
في خضم التغييرات و التطورات الأخيرة في سوريا، والحديث عن مراحل جديدة وطوي صفحات أخرى، والحوارات والمؤتمرات المقترحة والقائمة حول سوريا القادمة، يشكل موضوع اللغة الرسمية موضوع مهم ورئيسي، يتعلق بجوهر التغيير والانتماء، وهو الموضوع الغائب الحاضر.
في سوريا، منذ تأسيسها في عشرينيات القرن الماضي و إلى اليوم، لم تعترف كل الدساتير السورية بأي لغة أخرى في سوريا سوا العربية، كما اعتمدت اللغة العربية فقط لغة رسمية في هذا البلد، في حين أن العرب لا يشكلون 100% من سكان سوريا، حيث يوجد الكرد، السريان، التركمان، الأرمن و الشركس و
غيرهم، ولا توجد احصائيات رسمية أو صحيحة ربما عن نسب المكونات.
هل ستبقى العربية اللغة الوحيدة الرسمية في سوريا؟ ما مصير و حقوق باقي القوميات في سوريا من الناحية اللغوية؟ هل اللغات الأخرى في سوريا، عدا العربية، فقط لغات وطنية؟ كيف سينظر الدستور السوري القادم إلى هذه المسألة الجوهرية؟ كم لغة ستكون رسمية في سوريا؟
بكل تأكيد، كل إنسان يتمنى وله الحق ان تصدر الوثائق الرسمية بلغته أيضا، مثل الهوية الوطنية، جواز السفر، القرارات الرسمية، و كذلك في التلفزيون الرسمي، والبرلمان و كل اليافطات وغيرها.
تعدد اللغات الرسمية لا يعني مطلقا إضعاف الدولة أو إضعاف أو تقوية لغة على حساب أخرى، على العكس، في بلد مثل سوريا، كان ولا يزال تعدد اللغات حق أساس يجب ان يعاد إلى مكوناتها.
في العالم، هناك تجارب عدة حول تعدد اللغات الرسمية، حوالي 100 دولة فيها لغتين رسميتين وفق الدستور، كما ان هناك دول فيها ثلاث لغات و منها اربع لغات، ودول فيها أكثر من ذلك، لكل دولة خصوصيتها و تجربتها التي قد لا يمكن نسخها حرفيا في دولة أخرى، لكن نستطيع ان نأتي ببعض التجارب من ناحية شكل اللغة الرسمية:
1- دول ثنائية اللغة رسميا في عموم جغرافية البلاد: مثل كندا حيث تعتبر اللغتين الإنكليزية والفرنسية لغتين رسميتين في عموم البلاد، بنفس السوية تماما، على الرغم من ان نسبة السكان وفقا للغة الام متفاوتة بين اللغتين، حيث يتحدث 57% من السكان الإنكليزية، و 21% من السكان يتحدثون الفرنسية، و 22% من السكان يتحدثون لغات أخرى، كما يوجد حوالي 215 لغة أخرى في كندا، تعتبر كلغات وطنية، لكن دون ان تكون لغات رسمية.
2- دول متعدد اللغات الرسمية وفقا للتقسيمات الأقاليمية للبلاد: مثل التجربة البلجيكية، فيها ثلاث لغات رسمية في أربعة أقاليم، كل لغة رسمية في الإقليم الناطق به وليس في عموم البلاد، الإقليم الناطق بالهولندية، الإقليم الناطق بالفرنسية، الإقليم الناطق بالألمانية، و إقليم العاصمة الثنائي اللغة، في بلجيكا يتحدث 59% من السكان الهولندية، و 40% يتحدثون الفرنسية، بينما 1% فقط يتحدثون الألمانية، ومع ذلك هي لغة رسمية.
3- التجربة العراقية، نستطيع أن نقول إلى حد ما هو دمج بين النموذجين السابقين، حيث تعتبر اللغتين العربية والكوردية اللغتين الرسميتين للعراق، وتعتبر اللغة الكوردية اللغة الرسمية في إقليم كوردستان، و في عين الوقت يحفظ يضمن الدستور العراقي حق العراقيين بتعليم أبنائهم باللغة الام كالتركمانية، والسريانية، والأرمنية، ...أو بأية لغة أخرى في المؤسسات التعليمية الخاصة.
إضافة إلى ما سبق، هناك عدة دول فيها لغة رسمية واحدة، هناك دول أخرى اختارت لغة أخرى غير وطنية أي ليست من لغات مكوناتها، كلغة رسمية، كما ان هناك دول فيها لغة او اكثر رسمية على مستوى الدولة بينما لغات أخرى رسمية محليا وفقا لتقسيمات إدارية.
في سوريا، ما هو الأنسب؟ ما هو الحل الذي يستحقه كل السوريين؟ ما هو الحل الذي يعبر عن طموحات السوريين؟ مهما كان الحل، يبقى من حق كل سوري ان تصبح لغته مصانة قانونيا، اللغة الرسمية لأي دولة هو شكل من أشكال الهوية الوطنية أيضا.
بقي أن نقول إن اللغة الرسمية هو اللغة القانونية للدولة، أو اللغة الرسمية للحكومة.
welattv.net