قال أحد الشعراء قديماً:
لكلّ داءٍ دواءٌ يُستطَبُّ بــهِ إلا الحماقةَ، أَعْيَتْ مَن يُدوايها
ولعل أوجز تعريف للحماقة، هو أنها انجراف مع الحماس العاطفي، وقصور في الرؤية، واندفاعات غير محسوبة النتائج، وجري وراء الأوهام التي تبدو وكأنها حقائق، وعدم الاحتكام إلى العقل في تمييز النافع من الضار.
أما الخيانة فلا حاجة إلى تعريفها، ومن الغرائب أن أمتنا كانت – طوال تاريخها- ضحية هذين البلاءين (الحماقة والخيانة)، وبطبيعة الحال لا تخلو أمّة من الحماقات والخيانات، لكن قصة أمّتنا مع هذين البلاءين تتجاوز الحد المعقول، إلى درجة أنهما كانا من أخطر أسباب بقاء وطننا في قبضة المحتلين إلى يومنا هذا.
والزعيم الميدي هارپاگ أشهر من فتح سجلّ الخيانة في تاريخنا، وأدّت خيانته إلى سقوط مملكة ميديا في قبضة الفرس سنة (550 ق.م). ومنذ ذلك الحين يدوّن بعض الكرد أسماءهم في سجلّ الخيانة، وما من ثورة كردية ضد المحتلين إلا وكان للخيانة نصيب كبير في القضاء عليها، وها نحن نرى الآن كيف يقاتل الخونة (الجاش) الكرد إلى جانب الطورانيين المحتلين ضد الثوار الكرد في الشمال.
ولم تكن الحماقة (اللاتعقل) أقل شؤماً على أمتنا من الخيانة، وصحيح أن الأحمق شخص مخلص لشعبه، فخور بانتمائه، ولا تنقصه الشجاعة، لكنه بتهوّرُه يجرّ على أمته كوارث لا تقلّ عما تسبّبها الخيانة. وخشيةً من أن نقع في مصيدة (الحماقة)، ونندم حينما لا ينفع الندم، تعالوا نراجع أنفسنا، ونتساءل معاً:
هل من التعقّل أن نتمسّك الآن بمصالحنا الحزبية والسروكاتية، إلى درجة أننا نعجز عن الاتفاق على تأسيس قيادة كردستانية موحَّدة، وتأسيس (مرجعية عليا) لشعبنا، تقوم بصياغة مشروع موحَّد، وتقود شعبنا إلى شاطئ الحرية؟
وهل من التعقّل أن نشمّر الآن عن سواعدنا، وننقّب عن أخطاء ساستنا، ونشنّ عليهم الهجمات الهوجاء الظالمة، ونتجاهل كفاحهم وتضحياتهم؟ أليس من الواجب أن نقدّر لهم جهودهم تلك، ونقدّم النصح لهم بدلاً من الإساءة إليهم، ونساعدهم على حلّ المعضلات التي تمرّ بها الآن أمتنا؟
هل من التعقّل أن نتحمّس للتصلّب الحزبي أكثر من اللازم، فندمغ كل شيء في غربي كردستان بدمغة حزب واحد وسروك واحد؟ ألا تقتضي الحكمة والحقوق القومية أن نأخذ جماهير الأحزاب الأخرى بالاعتبار؟ ألا يساهم هذا التصلب في أن نخسر بعض شبابنا، وندفعهم إلى الالتحاق بالظلاميين الطورانيين والمستعربين؟
وهل من التعقّل أن نُطلق أوصاف (مخرّبين، مجرمين، إرهابيين) على بطلاتنا وأبطالنا المدافعين عن وطننا في الشمال؟ أما كان بوسعهم أن ينعموا بملذات الحياة مثل كثيرين منا، ولا يعيشوا في أقسى الظروف وفي مواجهة دائمة مع الموت؟ أهكذا نكرّمهم؟ حسناً، إذا وصفناهم نحن هكذا فبماذا نختلف عن الطوارنيين المحتلين؟
وهل من التعقّل أن نهاجم أحد ساستنا وهو أسير في قبضة الطورانيين؟ في سبيل ماذا وقع الرجل في الأسر؟ أما كان بإمكانه أن يصبح وزيراً عند الطورانيين، وينعم بالرفاهية؟ أليس من الواجب القومي أن نتعاطف معه بدل الانتقام منه إلى درجة الشتيمة؟ أليس من الشهامة أن نساعده على التحرر من الأسر، ثم نواجهه بأخطائه؟
وهل من التعقّل أن نفكر بذهنية (لا يجوز لكرد العراق وتركيا التدخل في شؤون كرد سوريا)؟ وبذهنية (على كرد كل جزء أن يحلّوا مشاكلهم بأنفسهم)، إذاً أين الوعي الكردستاني الحقيقي؟ وأين الشعور القومي الأصيل؟ ألا يعني هذا أننا نجزّئ كردستان أرضاً وشعباً، ونرسّخ مشاريع الاحتلال في أذهاننا وأذهان أجيالنا؟
وهل من التعقّل أن نقدّم الانتماء السوري أو التركي أو العراقي أو الإيراني الاستعماري على الانتماء الكردستاني، ونقيّم الأمور على أساس أوطان الدول التي تحتل أرضنا وليس على أساس (الوطنية الكردستانية)؟ ألا يعني ذلك أننا نشطب على (كردستان)، ونقرّ بأبدية تقسيم المحتلين لوطننا؟
وهل من التعقّل أن نشكّل الآن كتائب، ونطلق عليها أسماء بعض عظمائنا (صلاح الدين، يوسف العظمة، البارزاني)، ونهاجم وطننا وشعبنا إلى جانب الطورانيين والمستعربين المحتلين؟ أليس من المصلحة القومية أن نضع خصوماتنا الآن جانباً، ونقف صفاً واحداً ضد كل غازٍ ظلامي ومحتل غادر؟
وهل من التعقل أن نصرف الوقت والجهد الآن في تلميع تراث المحتلين تحت عباءة (المقدس)، ونُجهد أنفسنا في الترويج لثقافاتهم الغزوية، وتصوير بشاعاتهم على أنها أمجاد؟ أليس تراثنا وثقافتنا وهمومنا المعاصرة أولى بالقداسة وأجدر بأن ننفق فيها الوقت والجهد؟ أليس الواجب أن نصرف طاقاتنا في الكشف عن جرائم الفاشيين الترك والفرس والمستعربين، وتبصير شعبنا بمخطّطاتهم البشعة؟
تُرى في أية خانة سيصنّف أحفادنا هذه الذهنيات والمواقف والممارسات؟
أكثر ما أخشاه هو أن يصنّفوها في خانة (الحماقة)؟
ومهما يكن، فلا بدّ من تحرير كردستان!
( Feqî Kurdan (E. Xelîl
24 – 11 – 2012