Share |

جعفر حسن: سأحيي تراثي الغنائي الضائع نتيجة اعتقالي وهجرتي

رحل لأنه رفض الغناء للنظام وعاتب على الإعلام الذي لم يسأل
جعفر حسن:

عبدالجبار العتابيإلاف - أكد المطرب العراقي جعفر حسن أنه يعمل حالياً على إعادة تراثه الغنائي الذي ضاع بسبب الظروف الصعبة التي واجهها ومنها اعتقاله إبان السبعينيات، ومن ثم خروجه من العراق لنحو 30 عاماً.

بغداد: يفخر الفنان جعفر حسن بأنه قدم ألحانًا لعشرات المطربين اليمنيين والمصريين، وأنه غنى لحناً لرياض السنباطي كان قد لحنه لأم كلثوم، لكنه عاتب على الاعلام العراقي الذي لم يسأل عنه على الرغم من المسيرة الفنية الطويلة والمميزة له، والتي عانى فيها ما عانى من عذابات متلاحقة والمنع والغربة.

ويعد المطرب جعفر حسن 69 عاماً من رواد الاغنية السياسية حيث اشتهرت اغانيه في ذلك الوقت ورددها الناس، وهو ملحن وموزع موسيقي وعازف، شارك في مهرجانات عالمية كثيرة ونال جوائز عديدة.

 

ما هو جديدك؟

الألبوم رقم 20 الذي أسميته (حبيناك) ويضمّ مجموعة من الاغاني، 3 منها قديمة وقد جددت توزيعها الموسيقي مثل (قبليني للمرة الاخيرة) و(مساهرين) كلمات جمعة الحلفي من مسرحية قدمناها سابقًا عام 1975، وكذلك اغنية ( يا بو علي ) وهي من اهم الاغاني الانسانية كلمات كاظم السعدي، كما اعدت (لا تسألني عن عنواني)، وسجلت اغنية جديدة عن البصرة بمرافقة الخشابة عنوانها (البصرة(.

هذه الأغنية من التراث الحضرمي القديم حينما كنت أعيش في مدينة عدن باليمن، حيث بقيت هناك لمدة 20 عاماً، وهذا التراث عمره اكثر من 200 سنة يغنون هذه الاغاني عن البصرة لأن لديهم تجارة البصرة ، من ميناء المكلا وميناء الشحر في حضرموت، هذه الاغنية من مدينة الشحر، وقد فاجأني الصيادون هناك أنهم يغنون بلهجتهم عن البصرة فنزلت دموعي ، كان ذلك عام 1980 ، يغنون بشكل جميل لكنني لم احفظ منهم سوى هذا المذهب، وفي ما بعد كتب الشاعر الصديق ستار الساعدي مقاطع ولحنتها وسوف اقدم الاغنية هدية لمدينة البصرة.

وايضا من ضمن الاغاني قصيدة للجواهري (سلم على الجبل الاشم)، واغنية (حبيناك) للشاعر كريم الجسار، و(عمال نطلع الصبح وقت الفجر)، اي أن المجموعة تتألف من عشر اغنيات ما زلت اشتغل على اثنتين.

 

وهل في اعادة التوزيع فائدة؟

طبعاً، والان انا اعمل على اعادة تراثي لأنه ضاع كله بعد الظروف التي واجهتها واعتقالي وخروجي من العراق في السبعينيات، وقد اعطوا ايعازاً بمسح كل اعمالي الغنائية في الاذاعة والتلفزيون، مسحوه كله، وحينما رجعت الى العراق الآن بعد 30 سنة لم يكن هناك ارشيف لي، فصرت أجمع من افواه الناس والاشرطة من هنا وهناك، ومن ضمن الاشياء التي اعيدها (مساهرين) و (قبليني)، لقد قررت في كل البوم جديد أن اعيد اغنيتين أو ثلاثاً.

 

لم تشتهر كمطرب أغانٍ عاطفية لماذا ؟

انا اشتغل على اغانٍ وطنية وسياسية وانسانية، انا عشت الحياة طولاً وعرضاً واعتبر نفسي خريج مدرسة الحياة، لأن الشهادة لا تخلق فنانًا، لا الشهادات العليا ولا الجامعات قادرة أن تخلق مبدعاً، بل الحياة والمجتمع هما من يجعلان الفنان يبدع، أنا عشت الحياة مع الناس وعشت همومهم.

 

لماذا شهرتك كانت متذبذبة ؟

منذ عام 1973 منعت من دخول الاذاعة والتلفزيون، فقد كنت سياسياً معارضاً لا أغني للنظام فقط لأنني غير مقتنع بذلك، وكل انسان له حريته وقناعاته، وفي وقتها كنت مشرفاً في النشاط الفني بوزارة التربية، وكنت في الفرقة القومية للفنون الشعبية، فأنا من الاعضاء المؤسسين للفرقة القومية العراقية، منذ فرقة الرشيد للفنون الشعبية عام 1964، ولكنني فصلت من الفرقة وفصلت من التربية، ومنعت من الدخول للاذاعة والتلفزيون، حوربت في رزقي واشتغلت عاملاً في مطبعة، ومونتيراً من اجل أن تعيش عائلتي، واعتقلت مرتين وتأذيت كثيرًا، كل هذا لأنني رفضت أن اغني للنظام فقط فتركت العراق.

 

اين كانت وجهتك ؟

ذهبت الى عدن مشياً على الاقدام لأن المضطر يركب الصعاب، حينها كنت معتقلاً وخرجت، وكان لابد أن ارحل من البلاد، وهناك في عدن استقبلوني استقبال الابطال، فأغنياتي كانت معروفة لديهم ومنتشرة هناك، واحتضنوني لمدة 20 سنة، وبعدها غادرت الى الامارات.

 

وماذا قدمت لليمنيين طوال هذه المدة؟

اسست فرقًا موسيقية وبنيت اول استوديو في عدن وعملت استاذاً وعميداً في معهد الفنون الجميلة، وأسست فرقاً للشبيبة وشاركت في مهرجانات عالمية وحصلت على عدة جوائز، وانتجت عشرات الاغاني في عدن، وما زالت اغنياتي تعرض في تلفزيون اليمن وعدن، ولحنت لفنانين يمنيين كثيرين واكتشفت اصواتًا كثيرة وغنيت من التراث اليمني، وجددت بعض الاغاني التراثية اليمنية ومزجت ما بينها وبين التراث العراقي، وبخاصة التراث العدني والحضرمي لأنه قريب في الايقاعات والاوزان والشعر والموسيقى، ثم بعد 20 سنة سافرت الى الامارات وكنت مستشار المجمع الثقافي في ابو ظبي.

 

لماذا تركت عدن بعد 20 سنة ؟

ساءت الاوضاع بعد عام 1994 بسبب الحرب وما عادت الحياة مثلما كانت، عدن كانت جنة وحياة وثقافة وفيها فرق موسيقية وغنائية وحضارة، وهذا المجمع الثقافي يعتبر اكبر مؤسسة ثقافية عملاقة في دولة الامارات، كنت مستشاراً فنياً للمجمع وبقيت فيه 10 سنوات، وبعد سقوط النظام في بغداد 2003 رجعت الى العراق.

 

اغانيك في عدن هل كانت تصل الى العراق؟

نعم كات تصل عبر تهريبها الى كل مكان، وفعلاً وجدت بعد أن عدت بعض الكاسيتات عند بعض الاصدقاء، علمًا بأنني لم اغنِّ لرئيس في حياتي، ولم اغنِّ بإسم حزب، انا غنيت للشعب وللوطن وللمرأة والطلبة والفلاحين، أغني اغنيات تضامنية مع شعوب العالم من أفريقيا الى اميركا اللاتينية الى فلسطين التي انا اول من لحن للمقاومة الفلسطينية في الستينيات، وقد بدأت مع محمود درويش وتوفيق زياد وسميح القاسم، لحنت عشرات الاغاني للمقاومة الفلسطينية من ضمنها اغنية (ما دامت لي من الارض اشبار) و(شدوا وثاقي)، وأسست في لبنان فرقة عام 1974 والآن هم من كبار الفنانين، كما قدمت حفلات في اوروبا وشاركت في مهرجانات عالمية.

 

ما حكاية اغنية (يا حبي يا بغداد) التي اشتهرت بعد سقوط النظام 2003 ؟

قدمت هذه الاغنية قبل أن ادخل الى بغداد، قلت اريد أن يدخل صوتي قبل ذهابي، فكانت (يا حبي يا بغداد)، ارسلتها الى شبكة الاعلام العراقي في اول تأسيسها وعرضت، ومن ثم غنيت (يا دجلة الخير) للجواهري التي كانت اقوى من الاولى ولكن العتب على الاعلام العراقي فلم اتوقع أن يكون موقفهم بهذا الشكل، باستثناء البعض مثل العراقية والفيحاء والحرية فقط.

 

هل تعتقد أن هناك سرًّا معينًا وراء هذا الجفاء ؟

لا اعتقد أن هناك سرًّا وراء هذا بقدر ما هي العلاقات، هناك شيء تعلمناه في اوروبا وفي العالم أن الاعلام هو الذي يبحث عن المبدعين، ولكن عندنا المعادلة بالعكس، على الفنان أن يذهب ويدق الابواب ويتوسل، وأنا لم أقم يوماً، ولو قمت بها لما كنت قد تركت العراق اساساً، فأنا اعتبر أن كرامة الفنان فوق كل شيء وإن خسرها سيخسر كل شيء.

المفروض بالاعلام أن يحترم الفنانين الوطنيين والفنانين الذين اضطهدوا في زمن النظام السابق، والفنانين الذين حملوا العراق في قلوبهم، انا ذهبت الى كل المهرجانات العالمية كنت أغني اغانٍ عراقية واحكي عن الشعب العراقي وتراثه، السر هو العلاقات، انا لست متكبرًا بل انسان بسيط، ولكن اعتقد أن القضية لها علاقة بالاحتراف الفني، انا لاحظت مع كثرة القنوات التلفزيونية لا توجد قضية احترافية، فأنا غنيت قصيدة (اشواق) من الحان رياض السنباطي، ولكن لم تأخذها أي قناة لتعرضها، وانا غنيتها في مصر وعلى المسرح، وهذه الاغنية لحنها السنباطي لام كلثوم لكنها ماتت ولم تغنِّها فغنيتها انا وغنّتها ميادة الحناوي فقط، فالذي يغني بهذا المستوى الا يستحق أن يسأل عنه الاعلام؟ وكذلك غنيت لسيد مكاوي ولحنت لمطربين مصريين منهم محمد منير، ولديّ ألحان في اليمن لا يعتقد أحد أن عراقياً اشتغلها.

 

هل غنيت من الحان آخرين ؟

نعم، في بداية حياتي لحن لي الاستاذ جميل سليم الموسيقار الكبير الذي نسيه الاعلام، فأنا بدأت مع اغنية (كلما اتمعن برسمك انسى روحي وانسى اسمك) في الستينيات، وهي من كلمات الاستاذ محمد القبانجي مطرب العراق الاول وألحان جميل سليم، بعد أن غنيت في مسرحية (انا وانطونيو) وكانت بطلتها الفنانة فوزية الشندي وهي من الحان الموسيقار محمد عبد الوهاب، وقعت عقداً مع الاستاذ جميل بشير لتقديم عشر أغانٍ لإذاعة الكويت سنة 1964، كما غنيت من الحان عباس جميل، وعبد الحليم السيد، وانور الشيخلي، والاستاذ جميل بشير عازف العود الشهير الذي لحن لي اغنية في الاستديو الخاص به لصالح اذاعة الكويت وهي من كلمات سيف الدين ولائي، في اذاعة الكويت لديّ اكثر من 40 اغنية في الستينيات، اساساً انا بدأت حياتي الفنية في اذاعة الكويت حين كنت في الستينيات ممنوعاً من أن اغني في اذاعة بغداد.

 

لماذا ؟

كنت وقتها عضواً في فرقة انشاد وعازفًا وملحنًا، ولكن كمطرب لا يدعوني أغني، واذاعة الكويت اول اذاعة فتحت بابها لي، وأول عقد كان معها، سجلت عشر اغانٍ في استديو بشيرفون الذي يمتلكه الاستاذ جميل بشير الذي فتح الابواب امام كل الفنانين العراقيين لدول الخليج، فكنا جميعاً نسجل هنا فضلاً عن أن جميل بشير هو استاذي في المعهد وعلمني الاخراج الموسيقي والمونتاج وقت كنا نقطع الشريط بالمقص، وكنت اعمل عنده في الاستديو عازفاً وملحناً ومغنياً واحياناً كورال.

 

متى بدأت تلحن لنفسك ؟

منذ بداياتي، اول لحن في حياتي كان عام 1959، وأنا بدأت على المسرح عام 1958 بعد ثورة 14 تموز، انا من مواليد 1944، وللعلم انا اعزف على آلة الناي منذ كان عمري خمس سنوات.

 

هل لديك في العائلة من له اهتمام بالفن ؟

اجدادي يحبون الفن ووالدتي رحمها الله شجعتني كثيراً وهي تحب الفن، عزفت الناي التي هي آلتي الاولى ولا اعرف لماذا اخترتها، وفي مدارس مدينة (خانقين) كانوا يأخذونني لأعزف الناي الذي تعلمته فطرياً كما تعلمت العود فطرياً وصرت استاذًا بالعود، بينما درست في المعهد (فيولان وكمان) لذلك قلت لك الشهادة لا تخلق مبدعاً، الشهادة علمتني أن أقرأ النوتة الموسيقية فقط، لكنها لا تعطيك صوتًا ولا ابداعاً، وانا اتألم وأترحم على من يختبىء وراء الشهادة من الفنانين، انا اعتبرها عيباً كبيراً اذا ما قالوا لي الدكتور الفنان فلان.

 

حين عدت الى بغداد هل شعرت انك خلال السنوات العشر الماضية اخذت مكانتك الطبيعية ؟

لا وزيارتي الاولى الى بغداد بعد 30 سنة كانت تلبية لدعوة وزارة الثفافة لحضور افتتاح فعاليات مهرجان بغداد عاصمة للثقافة العربية، التقيت الكثير من الفنانين من مختلف الاجيال وتحاكينا، انا لا احمل ضغينة لأحد وأحب الكل.

 

كيف ترى واقع الاغنية العراقية ؟

لا اريد أن اخوض في هذا المجال، ولكن حركة الحياة الاقتصادية والاجتماعية تؤثر على الحياة الفنية طبعاً، هذا هو الواقع الموجود ولكل زمان فنه الذي هو مرآة تعكس واقع المجتمع، وما نسمعه يعكس الواقع الموجود.

 

الوعي الفني والموسيقي عند الناس متردٍ قليلاً، ولكن آمل من الفنانين الجيدين ان ينقضوا هذه الحالة، فنحن بحاجة الى اغانٍ عراقية حقيقية ، ولسنا بحاجة الى أن نسمع اغنية جملها الموسيقية ليست عراقية فهناك اغانٍ كثيرة كلامها غير جميل ويهين المرأة والحبيبة، انا اسمع اغاني مقرفة ما عدا القليل جدًا، ولكن نقول إن الدنيا ما زالت بخير.