Share |

المجلس الوطني وخلفيّات الالتفاف على المطالب الكرديّة!...هوشنك أوسي

هوشنك أوسي

 

البيئات الأيديولوجيّة (الدينيّة واليساريّة والقوميّة) التي يتأتّى منها الطاقم المشكّل للمجلس الوطني السوري، تقطع الشكّ باليقين، أنّ ثمّة بازار، جهويّ محليّ سوري، وإقليميّ، تركي _ عربي، رافض لتوثيق حقوق الشعب الكردي والآثوري والسرياني، بشكل واضح وجليّ ولا لبس فيه، في الوثائق الصادرة عن مؤتمرات المعارضة السوريّة، بخاصّة منها، المنعقدة في تركيا.

ذلك اننا رأينا، ذلك التراجع الخطير والمقلق والمريع، الذي صدر من المجلس الوطني بخصوص التزاماته التي صرّحها بها حيال الكرد وقضيّتهم وحقوقهم في تونس، في مؤتمر المعارضة السوريّة باسطنبول، قبيل انعقاد مؤتمر اصدقاء سورية!. ذلك التراجع، استدعى موقفاً وطنيّاً وقوميّاً وديمقراطيّاً، رافضاً، ابدته الكتلة الكرديّة والمجلس الوطني الكردي، باستثناء السيّد عبدالباسط سيدا، الذي صار في موقف جد محرج، لا يحسد عليه، لجهة سلوكه غير المنسجم مع الحرص الوطني، على مطالب وحقوق شعب، من المفترض ان سيدا يمثّله!. وبذا، دخل سيدا، ومعه المجلس الوطني السوري، في خانة المساءلة الوطنيّة، بخصوص ارتهانهما للمشيئة والضغوط التركيّة _ الأخوانيّة، فيما يخصّ الالتفاف على الكرد السوريين وقضيتهم وحقوقهم. وحين أراد المجلس الوطني، تبرير موقفه المتنصّل من تعهّداته في مؤتمر تونس، اكتفى باصدار "توضيح"، يذكر فيه انه لا زال ملتزم بتعهّداته السابقة، وان العهد الوطني الذي صادق عليه مؤتمر المعارضة الاخير في اسطنبول، أنه مجرّد مبادئ عامة!. لكأنّ قضيّة من وزن القضيّة الكرديّة واستحقاقاتها، هي هامش من طينة التفاصيل، وليست من المبادئ العامّة التي ينبغي التأكيد عليها دوماً، وفي كل الوثائق الصادرة من محافل ومؤتمرات المعارضة السوريّة. وبالتالي، الاكتفاء بـ"التوضيح" يشي بمدى نزعة المواربة والالتفاف التي يتعاطى بها المجلس الوطني مع الكرد وقضيتهم. وكان من المفترض بالمجلس الوطني السوري، ان يصدر بياناً، لا توضيحاً مقتضباً، (وشتّان ما بين التوضيح والبيان في العُرف السياسي، لجهة قوّة التوثيق والمصداقيّة، وانسجاماً مع أهميّة الإشكال، وهو انسحاب ممثلي شعب يناهز تعدادهم 3 مليون مواطن سوري من مؤتمر المعارضة السوريّة!)، فلو كان المجلس الوطني السوري، يتعاطى بتلك الجديّة والاهميّة الاستراتيجيّة مع الشعب الكردي ودورهم في الثورة السوريّة، ورفع الحيف والغبن والظلم اللاحق بهم طيلة هذه العقود، لما كان تعاطى بهذا الاسفاف والخفّة والاستهتار بانسحاب الكتلة الكرديّة، عبر التنصّل من إدراج المطالب الكرديّة التي وافق عليها المجلس الوطني في العهد الوطني. بل كان على المجلس الوطني السوري، أن يكون أكثر حرصاً وإصراراً على إدراج ذلك، في ميثاق العهد الوطني، حتّى أكثر من الكتلة الكرديّة والمجلس الوطني الكردي. وهذا ما لم يحدث، مع جزيل الأسف!. والجدير بالذكر هنا، ان مواقف السيّد عبدالباسط سيدا، ومحاولاته الحثيثة، لتبرير موقف المجلس الوطني، دفع الأخير للتعاطي مع الكرد وقضيتهم بمزيد من الاستعلاء والعجرفة والالتفاف والمواربة. فبقاء سيدا، على موقف المجلس الوطني، كان القشّة الكرديّة التي وراى المجلس الوطني السوري خلفها سلوكه اللاوطني واللاديمقراطي في تعاطيه من القضيّة الكرديّة والموقف الاحتجاجي الذي أبداه الكرد حيال ذلك. ولعمري، أن هذه، من صنف النقطة السوداء التي تستوجيب من سيدا، بذل المزيد والمزيد، حتّى يمكنه شطبها من تجربته السياسيّة.

 

التنصّل من التزامات تونس، في اسطنبول، لا يمكن إيجاد تبرير له. ويمكن تفسيره، بأنه عربون التزام جماعة الاخوان المسلمين، بالاتفاقات التي ابرمها النظام السوري مع تركيا، بخاصّة منها، اتفاقيّة أضنة الامنيّة. الى جانب التأكيد، على ان سورية مابعد الاسد، لن تعترف بالكرد كشعب، ولن تضمن لهم حقوقهم القوميّة والثقافيّة والسياسيّة دستوريّاً. وهذا بيت القصيد، الأخواني _ التركي، الذي صار في حكم الأمر الواقع، عبر المجلس الوطني السوري. والخشية الكبرى، ان يهرول بعض الكرد الى المصادقة على ذلك، فرادى وزرافات.

 

ما هو مفروغ منه، ان الأقليّات القوميّة والدينيّة والطائفيّة، والشعب الكردي، كثاني قوميّة في البلاد، هي التي بحاجة الى ثقة وطمأنة اكيدة وموثّقة، يجب ان تمنحها الاغلبيّة القوميّة والدينيّة في سورية لها، لا العكس. فالمجلس الوطني السوري، شأنه شأن النظام، يتعاطى على مضض مع اطلاق نعت "الشعب" على الكرد والسريان والآشوريين السوريين!. لكأنّ مليون أو اثنين أو ثلاثة، ضمن 22 مليون، لا يمكن اعتبارهم شعباً!؟. فحتّى لو كان تعداد الشعب السوري، يوازي عدد سكان الصين أو الهند، فهذا لا يسقط اعتبار الكرد السوريين شعباً!. والسؤال: لماذا يتنصّل ويتهرّب المجلس الوطني من اعتبار الكرد والسريان والآشوريين شعوباً سوريّة، والاكتفاء باعتبارهم "مكوّنات" النسيج الاجتماعي السوري، تماماً على شاكلة خطاب النظام السوري؟!. أوليس ذلك تهرّب من الاستحقاقات الوطنيّة والديمقراطيّة لهذه الشعوب في سورية مابعد الاسد؟!. زد على ذلك انه تقاطع فجّ ولئيم مع النظام السوري في تعاطيه والشعب الكردي وقضيّته  وحقوقه، سابقاً وراهناً.

ويبدو لي، ان المجلس الوطني، شأنه شأن النظام، لا زال يشكك في نوايا الكرد، إذ هم طالبوا بالحكم الذاتي أو النظام اللامركزي، أو الاعتراف بحقوق الكرد وفق الميثاق العالمي لحقوق الانسان، على اعتبار الاخير، يشرعن حقّ تقرير المصير!. لذا، يتفادى المجلس الوطني، حتّى عبارة "الاعتراف بالحقوق الكرديّة  وفق القوانين والعهود الدوليّة"، ويعتبره المجلس، نزوع خفي كردي نحو الانفصال!، ولا يعتبره حصانة للكرد وغيرهم، من تكرار سيناريو البعث السوري، في نظام مابعد الاسد!.

 أزمة الثقة هذه، تتفاقم تباعاً، وعلى المجلس الوطني السوري، كممثل شرعي، معترف به إقليميّاً ودوليّاً بالشعب السوري، بذل المزيد من الجهود الموثّقة والجدّية، وتقديم التنازلات، والكفّ عن التعاطي بذهنيّة الشك والتخوين المبطّن والخفي، مع الشعب الكردي. في حين، ان القنوات الطبيعيّة لنشر تأكيدات المجلس الوطني السوري حول تعهّداته إزاء الكرد السوريين وقضيّتهم وحقوقهم، بالتأكيد، ليست صفحة عبدالباسط سيدا، على الفيسبوك!. بل يستوجب الامر، مؤتمراً صحافيّاً، يعلن فيه المجلس الوطني، بكل مكوّناته وتشكيلاته السياسيّة، وفي مقدّمهم جماعة الاخوان المسلمين وقوى إعلان دمشق، الاعتراف بالشعب الكردي، وليس فقط بالهويّة الكرديّة، (الأكثر وضوحاً هو: الاعتراف بالشعب الكردي وهويّته القوميّة والثقافيّة وحقوقه السياسيّة في الدستور السوري، بالاضافة الى رفع الظلم والغبن عن الكرد وازالة كل المشاريع العنصريّة التي طبّقها النظام السابق بحقّه، وتعويض المتضررين من تلك المشاريع)، واعتبار ذلك، جزء أسياسي ورئيسي من العهد الوطني لسورية المستقبل، وادراجه في وثيقة العهد كبند واضح.

 

يجب على المجلس الوطني السوري، السعي نحو أفضل العلاقات مع الجارة تركيا، ولكن، ليس على حساب الكرد والسريان والآشوريين والأرمن...، السوريين وقضاياهم وحقوقهم العادلة.

وثمّة نقطة، لا مناص أمام السيّد عبدالباسط سيدا، توخّيها، قدر المستطاع، مفادها: الكفّ عن دور المفاوض الكردي، الذي يفاوض المجلس الوطني الكردي وبقيّة القوى الكرديّة الأخرى، ودفعهم للقبول بما يمنحه المجلس لهم. واسناد هذا الدور لشخص آخر، غير كردي. وسيكون ذلك أفضل وأجدى وأنجع له وللكرد وللمجلس الوطني السوري. ذلك انه من المعيب ان يقبل الكردي التفاوض مع الكرد، على حقوقهم. فعلى سيدا، الاخذ في الحسبان، أهميّة وحساسيّة وجديّة دوره، كممثل للشعب الكردي لدى القوى الوطنيّة الآخرى في المعارضة السوريّة، لا كونه مندوب المعارضة السوريّة لدى الكرد!. يجب أن يكون دوره توافقيّاً وطنيّاً، مدافعاً عن حقوق الكرد، ليس لكون سيدا كرديّاً سوريّاً، بل لكون الكرد مظلومين من النظام والمعارضة. ثمّ أن الأخيرة، لا تمتلك تلك التركة والتجربة في الوعي والسلوك الديمقراطي، التي يعتد بها، ويمكن التعويل عليها، لذا، أذا أبدى الكرد قليلاً من الحزم والصرامة، فهذا لا يعني انهم مع النظام!، وضدّ الثورة وإسقاط النظام!. المسؤوليّة الحساسة التي وجد سيدا انه أهل لها، تملي عليه المزيد من الحرص والأناة، في إطلاق التصريحات، وعدم اتهام منتقديه بأنهم متعاونون مع النظام السوري!. يجب ألاّ يكون دوره، في المعارضة السوريّة، موازياً لدور بعض الكرد المشبوهين لدى النظام السوري، لجهة تبييض وجه المعارضة والنظام، في تعاطيهما السلبي مع الشعب الكردي وقضيّته وحقوقه.

 

كاتب كردي سوري

Shengo76@hotmail.com