مع انطلاق الشرارة الأولى من الثورة السورية قبل أكثر من سنة انتعشت آمال السوريين بالخلاص من حكم الظلم والاستبداد وإقامة دولة مدنية يسود فيها العدل والأمن بدلاً من العصابات الأمنية ومنطق إرهاب الدولة , ويسود فيها الرفاهية والثراء عوضاً عن والفقر والتعاسة . وتجددت آمال الكرد في نيل حقوقهم المشروعة التي حرموا منها منذ قيام الجمهورية السورية .
ومع استمرار دوران رحى الثورة السلمية أمام تعنت النظام وقمعه الهمجي للأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ تشكل المجلس الوطني السوري ليكون غطاء الثورة السياسي وصوتها في المحافل الدولية . وما كاد المجلس أن يتشكل حتى شرع الكرد يطرقون بابه ولسان حالهم يقول : لا تنسونا كما نسينا من سبقكم , يذكّرون النواة الجديدة لحكم سورية بوجودهم وقضيتهم ومآسيهم ومحنهم في ظل الأنظمة العروبية السابقة التي أهملتهم عن عمد , وشرعوا يقدمون مطالبهم والمجلس لا يزال لا يملك متراً واحداً من أرض الوطن . وقد تلقى الكرد وعوداً متفاوتة ومتباينة من رئاسة المجلس طبقأ للزمان والمكان فوعود بداية الثورة اختلفت عن وعود الأمس القريب , وكذلك وعود تونس تباينت عن وعود اسطنبول , وسار الكرد مع خط الثورة ينتظرون ساعة الصفر , ساعة سقوط النظام .
لا ريب أن ساعة الصفر آتية ولو بعد حين وسينسى معها كل ما قيل في مؤتمر أصدقاء الشعب السوري الأول في تونس والثاني في اسطنبول . ليس هذا اجتهاداً مني وإنما التفاتة خاطفة إلى تاريخ منطقتنا القريب جداً سيرينا أن الوعود التي تسبق الثورات هي هراء لا معنى لها ولا يمكن البناء عليها , فالوضع في سورية الآن يمكن مقارنته مع الوضع في إيران إبان الثورة الإسلامية التي أطاحت بالشاه وخلعته , ففي أوج الثورة كان الخميني يكيل الوعود ويقطعها ذات اليمين وذات الشمال للأكراد والآذريين والبلوش والشيوعيين حتى يستميلهم ويستقطبهم في سعيه الدؤوب إلى الإطاحة بحكم الشاه , فالتف حوله الجميع بمن فيهم الملحدون والزرادشتيون , وعندما انتصرت الثورة جمع الخميني قادتهم في قاعة وأبادهم ليتفرد بالسلطة دون منازع ومن نجا من غدره وهرب لحق به إلى ما وراء البحار بزبانيته و قتله كما فعل بحق القائد الكردي الشهيد عبدالرحمن قاسملو . والأقرب من ذلك مكاناً وزماناً هو ما جرى في العراق منذ عقد من الزمن فقد اجتمعت المعارضة قبل الغزو الأمريكي للعراق في مؤتمر لندن واشترك فيه كل القادة العراقيين القائمين على السلطة الآن ومن ثم اجتمعوا مرة ثانية في مؤتمر أربيل تمهيداً لاستلام السلطة . وفي المؤتمرين كانت هناك وعود معسولة للكرد العراقيين من قبيل تعويض المتضررين وإعادة الكرد المهجرين إلى مناطقهم الأصلية وإلحاق المناطق الكردية خارج سلطة الإقليم مثل كركوك وخانقين ومندلي وسنجار إلى الإقليم , فهل وفت المعارضة العراقية آنذاك بوعودها بعدما استلمت السلطة ؟ الجواب هو لا , فهي حنثت بكل ما قطعته من وعود بل هي الآن تجهز جيشاً عرمرماً من مليون رجل لإخراج الكرد من أربيل وصلاح الدين كما ورد على لسان السيد مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان قبل أيام قليلة في حديث لجريدة الحياة اللندنية .
في ساعة الصفر ستحترق الكثير من الوعود والمواثيق الموقعة والممهورة من المجلس الوطني السوري وسيرى الجميع أن بعض المعارضين الذين يظاهرون اللطف والطيبة وعشق الحرية والإنسانية ما هم إلا أحناش تغطت بالورود والأزاهير طيلة فترة معارضتها للنظام من خارج البلد أو داخله وما إن تأخذ مكانها في سورية الجديدة حتى تنبري من تحت غطائها المخملي الأملس الناعم وتبدأ بالفحيح والعض والتجريح .
ساعة الصفر ستكون رياحاً هوجاء تقضي على الكثير من الوعود والمواثيق وتذروها هباءً منثوراً وسيهرول فيها الانتهازيون إلى جمع الغنائم واحتلال المواقع في السلطة دائسين على دماء الشهداء الزكية بأقدامهم , ناسين ما قالوه بالأمس القريب .
أنهي أسطري هنا بالقول أن آمال الكرد في نيل حقوقهم المشروعة في هذا الظرف ينبغي ألاّ تقام على وعود المجلس الوطني وإنما يجب أن تبنى على وحدة الشارع الكردي وتشكيله لرقم صعب لا يمكن تجاوزه والتخطي من فوقه .