حاوره : هوزان أمين \ دهوك
الكاتب والباحث الكوردي علي صالح ميراني من مواليد منطقة ديريك في كوردستان سوريا عام 1975 ، حاصل على شهادة البكلوريوس في التاريخ من كلية الآداب جامعة دمشق عام 2000 ، قدم الى كوردستان العراق عام 2001 حصل على شهادة الماجستير في التاريخ الحديث من جامعة دهوك سنة 2003 وكانت اطروته تحت عنوان " الحركة القومية الكوردية في كوردستان سوريا ، بين اعوام 1946 - 1970 " ويعمل حالياً استاذاً جامعياً في زاخو ، و طالب دكتوراه في جامعة دهوك قسم التاريخ.
قام يتأليف العديد من الكتب لصالح مركز الدراسات الاستراتيجية في جامعة دهوك ، ويعتز بتشجيع الدكتور عبدالفتاح بوطاني له بعد اشرافه على اطروحته ،ويقول " للدكتور الفضل علي لانه حثني على البحث والتأليف عن وضع الاكراد في كوردستان سوريا وكان يقول ان كوردستان سوريا زاوية مظلمة ، يجب على ابنائها ان يقوموا بانارتها وتعريفها بالعالم وابراز اهم المحطات المفصلية في تاريخ الشعب الكوردي هناك "
الف اكثر من عشرة كتب واغلبها طبعت ونشرت في جامعة دهوك ، تتناول مضامينها القضية الكوردية من جوانب عدة منها الجانب السياسي والصحفي وحتى قضايا الاحصاء والتعريب التي جرى تطبيقها على اكراد سوريا التقينا به وطرحنا عليه عدة أسئلة تتعلق بالواقع الكوردي السوري اليوم والامس .
س1- كتبت عن الشأن الكوردي السوري والفت العديد من الكتب ، ما سبب وضعهم المزري يا ترى هل هي لظروفهم الجيوسياسية ، وذلك كان السبب في تعرضهم للغبن كوردياً وحتى اقليمياً حبذا لو تتحدث لنا عن هذه المسألة حسب وجهة نظرك ؟
- هذا سؤال مهم جداً ، يجب ان نعود الى الوراء حين وقعت كوردستان سوريا ضمن الحدود السورية ، حيث عقدت اتفاقية انقرة 1921 التي ابرمتها سلطات الانتداب الفرنسي مع كمال يوسف وزير خارجية تركيا آنذاك ، وبموجبها اصبح الكورد في سوريا جزء من سوريا ، فالكورد في سوريا وجدوا انفسهم فجئتاً في بلد جديد وبعدوا عن اهلهم واقاربهم وهم لا حول لهم ولا قوة ، وتقبلوا الامر بعد ذلك واصبحوا عنصراً مهماً في بناء الدولة السورية الجديدة جنباً الى جنب مع اخوانهم العرب ، ولكن الكورد على طول الحكومات المتعاقبة في حكم سوريا منذ زمن الانتداب الفرنسي 1920 الى 1946 كانوا دائماً عرضة لسياسة التعريب والتمييز والعنصرية ، وعندما حلت الحكومات العربية بعد جلاء الفرنسسن عن سوريا، جاء شكري القوتلي على الحكم وبعدها جاءت عدة حكومات اخرى في زمن الانقلابات العسكرية من حسني الزعيم ذو الاصول الكوردية الى اديب الشيشكلي عام 1954 في هذه الفترة ايضاً كان الكورد يعانون نوعاً من التجاهل والاقصاء والتهميش ، غير ان عملية التعريب بحق الكورد شهدت اقصى مراحلها واشكالها بمجيئ حكومة الوحدة السورية المصرية عام 1958 حتى عام 1961 وبات واضحاً للعيان ان القوميون الجدد الذين يحكمون سوريا يحاولون طمس المعالم الكوردية في المناطق الكوردية والوجود الكوردي خارج المناطق الكوردية في بعض احياء دمشق وغيرها ، وبعد ذلك جاءت حكومة الانفصال وزاد من حدة القوانين الجائرة بحق الكورد وصدر قانون الاحصاء الذي جرد بموجبه عشرات الآلاف من الاكراد من هويتهم السورية ، ونجد اليوم ان بعض الناس يخطئون عندما يقولون ان بشار الاسد منح الجنسية للاكراد ولكن في الحقيقة انه لم يمنحها بل اعادها للذين جردوا منها ، ومنذ 8 آذار عام 1963 ومجيئ البعث الى الحكم وبعدها جاء حافظ الاسد عبر حركته الانقلابية عام 1970 الى يوم وفاته في 10 تموز من عام 2000، وحتى في عهد ابنه الذي جاء الى الحكم بعده كان الاكراد عرضة للظلم والاعتقال والتعسف ، ونلاحظ ان بعد مجيئ بشار الاسد الى الحكم ولغاية هذا العام شهدت فترة حكمه ايضاً صدور قرارات تعسفية ومنها القانون 49 الذي استهدف الوجود الكوردي بصورة لم يسبق لها مثيل في المناطق الكردية .
س2- بعد هذا الشرح عن الوضع الكوردي السوري تاريخياً ، يبرز اليوم القضية الكوردية في سوريا بجلاء ويلقي بظلاله على الثورة السورية التي تجري اليوم لنيل حرية الشعب والحصول على كرامته من هذا النظام ؟
- يقدر عدد الاكراد في سوريا حسب الاحصائيات المحايدة بأكثر من 3 ملايين ونصف، وأوكد لكم ان اغلبهم مع الثورة السورية ، ولا ازاود اطلاقاً في هذا الامر ، ربما هناك بعض الاشخاص الذين باعوا انفسهم للنظام امثال عمر اوسي وغيره وهي شخصيات لا تعد على الاصابع وهم بطبيعة الامر موجودين في كل زمان ومكان وهم منسلخون من جلودهم الكوردية ومنضوون تحت عباءة بشار الاسد وعصابته المجرمة، في كل يوم جمعة يخرج اهالي مدينة القامشلي وعامودا وباقي المدن الكوردية الى الشارع ويتظاهرون ويطالبون بالحرية بالليل والنهار وينادون بأخوة الكورد والعرب وحتى تم تسمية احد جمع التظاهرات بجمعة آزادي ( الحرية) في عموم سوريا .
س3- لماذا لا يتم القتل والتنكيل بالتظاهرات التي تجري في المناطق الكوردية اسوة بالمناطق الداخلية كما في حمص وحماه ودرعا ؟
- النظام السوري يريد تحييد الكورد واخراجهم من المسار الثوري السوري عبر محاولة رشوتهم بمنح بعض الاشياء البسيطة مثل منح الجنسية للاكراد الذين جردوا من هويتهم السورية، ولكن ارادة الشعب الكوردي اقوى من كل ذلك واعلنت صراحة ان الشعب الكوردي يطالب بالحرية والديمقراطية بالدرجة الاساسية في سوريا ، ومن بينها اعطاء الحقوق القومية للشعب الكوردي ، وارادت الحكومة السورية بمختلف الطرق جر القوى والاحزاب الكوردية الى التفاوض مع النظام وارسلت طائرة خاصة الى مطار القامشلي لتقلهم الى دمشق ولقاء الاسد الا انهم رفضوا الامر ، وهذا دليل قوي على ان الكورد مع الثورة ، وما استشهاد القائد مشعل التمو الناطق الرسمي لتيار المستقبل ، حين استهدفته شبيحة بشار الاسد وقتلته في القامشلي ، الا تأكيد على ذلك ، اذاً الشعب الكوردي هم مع اخوانهم في حمص ودرعا وكل قطرة دم تنزف من اي انسان حمصي او ادلبي نعتبره نقطة دم كوردي بدون مبالغة ، بالرغم من محاولات النظام القمعي وبكل اساليبه الملتوية حين يتدخل ويحاول ان يجر الكورد الى الاعيبه ولكن هيهات فالشعب الكوردي صخرة تتحطم عليها جميع اعمال النظام الاسدي في خلق شرخ او ثغرة بين المكون الكوردي والمكون العربي .
س4- هل استطاعت الاحزاب الكوردية في سوريا ، تمثيل الشباب الثوري المنتفض في الشوارع والميادين ، وهل تمثلهم وتعكس طموحاتهم ورغباتهم في الحرية ؟
- استطيع ان اقول لك ان من ابرز ايجابيات الربيع العربي والتطورات التي اجتاحت المنطقة بعد قيام الشاب محمد بو عزيزي باحراق نفسه في تونس ، حيث افرزت مجموعة من الحقائق والوقائع التي لا يمكن للعين ان يخفيها ، ومن ابرزها ان البنى التقليدية الكلاسيكية وجدت نفسها مفاجئة امام هذا الزخم الجماهيري و خلف الشباب ، فالاحزاب الكوردية مع احترامنا لتاريخها الطويل ولرجالتها التي خدمت الشعب الكوردي ، نجدها اليوم تتخبط في بناها التقليدية ولا يستطيعون اللحاق بالتطورات المتسارعة كون انظمتها وبناها تعود الى فترات زمنية قديمة الى نهاية الخمسينيات ، لذلك لا استطيع القول بانها تمثل الشارع او لا تمثل ، لان الشارع الذي انا اعرفه هم غير متحزبون ويمكنني ان اقدرهم ب 70% وتجد ان اي كوردي سوري ملم بالسياسة ويهتم بالاخبار ولكنهم لا ينتمون الى احزاب سياسية ، واتوقع وهذه قراءة ما بين السطور ان الثورة السورية عندما تأتي ثمارها فسنرى في شارعنا الكوردي قادة شباب مقتدرون ويفكرون حسب متطلبات العصر ولا يهتمون بالامور النظرية التي اكل وشرب عليها الزمن .
لهذا فالحركة السياسية الكوردية في سوريا لا تزال حتى اللحظة تراوح مكانها لا تستطيع ان تلتحق بالشارع ، يعني نرى التنسيقيات والشباب المستقلين في مواجهة آلة النظام ويتقدمون المسيرات ونرى بأن بعض الاحزاب الكوردية تتحجج وتقول بانها تدعم الشباب من تحت الطاولة ، فالعمل الثوري لا يكون من تحت الطاولة ، بل ان تقود انت الحركة وان تكون في المقدمة وان تتلقى بصدرك العاري الرصاص ، ونحن في عصر مكشوف وكل الامور واضحة ، لهذا ان الاحزاب السياسية اذا لم تغير جلدها او الخروج من بنيتها التقليدية بانها سوف تتلقى ضربات قوية لان الكثير من شبابها وقواعدها ستتركها وسوف تبحث بنفسها عن بناء وخلق كيانات سياسية جديدة تكون ملبية لرغبات الشارع الكوردي التي اصبحت على درجة كبيرة من الوعي والنضج السياسي .
س5 – كيف تقرأ مبادرة الرئيس مسعود البارزاني ، بجمع القوى والاحزاب الكوردي المنضوية تحت لواء المجلس الوطني الكوردي والتي اقرت في مدينة القامشلي ، ونتج عنها تقارب في الرؤى الكوردية ، وحثهم على التوحد وعقد مؤتمر كوردي في هولير ؟
- أخي العزيز اذا اردنا ان نتحدث عن دور الرئيس البارزاني في محاولاته الحثيثة لتوحيد الصف الكوردي ، علينا العودة الى الوراء قليلاً ، لان كورد غرب كوردستان(سوريا) منذ عام 1958 وعودة الملا مصطفى البارزاني من منفاه الاختياري او الاجباري في روسيا ، الى كوردستان العراق ، الكورد في سوريا اصبحوا وجدانياً وروحياً وقومياً مرتبطون بكورد العراق ، ودائماً كانوا ينظرون الى البارزاني الخالد على انه رمز وجذوة النضال الوطني الكوردي ، الملا مصطفى البارزاني دعى كورد سوريا بعد الانشقاق الذي حصل في 5 آب 1965 في الحزب الديمقراطي الى تيارين اليسار واليمين ، الى مؤتمر " ناربردان" في اقليم كوردستان في عام 1970 وطلب منهم عدم التفرقة والوحدة ، ولكن لم تنجح تلك المساعي رغم ذلك ، وبالطبع مبادرة الرئيس البارزاني هي خطوة جبارة ومهمة جداً بسبب بسيط وواضح وهو أولاً اراد الرئيس البارزاني ان يرسل رسالة الى اعداء الكورد في كوردستان سوريا من العرب الشوفينيين والعنصريين في العالم ، ان الكورد في سوريا لهم ظهر يحميهم وليسوا وحدهم في الميدان واذا تطلب الامر سنكون نحن بقوتنا وامكانياتنا المادية والعسكرية الى جانب الكورد في سوريا ، وهذه هي النقطة الجوهرية اما المسائل الاخرى المتعلقة بلماذا ارسل وراء الشخص الفلاني او الحزب الفلاني ، فليس كل من دعاهم الرئيس الى طاولته هم ممثلين للشعب الكوردي في سوريا ، وليس كل من لم يدعوه هو ممثل للشعب الكوردي ، حسب رأيي يجب فهم الخطوة بسياقها بأن الاقليم وقادة الاقليم يمارسون دورهم القومي والطليعي في خدمة اهداف شعبنا الكوردي في سوريا ، فيجب على الاحزاب التي حضرت الى اللقاء ان يعوا ويفهموا هذه النقطة وبأنهم اذا عادوا الى سوريا ولم يكونوا على مستوى المسؤولية فأنهم يخونون ثقة الرئيس وثقة الشعب الكوردي السوري فيهم ، وان لا ينظروا بحساسية الى بعضهم البعض ، وقد اشترط الرئيس عليهم بأن يكونوا يداً بيد والتمسك بالوحدة ولهذا يجب ان يفكروا بإطار واحد ويتمسكوا بتلك المبادئ ، اذاً اتمنى ذلك وعلينا النظر بكيمياء الوحدة ونترك الخلافات والمشاحناة جانباً ونكون قلباً واحداً ويد واحدة .
س6 – كيف تنظر الى مستقبل سورياً "سؤال من شقين" ؟ هل سيتم تدويل الازمة وسيحصل تدخل خارجي ام هذه التظاهرات وعمليات جيش احرار سوريا كافية بالاطاحة بنظام الاسد ، وما سبب هذه المماطلة والمهل المكررة التي يمهلها المجتمع الدولي والجامعة العربية الى نظام الاسد ؟
- اسباب عدم نجاح الثورة لحد اليوم يعود الى عدة اسباب وهذا يعتبر السبب الداخلي ، فحينما ننظر الى الخارطة وجغرافية سوريا نجدها مؤلفة من 14 محافظة ، هناك 4 او 5 محافظات تتحمل عبئ الثورة ، اما البقية يتفرجون مع انهم يكرهون النظام ولكن تكاسلهم وتغافلهم وخشيتهم من جبروته وظلمه هي السبب في عدم تحركهم لغاية اليوم، فنجد محافظات مثل الرقة والسويداء وحلب لو كان اهلها بربع شجاعة اهل حمص وحماه فوالله النظام لم يكن بمقدوره ان يستمر لساعات ، حتى نحن الكورد استسهلنا سقوط النظام وما زلنا نفكر من سيخلف هذا النظام ، فالمهم الآن توجيه ضربة قاضية الى النظام الذي جثم على صدورنا لعقود من الزمن ، فنجد الى اليوم البعض ما زال يفكر بفشل الثورة ؟! اما الشق الداخلي ودور العالم الخارجي سواء من الجامعة العربية او المجتمع الدولي فنجد دورهم مثبط جداً للسوريين ، فنجد المهل التي تعطيها الجامعة العربية ادمت قلوب السوريين ، وهي اقرب الى الحرب النفسية ، ما هكذا تورد الابل ، عليكم ان توحدوا جهودكم وقول كف عن قمع وقتل السوريين ، لهذا قالها الشعب السوري منذ اليوم الاول " يالله ما النا غيرك " ويعتمد على قواه الثورية ، وسوف ينتصر بدمه وليس بموقف هذه الدول المتخاذلة ، يومياً نجد آلة القتل تطحن روح ثلاثين الى اربعين سورياً مدنياً مسالماً من دون ذنب ، انها ثورة الحرية ، والذين سيتصغرون الثورة اقول لهم لا تجعلوا قطار الثورة تفوتكم ، الثورة ستنجح بزنود وسواعد الشباب المقاوم على الشوارع وفي الساحات .
س7- كلمة اخيرة تحب ان تقولها ؟
- انا اشكرك واشكر جريدة التآخي ، فقط اريد ان اضيف بأن جريدة التآخي وجريدة خبات لقد اطلعت على اعدادها القديمة بعد نيلها الاجازة الرسمية من حكومة عبدالكريم قاسم وصدورها في عام 1965 ، كانت جريدة خبات لسان حال الحزب الديمقراطي الكوردستاني كانت على الدوام مع نضال وطموحات الشعب الكوردي في سوريا ، فكانت تنشر دوماً اخبار وتقارير عن النضال الكوردي هناك وحينما قامت السلطات السورية باعتقال قيادات الحزب وزج بهم في السجن عام 1960 ، فهذا الدور ليس بالدور الجديد ، لاننا نتأمل دوماً الخير من الصحافة الكوردية الحرة ، الصحافة الملتزمة والمتمسكة بالاخلاقيات الصحفية ، والثورة السورية لن تنسى جهودكم .