واسعة، إن أحسن المشتغلون فيها أداءهم المهني، وبذلوا جهداً في توسيع مداركهم المعرفية والأدبية والثقافية، فالجهد والكد يؤدى بالنتائج الإيجابية لامحالة. فأغلب الأمر إن الكاتب بالعمل الثقافي يحرقُ مراحلٍ كثيرةٍ مقارنة فيما لو كان من خارجها.
ـ كمهتم ومتابع كيف ترى وتقيم الحراك الثقافي بالمجمل، والمهرجانات الكثيرة، وأيّ مستقبل معرفي وثقافي يمكن قراءته؟
منذ عام 2012 توفرت أجواء وظروف ملائمة لإطلاق نهضة ثقافية في منطقتنا، وقد أُسست بالفعل عشرات من المؤسسات الثقافية والأدبية منذ ذاك الوقت، وبدأ نشاط وحراك ثقافي محموم. ودون أن نغفل دور المسببات السياسية والاقتصادية في تدهور بعض القطاعات، إلا أننا نتحدث هنا عن فئة -المثقفين والكتاب-التي من المفترض أن تكون ذات وزن وشأن كبيرين، وتتلاءم مع الواقع ومستجداته.
ما نراه على أرض الواقع لا يلامس الطموحات والدور المأمول، رغم بعض الاختراقات الإيجابية هنا أو هناك، وعلى سبيل المثال بدأ التركيز مؤخراً على فلسفة الشاعر الكردي الكبير “ملايي جزيري”، إنه أمر في غاية الأهمية، فذلك يزيد من معرفتنا تاريخنا الأدبي والحضاري، بل إنه إعادة قراءة للتاريخ، وعلينا أن ندرك أنه كلما جرى فتح الأبواب أكثر، تعرفنا على الحقيقة أكثر، وهذا ما يساعد على تسريع النهضة الثقافية المنشودة. أنا على يقين أن الأمور ستتغير في المستقبل القريب إن جرى التركيز على الأنشطة الإيجابية، والتي تؤتى بالإضافات المعرفية. علينا أن نفتح النقاشات على كل المواضيع ذات الشأن العام، فالمجتمعات لا تتطور إلا بالفكر والنقاش الحر.
ـ شرمولا صمدت وتابعت صعودها، وملفاتها هل من الصعوبة توفير المجلة في مستوى مهني واحد، ولأي حد تشكل النتاجات المحلية مادتها الخام؟
صمود وصعود مجلتنا “شرمولا” لم تأتِ من فراغ، إذ تلعب “التجربة المهنية السابقة، والجدية، والكد، وأسلوب العمل والعلاقات، والتخطيط الملائم الدور الأكبر في ذلك. نحن كطاقم عمل لدينا ما يكفي من برامج طموحة لنستمر بالمجلة في الصدور والصعود دون توقف.
وفيما يتعلق بنتاجات الكتاب ومواد المجلة، فيشكل الكتاب المحليين من الكرد والعرب السواد الأعظم من مادتها الخام، وهنا لابد من التذكير إلى دور الكتاب العرب والكرد من خارج منطقتنا -العالم العربي وكردستان وأوروبا- في رفد المجلة بالمساهمات الأدبية القيمة. وقد تمكنا من استقطاب العديد من الكتاب الشباب الذين يقصدون المجلة في نشر نتاجاتهم.
وبالتالي أضحت شرمولا -إلى حد ما- حاضنة وملتقى للكتاب (المخضرمين والجدد)، وهذا سر نجاحها، وما يعطيها الزخم للصعود المستمر.
ـ الملفات التي تطرحها شرمولا تباعاً إلى ماذا تعزو ذلك؟ القصدية والغاية؟
إن ملفات مجلة شرمولا، هي ما تعطيها القوة والجِدة، وتبعدها عن الركود والرتابة، وتجذب القارئ والمهتمين والمشتغلين بالحقل الأدبي والثقافي، ومقصدنا من طرحها هو تناول وفتح أبواب الموضوعات، والقضايا ذات الأهمية، التي تشغل الوسط الأدبي والثقافي المحلي. وقد أخذنا بعين الاعتبار ومنذ العدد الأول كل من “التسلسل والأهمية والحاجة” في طرح ملفات المجلة، فطرحنا في العدد الأول ملف “أدب الثورة”، وبعده “المثقف والمجتمع” ومن ثم “النقد الأدبي”، و”أدب المرأة”، و”الإعلام”، و”فن السينما”، و”الرواية”، و”الترجمة الأدبية”، و”الصالونات الأدبية”، و”المسرح”، و”اللغة الأم”، و”القصة”، و”التراث الثقافي”، و”الإيزيدية”، و”التأليف الأدبي”، و”الشخصية الأدبية”، و”أدب المقاومة”، و”حوار الثقافات”، و”التدوين والتوثيق التاريخي”.
ـ كتابك الوحيد عن الإبادة الجماعية، لأي حد تجد المكتبة الكردية فقيرة بكتب التدوين والتوثيقي والحقوقي؟ وما مشاريعك المقبلة في الإطار ذاته؟
إن مكتبتنا عموماً تعاني فقراً بكتب الدراسات التوثيقية والحقوقية، فأغلب كتابنا يميلون باتجاه “الشعر” خاصة، وسبق أن أشرنا إلى حاجتنا إلى المؤلفات الفكرية والسياسية والتوثيقية، إلى جانب الأجناس الأخرى من الأدب كالرواية والقصة وغيرها.
صحيح أنه صدر لي حتى الآن كتاب وحيد عن “الإبادة العرقية” كما أشرتم إليه، ولكن في جعبتي مشاريع مؤلفات دراسية وتوثيقية مؤجلة منذ سنوات مثل “الحياة الأدبية والثقافية في شمال وشرق سوريا”، و”تأريخ الصحافة في شمال وشرق سوريا”، رغم أنها تعدُ دراسات في غاية الأهمية.
ـ واقع النشر والمطبوعات في المنطقة كيف تراه في ظل تسابق غير مدروس حيال الكم مقابل الكيف والنوعية؟
إن العديد من المطبوعات والمؤسسات المعنية بالنشر في منطقتنا تغلبها سياسات غير حكيمة من ناحية الاهتمام بالكم مقابل الكيف والنوعية، وهذا ينطبق أيضاً على اتحادات الكتاب والمثقفين لدينا، فيما يتعلق بمسألة العضوية. وهذا ما يؤثر سلباً على واقع النشر، وعلى الحركة الأدبية والثقافية بشكل عام. بيد أن بعضها أصبحت تدرك خطأها الفادح، وهي في حالة مراجعة شاملة لرؤاها وبرامجها في النشر.
نحن في مجلة شرمولا نعطي الأهمية القصوى لنوعية وقيمة المادة الأدبية بالدرجة الأولى في سياستنا بالنشر، وهذا ما يساعدنا على مواصلة عملنا بنجاح.
ـ كلمة أخيرة؟
إن كُتابنا مطالبون باستنفار أقلامهم، فالتحديات التي تواجهنا كبيرة وخطيرة، وعلينا أن نسعى إلى تحقيق النهضة الأدبية والثقافية المنشودة بغض النظر عن بعض الأخطاء والعثرات هنا أو هناك، وعلينا ألَّا نقبل بالقليل، فإما أن نعلو ونسمو بأدبنا ومؤلفاتنا وأعمالنا وثقافتنا. وإلا فلا حاجة للادعاء بصفة الكاتب أو المثقف من هذا أو ذاك.
وأما كتابنا الشباب فلا بد لهم من التركيز على القراءة ومطالعة الكتب القيمة، والاهتمام بالفكر والفلسفة والسياسة والثقافة، والأدب للوصول إلى مستوى رفيع من الكتابة.
سيرة مقتضبة
مواليد منطقة ديرك/ شمال وشرق سوريا في 1984م كاتب وصحفي، درس الاقتصاد في جامعة دمشق/ سوريا، تعرض لأكثر من مرة لملاحقات وتوقيفات أمنية من النظام السوري خلال عامي 2007-2008م، رئيس تحرير القسم العربي في صحيفة روناهي (2013- 2018)، عضو في المجلس التشريعي لمقاطعة الجزيرة/ روج آفا – سوريا (2014-2016م)، صاحب امتياز ورئيس تحرير مجلة شرمولا الأدبية منذ تأسيسها في أيلول 2018م، مؤلف كتاب “أيديولوجيا الإبادة العرقية في الشرق الأوسط” (2019)، يكتب في الصحف والمجلات والمواقع المحلية، والعربية.
صحيفة روناهي