(رسالة الى السيد فيصل القاسم)
هذا أنا ،
افتحْ عيوني !
أشرع الأبوابَ تحتَ الجلدِ،
وانظرْ !
سترى الجبالَ والوديانَ والسهولَ والحقولَ تزهو
وبيوتَ الطينِ والقصبِ وأهوارَ الجنوبِ
والنخيلَ والأنهارَ تجري في شعابِ الروح ،
هذا دجلةُ الخيرِ، الفراتُ، الزابُ،*
هذا بردى ينسابُ من بين العواصف يلتقي الليطاني والأردنَ،
والنيلُ يضمُ شعريَ المنثورَ كالأضواءِ وسط الماءْ
يوم اشتدَّ في سيناءَ ضربُ النارِ، فاهتزَ الفضاءْ،
فتهاوى الخطُ وانسابتْ على الرمل الدماءْ،
عندها حقَّ الغناءْ،
وهنا .....
ذاك سفينُ النارِ يحكي قصةَ الأوراس، *
وهناك .....
تلك صحراؤكمو الكبرى تناغي ضلعيَ المكسورَ
في القدسِ وفي صبرا شاتيلا
وحلبجةْ.
هذا أنا ،
افتحْ ضلوعي تجدِ التاريخَ لوناً واحداً
منْ وهجِ الشمسِ ، ومن آدمَ يومَ انكشفتْ عورتهُ
حينَ استباح حرمة البستانِ والأمرِ
فتاهَ في عراء هذا الكونِ ،
قابيلُ وهابيلُ توالى نسلهُمْ في الأرضِ ،
هذي الأرضُ
خذْها بصراخ الصوتِ !
ماكان صراخُ الصوتِ ارثاً ،
قالها الروحُ:
فطوبى للوديع الطيبِ البريء فهو الوارثُ الأرضَ ،
فلا السيفُ ولا العرشُ بباقٍ فوق سطح الكرة الأرضيةِ الواسعةِ الأحداقِ والأشداقِ ،
لا الكرهُ رغيفٌ في فم الجائعِ والحافي
ولا زيتٌ يصبُّ النورَ في الظلمةِ ، والبهجةَ في الحرفِ وفي الانسانِ!
طوبى لنزيل الجنةِ العظمى سليل الأنقياءْ ..!
طوبى لغسيلِ الروحِ من أدرانها !
طوبى لكلامِ الحبِ والصدقِ كلام الربِّ في عليائهِ !
طوبى للذي أوقدَ في ظلمةِ هذا الليلِ شمعاتِ المسرةْ !
طوبى للذي يحفرُ في القلبِ موداتِ براءاتِ الطفولةْ !
طوبى لنبيِّ الرحمةِ الصادقِ والأمين والناثر في الأرجاءِ اشراقَ الجبينْ !
طوبى للذينْ
لا يوقدون النارَ والحريقَ في أرجاء هذا الكون !
طوبى لكلامِ الحبِ والألفةِ والغار على جبهتنا المحترقةْ !
هذا لساني
ملحماتُ الصوتِ، والوجهُ بانوراما على الأرواحِ
أقداحُ نبيذٍ من فمِ الأرضِ تروّي ظمأ النسلِ
إلى قارورةٍ من صدرها الملآن بالجمرِ وباللسعاتِ،
بالدفء
فنقطفها معاً ...
اشبكْ مواعيدي مع الوعد القديمِ: لافرقَ بينَ...!
وبينَ الوجهِ والوجهِ ...؟
واسمعْ .....
نبضَ الفؤادِ في خريرِ ماءِ الشرقِ
وهو يصبُّ خمرَ العشقِ في كأس الهواجسِ
علَّ فؤادكَ المكلومَ يُلغي النارَ
يحضنُ إلفَـهُ في القمةِ الشماءِ
حيثُ الريحُ تصفرُ في صخورِ الهَمِّ،
سيزيفُ يعيدُ أسطرَ التاريخِ والقصةَ
منْ أولها
حتى التحام الإلفِ بالإلفِ
وحتى يستريحَ القلبُ من صخرتهِ المثقلةِ الآمالْ ....!
* * * * * *
هذا أنا،
رحتُ أديرُ الصوتَ في الآفاق:
إني ما رسمتُ صورتي بيدي
وما لوَّنتُها يوماً
وما أطَّرتُها ،
فهو المُصوَّرُ والمُلوَّنُ والمُؤطَّرُ في الأعالي ...!
هذا أنا،
أيقظني في لحظةٍ ذاك الصدى
في حضنها
وفرحةُ الأصواتِ في الأرجاءِ
في اللوحةِ
في الوجهِ
فكانتْ صرخةً أولى
وكانتْ لغةً أولى
فمارستُ لسانَ الحبِ
عاشرتُ لهيبَ الشمسِ
داومتُ صهيلَ الوجدِ في الأزقةِ المعروقةِ الأوجهِ
نازلتُ نزيفَ القُبلةِ الأولى
رحيقَ القِبلةِ الأولى
دبيبَ القمةِ العاريةِ السفحينِ،
سجِّلْ
لغةً أخرى
كتاباً
أسطراً مشرقةَ الأحرفِ
أقراناً
زقاقاً
شارعاً
مدرسةً
مكتبةً
مقهىً
وهذا الثمرَ الجنيَّ من مزرعةٍ مسحورةِ الظلالِ
والجنانُ حبلى عسلاً
خمراً من الأنهارِ.
سجِّلْ ....!
قد رأيتُ الناسَ مشدودينَ
منزوعينَ
عن صاريةٍ بينَ شعابِ الجبلِ المرتدِّ
والمعتدِّ،
والألغامُ
والأسلاكُ
والنيرانُ
في الأقدامِ ،
والأطفالُ
والأيدي
تخوضُ الصخرَ والطينَ
واشلاءٌ عرايا .
هل رأيتَ الشوكَ في صدر صبيةْ
وشظايا
وعرفتَ الرعبَ في الأفئدةِ العذراءِ
أفواهَ المنايا ؟
فتحتُ بابَ الكتبِ الأولى ،
قرأتُ أنَّ الحبَّ في الجذورِ يروي أفرعَ الأغصانِ
أنَّ النبعَ لا يجفُّ إلا في صحارى المدنِ المغلقةِ الأبوابِ
إلا في اقتلاعِ الخيمِ والديوانِ
في أروقةِ الأطلالِ والقوافلِ المدججةْ.
والشاعرُ المنفيُّ والمهجورُ والحادي
ينادي:
إنني صوتُ القبيلةْ
جذرُ الأصيلةْ
حتى وإنْ كنتُ على قائمةِ الشيوخِ مولىً
مارقاً
مرتزقاً
مصعلكاً
فأستحقُ أبشعَ العقابْ !؟
سجِّلْ .....!
أنا كردي ...
لاقيتُ صلاحَ الدينِ في القدسِ
وفي تكريتَ
في دمشقَ
في القاهرةِ الظافرةِ المنتصرةْ!
رأيتُ في عينيهِ جمراً صارمَ الحدينِ
فوقَ رأسهِ خوذتهُ
في كفّهِ السيفُ
وبينَ صدرهِ الكتابُ والهلالْ
وخلفه الخيولُ والرجالْ.
يا ايُّها الموصولُ في الأعراقِ
في الأحداقِ
في التاريخِ يروي بذرةَ المأمولِ
والمجهولِ
والدائرِ ما بين جبالِ الثلجِ،
طارتْ ريشةٌ منْ جنحكَ الخافقِ
فوقَ الغيمِ في هوليرَ *
لم تهبطْ على العينينِ
لم تلمسْ هوى القلعةِ
بل ظلَّتْ تدورُ في سماءِ الظلِّ
في بطنِ سحابِ الكتبِ المحصورةِ الأبوابِ
ما صارعتِ الرقصةَ في الأشباحِ
تهوي في جذورِ البئرِ فوقَ تربةٍ تغفو على
جمراتِ كانونٍ لحدادٍ يقودُ الأخوةَ الأبرارِ *
نحوَ القمةِ السوداءِ
يرويها ضياءاً منْ لهيبِ النارِ
والمطرقةُ الحمراءُ في الأيدي مسلةْ...
يا ايُّها الموصولُ في الأعناقِ ،
في مقهىً على ناصيةٍ بينَ ربى الوديانِ
بينَ الثلجِ والخريرِ تحكي قصةً
للبطلِ الذي ارتدى عباءةً، كوفيةً،
ولم يقلْ: سجِّلْ أنا كردي ..!
سجِّلْ ...!
أنا كردي ...
ما ارتديتُ يوماً صورةً بالزيتِ والألوانِ
أو ساريةً ترفعُ أعلامَ الحواريينَ في شوارعٍ
تصطفُّ في أبوابِ أهواء الشيوخِ والملوكِ
والأئمةِ الساهينَ عن صلاتهمْ !
سجِّلْ .....
فإني ما ارتديتُ علبةً زخرفتُها
زيَّنتُها
لتصبحَ الوجهَ القناعْ ..!
سجِّلْ ....
فقدْ أعلنتُها بينَ الوجوهِ السمرِ والشقرِ
وقدْ أعلنتُها فوقَ رؤوسِ الأخوةِ الأشهادِ
والأعداءِ
إني ما ارتديتُ جبةً،
عمامةً،
عباءةً،
أو صولجانْ ....!
* القصيدة في الأصل كتبتْ في 2000.02.14رداً على أحد المثقفين الكردستانيين البارزين حين انتقد وبحدة في مقابلة على فضائية كردية في حينها الكتابَ الكرد الذين يكتبون بلغة أخرى غير لغتهم ولا يكتبون بلغتهم والى حد الاتهام بالخيانة، وكان يقصد الذين يكتبون بالعربية أو بالتركية أو بالفارسية. وبما أني أحد هؤلاء المقصودين بالاشارة لأني أكتب بالعربية فحسب أحسست بغصّةِ ألمٍ عميقة، انزويتْ بعدها في غرفتي وكانت الساعة تشير الى منتصف الليل تماماً لأبدأ في الكتابة حتى الساعة الرابعة فجراً فتولد القصيدة.
* نشرت القصيدة في مختلف الصحف ومواقع الانترنيت الكردية والعربية في حينها. لكن المقطع الأول اضافة جديدة بدأتها بتاريخ الأربعاء 28 نوفمبر 2007 بعد قراءتي لمقالة فيصل القاسم (ليس دفاعاً عن العملاء الصغار ... ولكن) مُتهماً الكردَ بالخيانةِ على موقع دروب بتاريخ 27 نوفمبر 2007.
عبد الستار نورعلي