Share |

تركيا والسعودية واحتمالات التدخل العسكري في سوريا... هوزان أمين - تركيا

بدأت الازمة السورية تأخذ منحى آخر لا سيما بعد تصدر اخبار احتمال تدخل عسكري تركي سعودي بري وجوي في سوريا وقدوم ثمانية مقاتلات جوية سعودية الى قاعدة انجلغ الجوية في اضنة القريبة من الحدود السورية الشمالية بحجة محاربة داعش هذه الانباء اكده وأعلن عنه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، حيث قال في تصريح له أن أنقرة والرياض قد تطلقان عملية برية في سوريا، بحجة تكثيف الحملة الجوية ضد تنظيم داعش الارهابي.

تأتي هذه التطورات بعد التقدم الذي احرزه قوات الجيش السوري التابع للنظام في دمشق في ريف حلب الشمالي بمساندة جوية روسية وحزب الله وقوات عشائرية محلية معروفة باللجان الشعبية وسيطرتهم على مدن نبل والزهراء، وفك الحصار عن تلك المدينتين بعد صمود أهلها لاكثر من ثلاثة اعوام تحت الحصار والقصف وشكلوا لجانا شعبية للدفاع عن البلدتين ولم يستطع القوى التكفيرية من "الدولة الإسلامية" و"جبهة النصرة" من دخولهما على الرغم من القصف شبه اليومي وقد استعاد الجيش سيطرتهعلى قسم من الحدود مع تركيا في الوقت الذي تؤكده السلطات السورية أن فرض سيطرة الدولة على الحدود الخارجية يعد من المهمات الأولوية لها، في سبيل قطع الامداد عن تلك القوى الارهابية وتأمين الحدود مع تركيا ومنع تدفق المسلحين والسلاح من الدول المجاورة على تلك القوى.

هذه الخطوة والتقدم الذي احزرته القوات العسكرية السورية بتعاون حزب الله وايران وبمساندة جوية روسية منذ ستة أشهر حيث قلبت موازين القوى وبدأ الجيش السوري بإعادة سيطرته على قطاعات واسعة من الاراضي ولا سيما بعد ان احكم الجيش سيطرته على ریف درعا الشمالي، ومناطق استراتيجية مهمة على الحدود التركية شمال اللاذقية واستعادة الجیش السوري لتلك الاراضي التي خسرتها اثناء معاركها مع فصائل اسلامية مسلحة تابعة للمعارضة السورية.

نتيجة لتلك التطورات التي شهدتها ميادين القتال بدأت تركيا بإبداء خشيتها وابراز قلقها من هذه التطورات التي ربما تؤدي الى هزيمة القوى التكفيرية والمعارضة في سوريا بعد الهزيمة التي مني بها داعش، لا سيما بعد ان تشكل فصيل عسكري جديد مؤلف من قوى معارضة سورية متحالفة مع وحدات حماية الشعب والمرأة الكوردية عرفت بإسم قوات سوريا الديمقراطية وتقدمهم في اغلب الجبهات في محافظة الحسكة ووصول طلائع تلك القوى على نهر الفرات غرباً والسيطرة على سد تشرين الاستراتيجي الذي كان يعتبر سلة الوصل بين مناطق سيطرة داعش ولا سيما عاصمتهم الافتراضية الرقة بمناطق سيطرتهم في جرابلس واعزاز، وتعتبر الولايات المتحدة الامريكية هذه القوة العسكرية الجديدة والتي تلاقي الدعم منها و التي اثبتت فعاليتها على الارض بمساندة قوى الجو التابع للتحالف الدولي بقيادة امريكا نقطة ارتكاز مهمة في الحرب على داعش.

تركيا التي تخشى من التمدد الذي يحرزه تلك القوى وتوسع دائرة سيطرة ذلك التحالف الجديد واتساع رقعة الاراضي التي تسيطر عليها، وهددت في العديد من المرات لو وطئت ارجل تلك القوة مناطق غرب نهر الفرات فانها ستتعرض للضرب والقصف من قبل تركيا معلنتاً الحرب على القوة التي تقاتل داعش وتعلن بشكل غير مباشر مسانتدتها لداعش وأعوانه بالرغم من انكارهم ذلك إلا ان تلك التصريحات من المسؤولين الاتراك لاقى استحسان داعش وشكرهم لتركيا في مساعدتهم وفتح الحدود لهم، واضيفت هذه التصريحات كدلائل اخرى جديدة على دعم تركيا لتلك القوى و الجماعات المسلحة.

بناء على تلك الاحداث والمجريات فقد تقوم تركيا بالمجازفة واجتياح الاراضي السورية لضرب قوات الحماية الكوردية التي تعتبرها وفق منظورها قوة ارهابية مسلحة وهي رديفة لحزب العمال الكوردستاني العدو التقليدي واللدود لتركيا التي تحاربها قرابة ثلاثين عاماً والتي قامت بإعلان الحرب مجدداً بعد فشل مفاوضات السلام بينهم وبين الحكومة التركية واستولت على العديد من المدن واعلنت الادارة الذاتية وتخوض تركيا اليوم حرباً شرسة ضدهم لفرض سيطرتها بالقوة وفرض الحكام العرفية وحالة الطوارئ ومنع التجول في العديد من المدن الكوردية.

هذا الوضع الكوردي داخل تركيا يعكسه واقع كوردي متشكل حديثاً في غرب كوردستان (سوريا) لا يروق لتركيا كثيراً بمختلف الوسائل والبراهين تحاول ربطه بما يجري داخل حدودها وتريد ضربها بكل الوسائل لا سيما بعد النجاحات التي حققتها قوات سوريا الديمقراطية بقيادة وحدات الحماية الكوردية، تركيا التي تتحجج باتهام هذه القوة بتنسيقها مع النظام السوري واعتبارها قوة تخدم النظام السوري في دمشق وتحمي مصالحه، طلبت من أمريكا ادراج حزب الاتحاد الديمقراطي في لائحة الارهاب ووقف دعمها عسكرياً، وانزعجت تركيا كثيراً بعد زيارة بريت ماغورك الموفد الرسمي للرئيس اوباما الى كوباني للتنسيق على الخطط القادمة، و قد أبدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان آنذاك استيائه من تلك الزيارة وقال حرفياً: لتحدد أمريكا التي نحن شركائها عليها ان تختار بيننا اما نحن او حزب الاتحاد الديمقراطي فهل تستطيع أمريكا أن تحدد ذلك؟ أعلنت الولايات المتحدة رسميًّا على لسان جون كيربي المتحدث باسم الخارجية الأمريكية أنها لا تعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي الكوردي في سوريا منظمةً إرهابية؟! وهذا ما زاد من استياء تركيا.

تأتي هذه التطورات في الوقت الذي لا يبدوا في الافق اي تقدم يحرزه القوى المعارضة في سوريا والتي تتخذ من الرياض وانقرة مقرات لهم وخرجت خالية الوفاض في المفاوضات التي كانت من المزمع ان تبدأ في جنيف اواخر الشهر الفائت والتي فشلت قبل ان تبدأ والتي اعتبرته تركيا انتصاراً لدبلوماسيتها وحنكتها السياسية بعد ابعاد حزب الاتحاد الديمقراطي وزعيمه صالح مسلم من تلك المفاوضات، في الوقت الذي كان يلاقي دعماً روسياً بالانضمام الى المفاوضات وقامت اثر ذلك بافتتاح ممثلية للإدارة الذاتية الديمقراطية في موسكو، بعد اسقاط المقاتلة الروسية من قبل تركيا وتخريب العلاقات بين البلدين .

وبناء عليه ونتيجة التقدم الذي احرزه قوات حماية الشعب في جبهة حلب الشمالية فقد اقدمت المدفعية التركية على ضرب مناطق في الريف الشمالي لمدينة حلب بعد التقدم الذي احرزته قوات الحماية الكوردية في تلك المناطق المحيطة بمنطقة اعزاز وعفرين بريفي حلب الشمالي، والتي حررها جيش الثوار المنضوي تحت سقف قوات سوريا الديمقراطية قبل أيام من مرتزقة أحرار الشام وجبهة النصرة، خاصة بعد فرض سيطرتها على مطار منغ العسكري ويأتي ذلك بعد إعلان رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو ان بلاده ستتحرك عسكريا عند الضرورة ضد وحدات حماية الشعب الكوردية، والذي تصنفه أنقرة «إرهابيا» وجناحاً عسكرياً لحزب الاتحاد الديمقراطي في حال عدم انسحابهم من هناك.

في الوقت الذي ابدى امريكا قلقها من تلك الاوضاع المستجدة و دعت تركيا إلى التوقف عن القصف، جاء رد حاسماً من صالح مسلم الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي لوكالة رويترز للانباء وقال انهم يرفضون الانسحاب من تلك المواقع القريبة من الحدود والتي تتعرض لقصف من الجيش التركي واكدوا انهم سيتصدون لأي تدخل تركي في البلاد مؤكدا انه ليس من حق تركيا التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا .

على الرغم من هذه التحولات الأخيرة في ميدان القتال وتغير في موازين القوى وتقدم الجيش السوري ورفع معنوياته وتحوله من الحالة الدفاعية الى الهجومية و تحقيق مكاسب استراتيجية على حساب المعارضة بفضل روسيا وايران وحزب الله، يبقى الخاسر الاكبر في هذه الحرب تركيا وحلفائها من قوى المعارضة السورية المنضوية في الائتلاف السوري ولغسل ماء الوجه ربما يستقدمون جيوشهم على تخوم سوريا للحد من تقدم قوى المعارضة الحقيقية والتي تمثل مختلف الاطياف السورية والمنضوية تحت إسم قوات سوريا الديمقراطية.

بعد قراءة لتلك الاحداث والمجريات ونتيجة لذلك ربما تصبح أرض سوريا حلبة للمنازلات وتصفية الحسابات بين الدول ولا سيما بين تركيا وروسيا بعد تأزم علاقاتها، وكذلك مكاناً للتنافس السعودي الإيراني حيث يشهد علاقاتهم توتراً حقيقياً، وحتى بين امريكا والروس في محاولة لروسيا من اعادة مكانتها وفرض قوتها وابرازها امام الامريكان بعد ان كان قد فقدها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، كل ذلك سيدفع ضريبته الشعب السوري الذي بقي اسير هذه التحالفات والخلافات وجعلت من ثورتهم على النظام المستبد في دمشق عرضة لهذه التجازبات السياسية وفريسة لهذه الدول التي سرقة الثورة واهدتها الى مرتزقة لاتزرع في الارض سوى فسادً.

 

التآخي