صدر حديثا للكاتب والصحافي الكوردي السوري فاروق حجي مصطفى كتاب "الكُرد السوريون والحراك الديمقراطي" (الدار العربية للعلوم ـ ناشرون، بيروت 2012 )، وهو يتحدث عن جوانب من القضية الكوردية في سوريا والالتباسات التي تكتنفها، وعلاقة الحركات الكردية مع باقي الطيف السياسي السوري الذي ينشط في مجال تكريس الحريات والديمفراطية في البلاد.
ويقول مؤلف الكتاب حجي مصطفى في حديث لـPUKmedia بانه يتناول في كتابه "مسيرة الحركة الكُرديّة وعلاقتها مع القوى السوريّة الديمقراطية منذ نشأة أول تنظيم سياسي كوردي صيف 1957 وصولا الى مؤتمر القاهرة للمعارضة السوريّة الذي عقد قبل اشهر قليلة"، فالكتاب بهذا المعنى يرصد اكثر من نصف قرن من تاريخ الحراك الكوردي الحزبي في سوريا، ويتبدى من خلال هذا البحث حرص الكاتب على "إظهار شغف الحركة الكورديّة بانخراطها في القضايا الوطنيّة السوريّة إلى جانب القضيّة الكوردية الأساسيّة، متمثلة في كيفيّة إعادة اعتبار للكورد، وذلك عبر تأمين الحقوق المشروعة لهم".
واذا ما اعتبرنا ان الثورة السورية التي اندلعت في منتصف مارس العام الماضي تمثل نقطة انعطاف كبرى في تاريخ سوريا الحديث، فيمكن القول، عندئذ، إنّ الكتاب يتناول مرحلتين من تاريخ الكورد سياسيّاً: قبل الثورة، وبعدها. بهذا المعنى يسعى الكتاب بداية الى تسليط الضوء على الدور الذي لعبه الكورد في الحراك الديمقراطي من خلال نشاطهم، الذي يشبه إلى حد بعيد نشاط فاعلي المجتمع المدني، كون الحركة الكوردية، بالأصل، نتجت من لدن مرحلة برزت فيها نواة المجتمع المدني السوري، ونتاج لنشاط الجمعيات الكوردية قبل أن تتطور لتصل إلى صيغة التنظيم السياسي التي عبرت عن نفسها من خلال تشكيل اول حزب سياسي كوردي سوري تحت اسم "الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا" في 14 حزيران/ يونيو 1957 م.
ويتطرق الكتاب للحديث عن حالة الحركة الكوردية، ومقاربتها للمشهد السياسي السوري، ما بعد استلام حزب البعث للسلطة سنة 1963 ، وكيف أنّ هذه السلطة جردت القوى الكُوردية من البعد السياسي السوري، وذلك عبر دفعها نحو البوتقة الكورديّة، وقطع كل منافذ التواصل مع شقيقاتها من القوى السياسيّة والديمقراطيّة السوريّة إلى حدِّ لم يبقَ أمام الكورد غير الشيوعيين، والذين هم أيضاً أخفقوا في تحقيق انتقال القوى الكُوردية من كونها قوى تنشط وتتحرك كورديّاً، إلى قوى تسمح لها مجال الحركة والفاعليّة عبر طول سوريا وعرضها.
وينتقل الباحث بعد هذا العرض التاريخي المقتصب الى الحديث عن " إعلان دمشق"، ودور الكورد في هذا الإطار الأول الناضج سورياً، كونه من ثمار "ربيع دمشق" الذي تلى رحيل الرئيس السوري حافظ الأسد، وكيف أنّ الكُورد حققوا انجازاً مهماً من خلال تواجدهم في "إعلان دمشق"، كما يرى الكاتب الذي يعزو هذه الاهمية لعدة اسباب، أولها: أنّ وجود الكورد في هذا الإطار منحهم صبغة وطنيّة، وثانياً: أثبت لمروجي انفصال الكورد وانعزالهم بأنّ الكورد جزء من الحركة الديمقراطيّة السوريّة، وثالثاً إنّ هذا الإطار، ربما الإطار الأول سوريّاً، طالب للكورد بحقوقهم القومية من خلال بند خاص بالكورد في بيانه الأول.
ولا يغفل الباحث في هذا السياق حقيقة أنّ هناك قوى كُورديّة لم تنضج بعد لتستوعب الحالة التي بلغتها القوى السياسيّة الكُورديّة والسوريّة، وهو ما دفع ببعض هذه التيارات والقوى الى محاربة وجود الكورد في" إعلان دمشق"، مبرراً موقفها بأنّ هذا الإطار لن يحقق آمال الكُرد.
وينتقل الكتاب بعد ذلك للحديث عن دور الكُورد في الثورة الحالية، منذ يومها الأول، ورؤيّة الكُورد لحل الأزمة السوريّة من خلال طرح القوى الكُوردية لمبادرات عدّة، ومحاولتهم الحثيثة لتوحيد المعارضة خطابيّاً وسياسيا، وكقيادة الثورة على الأرض.
وفي معرض حديثه عن هذا الجانب، ينتقد الكاتب ما يسميها "ذهنيّة في الحيّز العربي" لا تقبل التكيف مع الوجود الكُوردي، ولعل هذه الذهنيّة، إضافة إلى وجود ذهنيّة التعصب القومي في الحيّز الكُوردي، خلقتا مناخاً سلبيّاً يحول دون اتفاق القوى المعارضة على عقد سياسيّ بين مكونات الثورة يمهد لدستور ينقل سوريا من بلد مكبّل بروح الاستبداد إلى بلد يشعر فيه كل مواطن بأنه في وطن حرّ يصون كرامة الناس.
ويلاحظ الكاتب انه "وبالرغم من أنّ الكُورد ارتقوا في خطابهم السياسي، وذلك بعد أن تبنى المجلس الوطني الكُوردي برنامج سياسي مرحلي في اجتماعه الموسع الثاني، إلا أنّ الأداء الخجول بقي سيد الموقف من قبل بعض الذين يمثلون الكُورد في اللقاءات والندوات والمؤتمرات للمعارضة السوريّة في الخارج ولا سيّما في مؤتمر القاهرة الأخير، ما أوحى للرأي العام بضيق الأفق الكُوردي، في الوقت الذي يملك فيه الكُورد خبرة حزبيّة ونضاليّة كبيرة، على خلاف بعض القوى السوريّة، الأمر الذي يؤهلهم للعب دوراً أعمق كُرديّاً وسوريّاً.
لعل اهمية الكتاب ينبع من توقيته ذلك ان حرارة الأحداث في سوريا، والأسئلة المتعلقة بمشاركة الكورد في هذه الثورة ودروهم فيها، وكذلك المسارات التي اتخذتها الثورة وحذر تخوف الكورد منها، كل ذلك يجعل من هذا الكتاب فرصة لإجلاء بعض المواقف والالتباسات بخصوص الموقف الكوردي، وحقيقة درو الكورد في الحراك السلمي، ومدى تنسيقهم مع قوى المعارضة السياسية التي تبحث عن مستقبل مشرق لسوريا يكون فيه للجميع، بمن فيهم الكورد، دورا ومكانة وحقوقا من دون تمييز او إقصاء.
PUKmedia إبراهيم حاج عبدي/ دمشق 30/10/2012 18:15