تشكل انتفاضة جبل آغري صفحة مشرقة من التاريخ النضالي للأمة الكوردية، في سبيل حريتها واستقلالها القومي في شمالي كوردستان (تركيا) .خاصة ان الانتفاضة اندلعت اثر اخماد ثورة الشيخ سعيد بيران عام 1925 وسط ذهول السلطات التركية التي لم تكن تتوقع قيام انتفاضة اخرى بهذه القوة وهذا التنظيم الجيدّ.
اثبت المناضلون الكورد في آغري للعالم اجمع إن جذوة الشوق إلى الحرية والاستقلال متقدة في قلب وضمير هذه الأمة دوما وابداً ولن تهدأ بالرغم من احلام الاتراك وقولهم انهم وضعوا قبر الشعب الكوردي على جبل آغري ولن ينتفض هذا الشعب ابداً فعندما علمت الحكومة بحجم وقوة الثوار بقيادة الضابط احسان نوري باشا، قامت بتجهيز جيش مزود باحدث الاسلحة المتوفرة آنذاك، مدعمة من القوة الجوية وعبر القتل والتهجير ادى الى اخماد تلك الثورة ايضاً.
إحسان نوري باشا
ولد الكاتب والمؤرخ الكوردي وقائد ثورة آغري إحسان نوري باشا في بدليس عام 1898 وينتمي إلى عشيرة جبران الكوردية بعد الانتهاء من التعليم الابتدائي، و التعليم الثانوي في بدليس دخل المدرسة العسكرية في أرزينجان، ثم انضم إلى الأكاديمية العسكرية العثمانية. في عام 1910، وبعد أن اجتاز دورة عسكرية بتفوق تخرج في هذه الأكاديمية برتبة ملازم أول وانضم إلى الجيش العثماني، وشارك في عدة حروب وعين قائدا لقوات الحدود التركية- الإيرانية. ولكن بعد انهيار الامبراطورية العثمانية وانتصار مصطفى كمال اتاتورك وتأسيسه للجمهورية التركية عام 1923 رقي الى رتب أعلى، لكن موقفه تغيّر بعد أن رأى بأُم عينيه بشاعة أعمال الحكومة التركية في اخماد ثورة الشيخ سعيد بيران عام 1925 واعدام زعمائها الميامين في ساحة باب الجبل وسط دياربكر وتدمير معظم قُرى تلك المناطق التي حارب الثوار فيها القوات الحكومية.
نتيجة تلك الاوضاع بعد اخماد ثورة الشيخ سعيد أخذ يفكر مع نخبة من الوطنيين الكورد في تأسيس تنظيم سياسي ثوري موحد يأخذ على عاتقه تحرير كوردستان من الاستعمار والاحتلال التركي وصولاً الى نيل حق تقرير المصير للامة الكوردية، فأسس مع الأُمراء البدرخانيين والوطنيين الآخرين حزباً قومياً بأسم (خويبون) أي (الاستقلال) سنة 1927 للسعي في سبيل استقلال كوردستان وتأسيس دولة موحدة للكورد. وانتمى إلى عضوية "جمعية تعالي كوردستان" وكان صاحب امتياز مجلة "زين"، والملحق الإعلامي لحزب خويبون. كما كان عضوا في "لجنة استقلال الكورد" التي تأسست في أرضروم.
قرر حزب (خويبون) القيام بثورة قومية عارمة ضد السلطات في تركيا الكمالية فاختار (الجنرال إحسان نوري باشا) لقيادتها فهيأ الجنرال نفسه منذ ذلك الحين لتلك المهمة القومية الخطيرة، فوقع اختياره على جبل آغري من جبال آرارات ليكون منطلقاً لقيام تلك الثورة القومية بعد مشاورات مع العديد من الضباط الكورد واعلنوا الثورة من جبل آغري ورفع لاول مرة العلم الكوردي فوق قمة الجبل واعلن استقلال كوردستان. بعد ان جمع حوله نخبة مخلصة من ثوار أشداء.
وفي خريف سنة 1927 بدأت تلك الثورة بمصادمات محدودة بين الثوار الكورد والقوات التركية من شرطة وجيش وعندما توسعت نشاطات الثوار الفدائيين الكورد، بدأت القيادة العامة للقوات المسلحة التركية بتمويه الحقائق واظهار تلك الحركة الثورية كأنها حركة تمرد محدودة، فأخذت تنشر دعايات عن إصدار قرار عفو عام عن المتمردين للعودة الى أعمالهم الاعتيادية في مدنهم وقُراهم. لكن لا القائد المحنك الجنرال احسان نوري باشا ولا الثوار الميامين لم يصدقوا بتلك القرارات والوعود الكاذبة واعتبروها خديعة ومؤامرة خبيثة من جانب الحكومة للايقاع بهم في الشَرَك. لذا حصّنوا مواقعهم في الكهوف والوديان والجبال أكثر، إستعداداً لكل طارىء وجمعوا اسلحة وأعتدة وذخائر كثيرة لمدة طويلة وسيطروا على جميع اُجزاء سلسلة جبل آغري.
وحصلت معارك ضارية بينهم وبين الجيش التركي ادى الى وقوع العديد من الضحايا وتدمير القرى والمدن في تلك المنطقة الى ان حل صيف عام 1930، قامت القوات الجوية التركية بقصف مواقع الثوار الكورد وجميع محاور القتال حول جبل آرارات . ونتيجة التفوق العسكري من ناحية العتاد والعدة والمؤامرة عليهم اخمدت الثورة .
بالرغم من مقاومة الثوار لتلك القوات المهاجمة بكل جدارة وبطولة، فأوقعوا في صفوفها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، إلاّ أن أسلحتهم وتجهيزاتهم أخذت بالنفاد ولم تصل اليهم الإمدادات بسبب الحصار المفروض على مواقعهم. فعندئذٍ قرر الجنرال احسان نوري باشا ترك مواقعهم خوفاً من الابادة الجماعية فتسللوا الى داخل حدود كوردستان الايرانية، فقامت القوات التركية بمهاجمة وتدمير مئات القرى الكوردية وقتل أُناس أبرياء بتهمة أنتمائهم للثورة في تلك الفترة العصيبة، وظن الاتراك على انهم طمروا الشعب الكوردي وقضيتهم في التراب ولن تقوم وتندلع ثورات من جديد .
بعدها لجأ الجنرال احسان نوري باشا الى ايران واستقر به المقام في طهران بصحبة زوجته التركية ورفيقة عمره الوفية ياشار خانم. مع لفيف من الثوار في شهر تشرين الاول 1930 حيث اقام هناك كلاجىء سياسي وقامت السلطات الايرانية بفرض القيود على تحركاته خلال السنوات التي قضاها في طهران، وألف كتابه المشهور "مذكّرات إحسان نوري باشا.. قائد ثورة آغري 1930" ذكر فيها ونقل الصورة الحقيقية لتفاصيل أحداث تلك الثورة، الى أن توفى فى 25-3-1976 عن عمر يناهز 78 سنة في حادث سير مازالت هناك شبهات على وفاته على انه حادث مفتعل من قبل الاستخبارات التركية والايرانية وليس قضاء وقدراً ، وهكذا طوي سجل حياة مناضل ثائر كوردي كافح وحارب من أجل استقلال كوردستان وإقامة كيان سياسي للكورد.
هوزان أمين - التآخي