Share |

الكرد في الحساب العربي الحديث...بقلم:المحامية نالين عبدو

لطالما كانت تطلق شعارات الأمة العربية الواحدة من المحيط إلى الخليج من أبواق  البعثيين  في سوريا والعراق والناصريين في مصر , مع عدم تقبلهم إلى الآن فكرة الدولة الكردية ولا حتى القبول بفيدرالية تضم الكرد

- لا شك أن الحكم الذاتي الكردي سواء في العراق أو سوريا  علقم  يتجرعه العرب ,وإن كانت النخبة العربية مدركة  لحجم التوغل العربي لبقع غير عربية على مر التاريخ , لكن ما بالك يفعلون وقد هدتهم حروب مجتمعاتهم الداخلية ضد البطالة والقلاقل  السياسية وقضايا النمو والتمكين ... ولم يعد  حتى اعلان الدولة الكردية معضلة في أعين الشعوب العربية الثائرة المنهمكة بخلع أنظمة نخرتها البيروقراطية والفساد تترنح حتى الثمالة دون أن تهوي ,وإن كانت دعوات الاستنكاروالمناهضة قائمة من الغلاة العرب بمناوشات لسانية من دون  جدوى ,ومن غير تحسبهم لأهميةالتطبيع و الاكتتاب مع الكرد  على أحلاف ومعاهدات كونهم واقعون على مدخل العرب الرئيسي مع تركيا وايران ,حيث من الممكن أن  تشكل اقاليمهم حلقة وصل جيو سياسية  ,ومن جانب آخر فإن التعاون العربي الكردي  خير من أن ينفرد الكرد  مع الاسرائيليين بتشكيل سدأو خط يحد العرب كما هو الحال في فلسطين ,بالإضافة  لما عليهم من أخذه بعين الاعتبار وهو الدعم الغربي والامريكي للكرد بشكل حيوي وتبنيهم لقضيتهم القومية, فحظوظ الكرد بترسيخ وجودهم القومي باتت أفضل مما كانت ,وهذا ما نستقربه من رؤى بعض الكتاب العرب المناصرين للقضية  الكردية كالكاتب العراقي ماجد عبد الرضا  الذي يرى بأن الظروف العالمية والعربية المستجدة تضع امكانيات جديدة أمام حركة الشعب الكردي ,وتضع أمامه أفقاً لبلوغ أمانيه في الحرية والوحدة *1

 - بالمقارنة مع نضالات الكرد القومية  في ايران وتركيا فأن الكرد في العراق وهي دولة عربية سبقوا اشقائهم في تأسيس كيان كردي بحكم ذاتي ومؤسسات معترف بها في المحافل الدولية منذ مطلع التسعينات من القرن المنصرم ,وهاهواعلان اقليم كردستان لإجراء استفتاء حول استقلاله عن الحكومة المركزية في بغداد يقض مضاجع الحكومة المركزية في بغداد, لكنها لا تستطيع ايقاف هكذا اجراء منصوص عنه في دستورها .

- اقتطاعات متتالية من جسد ما عرف على مدى قرون بالوطن العربي فعلى هدىفلسطين وجنوب السودان و شمال العراق  شيئاً فشيئاً يتشكل في شمال شرق  سوريا ادارات ذاتية كردية مرشحة للتثبيت كفيدرالية بدعم غربي امريكي,حيث زيارات لوفود وشخصيات رفيعة  لما يسمى هناك بالكانتونات  , وهي على غرار اقليم كردستان العراق بقع غنية بالنفط والغاز .وكأن الكرد في تحدٍ وتمزيق لمعاهدة سايكس بيكو التي خطت الحدود بين سوريا وتركيا والعراق وباقي الدول العربية ,حيث يستنكر الكرد هذه المعاهدة الجائرة التي  اضطهدت واجحفت  بحقهم حين قسمتأرضهم  بين أربع دول, والسؤال هل  انهماك العرب بقضايا أهم وراء عدم اثارتهم أي تحفظ بشأن قيام كيانات  غير عربية في اراضي احتفظ العرب بها مئات السنين  وقد كان  الكرد في نظر الغلاة العرب ليسوا إلا أعراب الفرس بناء على رؤية المؤرخ العربي الطبري وغيره ممن دحضوا أي وجود للهوية القومية الكردية في بلاد العرب .

أم ثمة واقع جديد يُفرض على العرب من قبل القوى العظمى التي تشكلمرجعيات ضاغطة لأغلب الدول العربية حيث تجمعهم البراغماتية ,والعرب باتوا أبعد عن الشعبوية ,ولا يعترضون على  احقاق الوجود الكردي في سوريا والعراق ,والذي تغافلت عنه الاتفاقيات القديمة ,واليوم يرون في الكرد أخوة لهم في التاريخ والجغرافيا والدين الاسلامي ,ومن  حقهم الطبيعي المحفوظ في مواثيق الامم المتحدة تقرير مصيرهم بعد أن نالوا الحرمان والسحق السياسي والثقافي .

-  طرح البعض فكرة استيعاب القضية الكردية في سوريا من جهة بعض المطالب الكردية ,وبنوا موقف منفتح ولو بشكل نظري فقط,كالبرلماني السوري منذر الموصلي *3حبث رأى بأن الاكراد تجمعهم بالعرب عوامل عديدةكالتاريخ والدين ويجب اعطاء الكرد في سوريا حقوقهم, ولكن بالحوار بين الكرد والنظام الحاكم وهو ما لم يتم حتى بعد اندلاع الثورة السورية حيث لم يزاود المعارضون السوريون من مختلف الاطياف كحسن عبد العظيمواسعد الزعبي على اسلافهم كثيراً,حيث يوعدون بإعطاء الكرد حقوقهم  بعد اسقاط النظام الحالي كما كل المواطنين السوريين دون أي تمييز ايجابي لهم من جهة الاعتراف في الدستور السوري بهويتهم القومية الكردية ,وفي الحقيقة لا يتجاوز هذا الموقف كثيراً موقف باقي المعارضين السوريين في الائتلاف السوري الذين يمانعون فكرة الفيدرالية ومحاصصة الكرد بإقليم يديرونه ذاتياً,علماً ان الكرد في سوريا يقودون المعارك ضد داعش منذ عام 2014,وهزموهم في مدن استراتيجية عديدة ,ويحاول النظام في دمشق استمالتهم ,واستفاد في معارك كثيرة من قواهم العسكرية, وإن كانت أغلب الكتل السياسية الكردية تقف كمعارضة لا موالاة .

- المأثرة الكبرى تبدو في الغشيان البادي على أعين المفاوضين السوريين وداعميهم الذين كان عليهم اللعب أكثر على الورقة الكردية السياسية والعسكرية ,ووضعها في جيبهم بالتفاوض مع الكرد والاذعان النسبي لهم على الاقل  ,فالبادي في الأفق ثبيت لكيانات كردية في سوريا والعراق,والأجدى لهم كسب الكرد كحلفاء اقليميين لهم .

- رفض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي استقلال اقليم كردستان العراق ,والى الآن وبالرغم من الاعتراف الدولي بحكومة اقليم كردستان العراق فإنها غير ممثلة بمقعد مستقل  في الجامعة العربية .

وما الضير اعطاء مقعد لممثلي الكرد سواء من سوريا او العراق  في الجامعة العربية لا سيما والعالم يتجه نحو الاستقواء بالتكتلات والمجاميع ,وصهرها في بوتقة مؤسساتية تكون منتجة أكثر مما لو كانت مؤسسة منكمشة على العرق العربي وحده, والمعروف دور الكرد في جلاء المستعمرين الانكليز والفرنسيين عن العراق وسوريا ,بالاضافةإلى فتوحات  صلاح الدين الايوبي التاريخية لصالح العرب والاسلام ,وتبقى جامعة الدول العربية جامعة للأنظمة العربية ولا تمثل آراء الشعوب العربية بتوجهاتها المتنوعة .

- يقولالكاتب اللبناني منح الصلح *:\\الجانب العربي في العراق يبدو مخطئاً في استمرار تأجيل حل لا مفر منه يتمثل في القبول الحاسم بالشخصية القومية الكردية بعيداً عن الوصاية والاكراه والعنف \\ ويُستشف من منظوره هذا تقبلاً لحل القضية الكردية ,لكن يبدو الأرجح من  رفض القومجيين العرب لأي كيان كردي مستقل أو فيدرالي هو تخوفهم  من فتح المجال أمام باقي الأعراق الموجودة في أطراف الجسد العربي للمطالبة بكيان أو حكم ذاتي لهم ,كالأمازيغ في شمال افريقيا ,واليوم جزء كبير منهم  في ليبيا  يعتمدون التدريس باللغة الامازيغية في التعليم بعد سقوط القذافي ,واذا سلمنا بذلك فأن رؤية  صموئيل هنتنغتون*4عن صدام الحضارات تبدو أكثر جلاء حيث الشعوب تتجه إلى الالمام والاحتفاظ قدر المستطاع بمكتسباتها الحضارية والنأي بنفسها عن الاممية, والبحث عن ذاتها القومية والعرقية , وهنا تبدو مخاوف الغلاة العرب محقةمن امتداد تفتيت الوطن العربي .

 

 

هامش1:من كتابه القضية الكردية في العراق ص 163

هامش2: من كتاب اراء عربية حول القضية الكردية صادر في دمشق عام 1993 ل صلاح برواري

هامش3: من كتابه عرب واكراد دار العلم 1991 ص116

هامش 4:كتابه صدام الحضارات ص133