يسود حالة من التوتر والترقب بين سكان مدينة دياربكر كبرى مدن الاكراد في تركيا وفي أغلب المدن الكوردية وما ستؤول اليه الاوضاع بعد تصاعد حدة المعارك بين قوات الامن التركية ومسلحي حزب العمال الكوردستاني نتج عن ذلك دمار كبير غير مسبوق خلفته بعد أشهر من اندلاعها، لاسيما في مناطق ( جزيرة بوطان -سلوبي –نصيبين – ديريك- كربوران وفارقين ....الخ)
حيث غير حزب العمال الكوردستاني من تكتيكاته واسلوبه العسكري في الكر والفر من خلال مجموعات صغيرة تحتمي في الجبال الوعرة كانت تسمى بحرب العصابات ( الغيريلا) حيث بدأ بالتمركز في المدن والاحياء السكنية لينطلق منها للهجوم على قوات الأمن والجيش التركي في اسلوب جديد معروف بحرب الشوارع، ونتيجة لتلك العمليات العسكرية وتحصن المقاتلين في المدارس والمناطق المؤهولة بالسكان تشهد تلك المناطق حركة نزوح وهجرة جماعية كلما سنحت لهم الظروف وتوقف القتال لفترة محدودة نتيجة حظر التجوال، باتت العيشة صعبة وخطرة في تلك الحارات في ظل انقطاع الكهرباء والمياه وعدم توفر المواد الغذائية نتيجة اغلاق المحلات والدكاكين.
حظر للتجول واغلاق معبر ابراهيم الخليل
يأتي ذلك في الوقت الذي اعلن في تلك المدن قرار الادارة الذاتية وحماية المناطق التي يسيطر عليها الاكراد من هجمات عناصر الجيش والشرطة التركية، اللتين تعانيان من حصار و منع للتجوال فرضه قوات الجيش التركي اثر انتفاضة لاهالي تلك المدن ورفضهم حكم الاتراك واعلان ادارتهم الذاتية الديمقراطية، مع اعلان الدولة قيام الحملة الثانية على مدن جزيرة بوطان وسلوبي، واعطاء الايعاز للمدرسين وموظفي الدولة بمغادرة المدينة واعلان قرار حظر التجول وبدأ حملة عسكرية تعتبر الاعنف باشراك القوات الخاصة التركية التي قدرت عددها بنحو عشرة آلاف عسكري مدعومون بالمدرعات والعربات المصفحة، ونتيجة لتلك الحرب الدائرة هناك بين مسلحي حزب العمال الكوردستاني الذين دخلوا المدينة وحفروا الخنادق ووضعوا المتاريس وتأهبوا لهذه الحملة بمختلف الاسلحة مدعومة بالقناصات وبدأت حرب شوراع في أزقة تلك المدن، وقد ادى ذلك الى اغلاق معبر ابراهيم الخليل الحدود مع اقليم كوردستان العراق وتوسعت دائرة المطالبين بالادارة الذاتية لتشمل مدن وقصبات كوردية أخرى وسط اغلاق للطرق ومظاهرات شعبية ونقابات عمالية وتجارية تطالب الاتراك بالكف عن هجمتها الوحشية على الاكراد وضرورة العودة الى رشدها واعلان وقف اطلاق النار وبدأ مفاوضات السلام مجدداً.
شلل في مركز المدينة القديم بدياربكر
وقد تصاعدت حدة التوتر والعنف في أغلب المناطق الكوردية ولا سيما منطقة (سور) دياربكر( آمد القديمة) والتي ادت الى تضرر العديد من الابنية الاثرية والجوامع الكنائس وأحراق البعض الاخر وسط اتهامات من الطرفين بفعل ذلك كما ادى قرار حظر التجوال السائد منذ قرابة عشرون يوماً في المنطقة الرئيسية في دياربكر ( سور) حيث تعتبر الشريان الرئيسي للحياة في دياربكر وادى ذلك الى اغلاق آلاف المحلات التجارية والمطاعم والفنادق لابوابها وتضرر الحركة التجارية وتكبدها خسائر فادحة.
موقف الحكومة التركية
وفي ظل تلك الاوضاع لعلنت الحكومة التركية أنها ستضرب بيد من حديد لانهاء مظاهر تواجد المسلحين المدججين بالاسلحة في المدن والشوارع وردم خنادقهم، باستخدام أساليب وتكتيكات أمنية جديدة، وصلت بهم الحد الى استخدام الجيش والطيران المروحي بغرض جمع المعلومات وتصوير تلك الاحياء و لقصف بعضها الآخر في خطوة جديدة وغير مسبوقة لدفع الجيش لقيادة عمليات داخل الاحياء السكنية في المدن.
وفي ظل هذه الاوضاع تعهد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بمواصلة القتال بكل الوسائل ومهما كلف الامر حتى "القضاء على آخر إرهابي" حسب ادعائه، في حين تصدر تصريحات نارية من رئيس الوزراء التركي أحمد داوودأوغلو بضرورة مواصلة القتال واعلان النفير العام والحرب الشاملة على المحتمين خلف الخنادق حتى تطهير الاراضي التركية وعودة الامان والاستقرار الى البلاد.
بيان منظومة المجتمع الديمقراطي.
في الوقت ذاته هدد عضو الهيئة القيادية في منظومة المجتمع الكردستاني مراد قريلان قائلاً " أن تركيا تلعب بالنار، إذا استمرت بهذا الشكل، فان الغيريلا ستنضم بفدائية أكثر وستنقطع العلاقات بين الشعب الكوردي والجمهورية التركية بشكل كامل.
واستمر بالحديث قائلاً " إذا كنتم تقومون بضرب شعبنا بالدبابات والقذائف، لن نستطيع أن نعيش معاً مرة أخرى، لقد انقلبوا على الديمقراطية وعلى الشعب الكوردي، حسناً، هذا الشعب كيف يمكن ان يعيش معكم، العلاقة بين الشعبين الكوردي والتركي تنهار جراء هذه الهجمات، على الكل أن ينظر إلى المستقبل بهذا الشكل، من الضروري أن يخطو كل واحد خطواته بشكل سليم، فالشعب الكوردي لن يستسلم للظالمين أبداً، الحياة ترى نفسها من خلال المقاومة، وعلى الكل أن يرى ذلك”.
وناشد قريلان شعوب كوردستان وتركيا “اليوم المنتظر هو هذا اليوم، على الكل أن ينضموا للمقاومة”.
اجتماع طارىء في دياربكر
عقد اجتماع طارىء لمجموعة من الاحزاب الكوردية المقربة من حزب العمال الكوردستاني وعلى رأسهم حزب الشعوب الديمقراطيةHDP برئاسة صلاح الدين دميرتاش، وحزب السلام الديمقراطي DBPبرئاسة كلميران يوكسك، ومنظومة المجتمع الديمقراطي KCDبرئاسة خطيب دجلة.
وقد عقد مؤتمر صحفي في ختام الاجتماع أكد خلالها المجتمعون على الاستمرار في دعم الجهود الرامية الى تطوير الادارة الذاتية وضرورة دعمها والقيام بما يجب في سبيل تطويرها ووقف الهجمات عليها.
وقال صلاح الدين دميرتاش خلال المؤتمر" سيستمر الشعب بالمقاومة حتى النصر، ونعلم بأن شعبنا يعاني من الاضطهاد والحرمان، وهذا العمل لن يدوم طويلاً ولا بد من نهاتية له"
كما اكد دميرتاش انهم عازمون على ايجاد الحلول لهذه الازمة التي تمر بها البلاد وانهم سيقومون بعقد كونفرانس طارىء في 27 من هذا الشهر ومن خلالها سيوضحون رؤتهم اتجاه هذه الاوضاع اكثر وستتبلور أفكارهم اكثر وسيضعون خطة عمل للعام القادم.
كما قال خطيب دجلة في كلمته امام الصحفيين، انهم اي الحكومة التركية تضع حجة الخنادق وتهاجم على المدنيين العزل وتقتل العشرات من الابرياء منذ اندلاع موجة العنف هذه، انهم يريدون النيل من حرية شعبنا، اننا نقول نريد أدارتنا الحرة والجوهرية الخاصة بنا وهذا حق من حقوق كل شعب، اننا نؤكد على دعم المطالب وسندافع عنها.
أسباب فشل عملة السلام بينهم.
وسط تلك الفوضى والدمار والعنف الذي خلفته هذه الحرب التي تدور رحاها في تلك المناطق والتي وصلت الى تصاعد موجات العنف بين الاهالي نرى بأن الحكومة التركية عاجزة عن ايجاد حلول لهذة المشكلة التي عمرها عقود من الزمن كلفت الدولة التركية مليارات الدولارات ودمار في البنية التحتية وهجرة سكان خمسة آلاف قرية كوردية وسقوط عشرات الآلاف من القتلى من الجانبين، بعد فشل عملية السلام بين الجانبين تلك العملية التي بدأت قبل عامين ونصف بعد إعلان زعيم حزب العمال الكوردستاني عبدالله اوجلان القابع في سجنه بجزيرة امرالي لاكثر من ستة عشر عاماً بدء عملية السلام مع تركيا وعلى اثره استجاب قيادة الحزب المتواجد على قمم جبال قنديل لتلك المبادرة وكبادرة حسن نية وجدية من قبلها قررت انسحاب وحدات من قوات الحزب من شمال كوردستان ( تركيا) الى أقليم كوردستان العراق الذي أعلن مسؤولي الاقليم استعدادهم للمساهمة في حل تلك المشكلة بكافة السبل ودعم تلك العملية التي لن يجدي الحرب والعنف نفعاً للطرفين وعلى مدى العامين المنصرمين من بدء تلك العملية التي سميت (عملية السلام) لم تبدوا في الافق اي نوايا حسنة من الجانب التركي وبقيت متمسكة بمقولة القاء السلاح، ولم تدم اجواء الهدوء والتفائل طويلاً وبقيت لغة تبادل التهم هي السائدة واتهام البعض بإحلال القرارات وعدم الجدية في حين كان الطرف التركي يعيش اجواء عسكرية ويقوم بالتحضير للهجمات وبناء المخافر والتمشيطات المحدودة واستمرار الاعتقالات بالاضافة الى ان الجانب التركي ايضاً كان يتحجج بوجود قوات الحماية الشعبية المعروفة بـ(HPG) داخل الاراضي شمال كوردستان وعدم انسحابهم ويطالبهم بإلقاء السلاح ومن ثم جاءت العملية التفجيرية في مدينة سروج في شهر تموز الماضي والتي ادت الى سقوط 32 شخصًا وأسفر عن مئات الجرحى، تلك العملية الارهابية فتحت فصلًا جديدًا ضمن عملية السلام التي كانت ترعاها تركيا، وقد حمل حزب العمال الكوردستاني وزر ذلك التفجير على الحكومة التركية، وما كانت لحادثة مقتل الشرطيين التركيين في منطقة جيلان بنار (رأس العين) بعد ذلك وهروب قاتلهم الى سوريا حسب مزاعم الاتراك الا ذريعة لبدء الهجوم على العمال الكوردستاني وكسر الهدنة وفشل عملية السلام وسط انكار الكوردستاني وعدم علمه بتلك العملية، وهذا الإجراء أفسح المجال بالمقابل أمام تركيا لقصف مواقع حزب العمال الكوردستاني داخل كوردستان العراق، ولا زالت العمليات مستمرة وبوتيرة أعلى.
وقد أثارت هذه الاوضاع المعاشة والتوتر الغير مسبوق منذ مدة الى اثارة نقاش كبير في الاوساط السياسية المعارضة والمنظمات المدنية والصحفيين والمحللين السسياسيين داخل تركيا عن طريق وسائل الاعلام حول ما اذا كانت هذه الخطوات العسكرية ستعيد تركيا الى سنوات التسعينيات من القرن الماضي، أو لعل الهدف منها إعلان الحرب على الشعب الكوردي لكسر جماحة والحد من مطاليبه بعد توسع دوامة العنف بشكل كبير وأهلته للخروج عن نطاق السيطرة.
التآخي-22-12-2015