يُعتبر بداية القرن العشرين تاريخاً مشرفاً بالنسبة لتعليم الإناث ،فقد حمل بين طياته بذور تعليم الفتيات في المراحل الأولى بين العامة ، والمراحل الجامعية عند الطبقات البرجوازية ،
مما سمح بتوفر ملايين من فرص العمل للفتيات ، وبسبب ظروف الحرب العالمية الثانية ١٩٣٩-١٩٤٥ توجهت ملايين النساء الى العمل حتى الأعمال التي كانت محظورة عليهنّ ،مثل دخولهن صفوف المقاومة بسبب نقص عدد الرجال خلال الحرب ،وهنا ساعدت الحكومات بإيجاد حضانات للأطفال لتسهيل عملهن خارج المنزل ، لكن عند خمسينيات القرن لما استقرت أوضاع أغلب الدول، وقتها انتشرت الإعلانات والإعلام الذي بدأ يغسل ادمغة النساء بالتحليل المبتذل كي يجلسن في بيوتهن وتم توجيه التُهم لهن بأنهنّ سبب كل مشاكل المجتمع.
كانت النساء بحاجة إلى دعم معنوي ، فكانت صرخة سيمون دي بوفوار مدوية في كتابها الموسوعي (الجنس الآخر ) 1949 هذا الكتاب الذي ساهم ببدء حوار حول نشأة الحركة النسوية الغربية وفيه يناقش سؤالين مركزيين ،كيف وصل الحال بالمرأة الى ما هو عليه بأن تكون الآخر، ولماذا لم تتعاون النساء وتعمل جنبا إلى جنب لمواجهة الواقع الذكوري الذي فُرض عليهم وفي عام ١٩٧٠ كان لها دور في اطلاق حركة تحرير المرأة ،وواصلت النضال بكافة الأشكال، تلك الكاتبة والفيلسوفة والناشطة السياسية.
والحادثة التي أشعلت شرارة لحراك النساء كانت ، تجرأ تلك المرأة السوداء، روزا باركس ١٩٥٥ الجلوس في مقاعد الحافلات المخصصة للبيض في الولايات المتحدة في ألاباما ورفضها التخلي عن مكانها للبيض رغم التحذير ، وقد اعُتبر هذا تمردا وكانت سببا لحدوث المواجهات بين البيض والسود وانضمام بعض البيض الى السود أعطت للحركة طابع إنساني وجعلت منها حركة ضد السلطة المستبدة.
ثم كانت صرخة بيتي فريدان قد مهدت الطريق للمنظمات النسائية حين نشرت كتابها (اللغز الأنثوي )1963 ففي هذا الكتاب تبدأ رحلة البحث عن الذات ، ذات المرأة كإنسانة مما يقودها إلى رؤية فضاء الفكر الذي يؤدي إلى تحريرها، هذا الكتاب لقى صدى كبير وأسست بعدها المنظمة القومية للمرأة في أمريكا، ثم تتابعت الحركات النسائية في كل بقاع العالم ،وحدث الإضراب الذي دعت إليه بتي فرين 1970 للاحتفال بالعيد الخمسين لإعطاء المرأة حق التصويت الذي لاقى تجاوبا كبيرا ،وكان بحق عام تحرير المرأة الأميركية حيث أقر مجلس الشيوخ بعد سنتين تعديل الحقوق المتساوية للدستور الأمريكي الذي يحرم التميز الجنسي والذي بطل عام 1982 وأعطى المرأة الحق بالإجهاض.
في إفريقيا لاقت النساء عنفا شديدا ،حيث كنّ تعتقلنّ وتلدنّ تحت الحراسة الشديدة ويُنتزع منهنّ اطفالهنّ بمجرد ولادتهم من أشهر النسويات الافريقيات تشيماماندا أديتشي ١٩٧٧الروائية النيجيرية التي ترجمت أعمالها إلى ثلاثين لغة عالمية من أشهر أقوالها علينا جميعا أن نصبح نسويين ،وتلقب بالنسوية الأفريقية السعيدة، غير الكارهة للرجال والمحبة لملمع الشفاه التي ترتدي الكعب العالي لنفسها وليس للرجال.
في بريطانيا كانت إيميلي وايلدينغ ملهمة للنساء فقد ضحت بحياتها لتلفت الأنظار إلى قضيتها حيث رمت بنفسها تحت حوافر حصان الملك جورج الخامس خلال سباق الداربي للخيول عام ١٩١٣ كانت هي مع جماعة النساء اللواتي تطالبن بحق المرأة في الانتخاب والترشح.
في ربيع 1968 أضربت عاملات مصانع فورد في مدينة داغنهام ضد التميز في الأجور بينهن و بين الرجال وطالبنّ بالمساواة في الأجور وقد اتهمت هؤلاء النساء بالشيوعية وكان يمارس عليهن كل وسائل الترغيب والترهيب لوقف الإضراب، ولم تكسر الحركة وتمكنت العاملات من انتزاع قانون الأجر المساوي عام ١٩٧٠ .
في الهند شنت حركة المرأة حملة ضد القتل باسم المهر وحرق الأرملة حية بالنار مع زوجها الميت، وضد الاغتصاب ورفع الأسعار وضد إدمان الرجال الكحول والعنف الأسري.
وقد اشتركت المرأة الهندية بالنضال في الرابطة الإسلامية وكان نتيجة هذا النضال اختيار البيجوم جاهانارا شاه نواز عضوا في مؤتمر المائدة المستديرة في لندن ١٩٣٢ ونتيجة ذلك كان الدستور الذي صيغ عام ١٩٣٧ وتم تحرير ٦٠ مليون امرأة وتخصيص مقاعد للمرأة في أغلب المجالس التشريعية.
في باكستان منبر النسائي ، قاد النشاط ضد قانون الشهادة ضد الحكومة العسكرية الذي يجعل شهادة المرأة في المحكمة تساوي نصف شهادة الرجل ووصلت الباكستانية للعمل في مجال الطاقة الذرية ، مثل الدكتورة أمينة رحمان ، و”طيارة ” وحجاب امتياز وروكسانا رضا وانشئ عام ١٩٤٨ الحرس الوطني لنساء باكستان، وكذلك فرق بحرية وكانت البيجوم شايستا إكرام مندوبة عن بلادها في جمعية الأمم المتحدة.
باكستان بلد التناقضات الصارخة وخاصة اذا تعلق الأمر بالنساء ففي عام ١٩٨٨ تم انتخاب بناظير بوتو لمنصب رئيسة الوزراء وفي عام ٢٠٠٧ قُتلت الوزيرة زيل إي هوما لانخراطها بالسياسة ولبسها غير المناسب كما صرح قاتلها، والوزيرة نيلوار بختيار التي اصدر فتوى ضدها لمجرد إنها احتضنت مدربها بعد تحقيق نجاحها لقفزة مظلية مما اجبرها على الاستقالة من منصبها.
ولمعت اسماء الكثير من الباكستانيات حتى نصل إلى ملالا يوسفزي التي تعرضت لمحاولة الاغتيال من قبل تنظيم طالبان وبعد نجاتها برز نجمها كناشطة اجتماعية ونسوية حيث أسست منظمة تعليمية وألفت كتابا بعنوان أنا ملالا، وحازت على جائزة نوبل للسلام ٢٠١٢.
في إيران كانت مطالب حراك النساء يطالب بتأسيس مدارس للفتيات وإلغاء المهور الغالية في عام ١٩٠٧ نظمت النساء المؤتمرات ورفعن العرائض ومطالبات للبرلمان والحكومة للحصول على الموافقة لتأسيس مدارس للفتيات وكتبن المقالات في الصحف وخاطبن رجال الدين الدستورين المعارضين لتعليم النساء في محاولة لإقناعهم، وكانت أولى مدارس تعليم البنات قد أنشئت على نفقة النساء المؤسسات الشخصية والرسوم على نفقة الطلاب حتى عام ١٩١٨ وتحت ضغط الناشطات بنت الحكومة مدارس لتعليم الفتيات وتطورت بعد ذلك المطالب إلى الاعتراضات على بعض قوانين عدم المساواة والزواج القسري .
من الرائدات بهذا المجال ،عصمت مستوفي أشتياني، وكانت تكتب تحت اسم مستعار “طايره” وكانت مطالب النساء في تطور مثل قصة الحجاب والناشطة أفسانة نجم الدين الى الناشطة شهناز آزاد عام ١٩٢٣وحاليا شيرين عبادي والمحامية نسرين ستوده ،مع غيرهنّ تتابعن الحراك النسوي المعاصر.
في الأرجنتين حين استلمت ايزابيل بيرون رئاسة الجمهورية اعتبرت الإنجاب واجبا وطنيا واصدرت مرسوما يمنع بيع وسائل منع الحمل.
وهذا من الاسباب التي جعلت الناشطات تخرجن للشوارع مطالبات بإلغاء هذا المرسوم ولم يتوقف الحراك رغم الانقلاب العسكري ١٩٨٧ وقد كان حادثة سجن 2000 شخص واختفاء 30000 شخص في عهد الديكتاتورية 1976_1982 حين تجرأت مجموعة من الأمهات على الاجتماع أمام مبنى الحكومة في بلازا دي مايو، وواجهنّ الاضطهاد والضرب والموت ثم تشكلت جماعة الجدات للبحث عن أحفادهن وقد الهمت هذه الحركة النساء في كل العالم لمواجهة الأنظمة الفاشية.
وكان المؤتمر الخامس لنسويات امريكا اللاتينية والكاريبي حيث خرجنّ بإعلان سان برناردو، الذي دعا إلى ضمان الحق في الوصول الى الإجهاض ووسائل منع الحمل بشكل آمن.
في ألمانيا برز اسم الإعلامية أليس شفارتسر التي أثرت على مجرى تاريخ النساء في ألمانيا فقد كتبت ٢١ كتابا وأشهر كتبها(الفرق الصغير وعواقبه الكبيرة)وترجم إلى ١١ لغة وأصدرت أول مجلة نسائية علم ١٩٧٧ باسم”إمما” وكان لها دور في تعديل القانون ٢١٨ والذي يقضي بجعل النساء سيدات انفسهن.
في العالم العربي كانت هدى شعراوي ثم نوال السعداوي رائدة ومازالت تقود الحملات النسوية ،أنشئت مع أخريات لجنة حقوق المرأة ، داعية الى الوحدة العربية ومقرها القاهرة ،ثم تشكلت عدة جمعيات وشبكات تهتم بتوعية المرأة للمطالبة بحقوقها وكتبت نوال السعداوي الكثير من الكتب المختصة بالنساء.
وكان من أفضل نتائج ذلك الحراك العالمي للنساء هو اتفاقية سيداو١٩٧٩ هذه الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، المعتمدة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ويعتبر مشروع قانون دولي لحقوق المرأة تتألف من مقدمة و٣٠ مادة يحدد فيها أشكال التميز ضد المرأة ،وقد أدخلت حيز التنفيذ عام ١٩٨٠.
في سوريا كانت مريانا مراشي الرائدة فقد كانت تكتب في الصحف عن تحرير النساء منذ عام ١٨٧٠ ،تلتها ماري العجمي التي أسست مجلة العروس ١٩١٠ وعادلة الجزائري التي نشطت في جمعيات النساء التي تهدف المطالبة بحقوقهن،
من أولى الجمعيات ذات الطابع السياسي كانت جمعية النساء العرب القوميات التي كانت تطالب بالحقوق السياسية للمرأة وكان لسامية المدرس دورا فعالاً بعام ١٩٤٨.
في عام ١٩٦٧ كان الاتحاد النسائي نشطا لكن مع استلام حافظ الأسد السلطة ١٩٧٠ اصبح هذا الاتحاد منظمة شبه حكومية وتابعة للسلطة وحتى وقت استلام بشار الأسد بقي الاتحاد منضويا تحت عباءة السلطة.
لم يخلو الأمر من المبادرات الفردية مثل حنان نجمة التي كان لها صالون ثقافي خاص في دمشق ١٩٨٠ وكانت تطالب بتحسين ظروف النساء والأطفال في سوريا.
في ٢٠٠٣ كانت هناك لجنة سيدات الأعمال السوريات ،حتى قيام الثورة ٢٠١١ التي كانت ثورة عل كل شيء حيث نزلت النساء إلى الشوارع وشاركنّ في التنسيقيات وظهرت الكثير من المنظمات النسائية في الداخل والخارج، إلا أن تمدد الفكر المتطرف وظهور الحركات المتطرفة أثر سلباً حيث جمدت الكثير من تلك المنظمات وأصبح عددها يتقلص.
ثم أنشأت الحركة السياسية النسوية السورية التي كان مؤتمرها التأسيسي في ٢٤ /١٠/٢٠١٧ في باريس مما جدد الأمل بالمضي نحو تفكير حر وديمقراطي لحصول المرأة على كل حقوقها فهي حركة تعمل على بناء سوريا كدولة ديمقراطية حديثة قائمة على أسس المواطنة المتساوية.
وكان نتيجة نشاطات و توالي المؤتمرات النسائية في أغلب مناطق العالم اختيار يوم عالمي للمرأة والسبب وراء اختيار الثامن من آذار يوما دوليا للمرأة كان تكريما لذكرى تلك النساء الروسيات اللواتي خرجن للتظاهر بسبب ظروف الحرب لتعلنّ إضرابا عن تحت شعار من “أجل الخبز والسلام” في آخر يوم من شباط ،فبراير وقد وافق يوم الثامن من آذار، مارس في التقويم الميلادي وكان نتيجة الإضراب موافقة القيصر منح حق التصويت للنساء.
والحركة النسائية الروسية تاريخ عريق فقد تزامنت مع الوعي الطبقي للبروليتاريا فقد كانت تشارك بكل الإضرابات والمظاهرات إلى أن لبت الحكومة القيصرية حظر العمل الليلي للنساء والأطفال ودخل حيز التنفيذ عام ١٨٨٥ وكانت الحركة تزداد قوة وتنظيما مما جعل قوة الطبقية تزداد في أوساط البروليتاريا النسائية حتى بداية القرن العشرين حيث تجذرت الماركسية داخل الطبقة العاملة الروسية لكن عدد النساء اصبح يقل لأن النشاط بدأ يتطلب المرأة المثقفة والجامعية وكان أغلب النساء عاملات وفلاحات، حتى قيام ثورة ١٩٠٥ مما جعل المرأة الروسية تستيقظ من سباتها العميق لنصل لثورة أكتوبر ١٩١٧ لتمنح المرأة حق المواطنة وتم تشكيل أول اتحاد نسائي وكان ضمن قياديات تلك المرحلة أنيسة ارماند و والكساندرا كولنتاريا، كان لها ولزميلاتها تأثير كبير في التاريخ السوفيتي.
في روسيا الراهنة لا يطرح موضوع مشاركة المرأة في العمل السياسي لأنه يعتبر تقليدا قديما فالدنا تضج بالنساء من كافة المناطق.
وفي عام ١٩٧٥ عمدت الأمم المتحدة إلى الاحتفال باليوم الدولي للمرأة في الثامن من آذار مارس، وعلينا جعل هذا اليوم فرصة لحشد الدعم لحقوق المرأة ودعم مشاركتها في المجالات السياسية والاقتصادية.
Rojava.net