يصادف يوم 24 نيسان 2015 ذكرى مرور مئة عام على الإبادة الجماعية للأرمن ولمسيحيي الامبرطورية العثمانية بمختلف طوائفهم. هذه الإبادة الجماعية (الجينوسايد)، التي تسمى بالكردية (فرمان) وبالأرمنية (جارتير)، وذهب ضحيتها مليون ونصف أرمني ناهيك عن المسيحيين من الطوائف الأخرى.. دخلت التاريخ من اوسع ابوابها كجريمة نموذجية لإبادة الجنس البشري في القرن العشرين وشكلت بصمة عار في وجه الأنسانية.
إن ما قاساه الأرمن ومسيحيو الامبراطورية العثمانية على مختلف طوائفهم في هذه الإبادة الجماعية على يد الحكومة العثمانية، المتمثلة بقادة الاتحاد والترقي التركية والمؤسسة الحميدية (الفرسان الحميدية)، لهو جريمة غير قابلة للتصديق؛ كونها تميزت بالاعدامات الجماعية والفورية، وتدمير شامل لآلاف القرى، ونهب ممتلكات واموال المدنيين، والترحيل القسري لمئات الآلاف من القرويين العزل من نساء وأطفال ومسنين..
عملت الحكومة العثمانية، هذه الإبادة الشنعاء، تحت زريعة (الإجراءات التأديبية للأرمن) وذلك بإخفاء أعمالها الشريرة امام الرأي العام الداخلي والخارجي.. ان ما قام به غلاة العثمانيين في هذه المجزرة، تفوق ما فعله التتار؛ هولاكو وتيمورلنك من ممارسات همجية وبربرية في العراق وبغداد وسوريا ودمشق..
نعم، المئوية حلت ومازال أرمن الإبادة في الشتات يحلمون بوطن.. يدفنون فيه موتاهم.. يتفقدون الغائبين في فيافي دير الزور ومركدة والشدادي.. ويترنمون بأغاني الحزن والآسى على ضحايا الإبادة الجماعية التي حلت بهم قبل قرن كامل من الزمان.
وما زال اسم (أوصنا نيرسيسيان)، جدتي الحنونة (سارا) يتردد بين أهالي القرية (دودا)، بحزنها وحنانها، ورأفتها على الفقراء والمساكين.. تلك الأرمنية الأصيلة التي اجبرت مع غيرها من ابناء جلدتها في مسقط رأسها ببلدة (نكدا) وجبل زيتون لتكون ضمن قافلة الموت إلى براري دير الزور.. وبعد عدة أعوام حطت رحالها في قرية (نجم)، العائدة لجدي.. وكان والدي باكورة أبنائها..
كانت تسرد علينا ونحن صغار، هول مسيرة القافلة والجرائم التي كانت ترافقها؛ من قطع الرأس بحد السيف والسكين وتعليق الجثث والرؤس المقطوعة في ساحات المدن والقرى واستباحة النساء والقاصرات.. لم تنس مدينتها (نكدا) ولم تنس أرمنيتها.. بقيت مع ذكرياتها الطفولية الجميلة والأليمة من خلال مقتل ذويها والهجرة القسرية التي تعرضت لها.. في خلواتها، كانت تترنم بأغاني تركية حزينة جداً.. حينها كان اهالي القرية يقولون للبعض؛ أنها سارا الأرمنية أم اوصمان.. تندب اهاليها الذين قتلوا وذبحوا في الفرمان، يا لها من مسكينة.. يا لها من أصيلة.. مع أنها كانت تعيش في كنف عائلة مسلمة وقرية مسلمة وبقيت على دينها، كانت محط اعجاب وتقدير اهالي القرية جميعاً..
قصة سارا جدتي، واحدة من آلاف قصص المعاناة التي تعرض لها الشعب الأرمني ومسيحيوالامبراطورية العثمانية على مختلف طوائفهم.. وهنا ابوح لكم بما التزمت به منذ ان وعيت على هول المجزرة، وهي التزامي الاعتكاف بداري يوم 24 نيسان من كل عام، تعبيراً عن شجبي واستنكاري لتلك المجزرة ووفاءً لذكرى جدتي الحنونة (أوصنا نيرسيسيان: سارا عبدو)، وذلك منذ اكثر من 30 عاماً.
أجل، بعد مئة عام، ومازال شهر نيسان يطل علينا بزهوره ووروده الحمراء، كدم شهداء الأرمن في المجزرة تلك.. ومازال أحفاد العثمانيين يطلون من فوق المنابر منادين بحقوق الإنسان والديمقراطية، دون أن يعترفوا بما اقترفته أيادي آبائهم وأجدادهم من مجازر بحق الأرمن ومسيحي الإمبراطورية العثمانية والكرد وكأن شيئاً لم يكن..! أما آن وبعد مئة عام، ان يعترفوا ويعيدوا الحق ولو معنوياً إلى نصابه؟
أما آن ان تنام جدتي أوصنا نيرسيسيان أو (سارا عبدو) لاحقاً، قريرة العين في مقبرة قريتي (دودا)، وتكف عن الترنم بأغاني الحزن والآسى على حالها وذويها في المجزرة تلك؟
في هذه المناسبة الأليمة لا يسعني إلا ان انحني اجلالاً واحتراماً لأرواح شهداء (فرمان أو جارتير أو سيفو)، واقول، لك السلام أيتها الجدة المنكوبة..! لكم السلام ايها الشهداء الأرمن ومسيحيي الامبراطورية العثمانية من سريان وأشوريين..! لكم السلام يا شهداء سوريا من جميع الفئات والأثنيات..! لكم السلام يا شهداء سنجار وكوباني..!
كونى ره ش/ القامشلي