Share |

عامودا في ملفّ سما كرد -الجزء الثاني

 صورة نادرة تُنشر لأوّل مرة - من أرشيف سما كرد . عامودا الستينيات : أربعينية شهداء سينما عامودا
صورة نادرة تُنشر لأوّل مرة - من أرشيف سما كرد . عامودا الستينيات : أربعينية شهداء سينما عامودا

 

تقبّلنا كلَّ ما كُتِبَ عن الجزءِ الأوّل من هذا الملف ، بل وشكرْنا كلَّ ملاحظة نقدية وصلتْنا ، وهذا دليلُ محبّتنا وحرصنا ومحبّة و حرص القرّاء معاً على هذه المدينة : عامودا ، و الآنَ أيضاً نجددُ للمتابعين أنْ يكتبوا ،

ويرفدونا بما يكتبون كي يتسنى لنا نشرُ موادّهم ، خاصة إنْ كانت الموادّ عن :(الفرق الشعبيّة والغناء و العادات و التقاليد ،واللباس الكرديّ للرجل والمرأة ، والحكايات والأساطير وشجرة العائلات القديمة )، فملفُّ عامودا كبيرٌ وحاشدٌ ،لأنّ هذه المدينة تريدُ منّا توثيقاً وتدويناً، ولذلك طلبَ مديرُ مؤسسة (سما ) الأستاذ عارف رمضان أنْ يكتبَ الجميعُ عن هذه المدينة ضمنَ اختصاصهم ، في هذا الجزء يشاركُ معنا كلٌّ من الباحِثين : خالد عيسى ، وكوني ره ش ، ومحرر الموقع الزميل : هوزان أمين ’ ما تتمناهُ (أُسرةُ سما ) أنْ ينالَ هذا الجزءُ احترامَ و ذوقَ القرّاء و المتابعين لهذا الملف ، مع شكرنا لكلّ المواقع الكردية والعربية التي نشرت الجزءَ الأوّلَ منه .

المُعِدّ : عبداللطيف الحسيني - عامودا .

---------------------------------

(1)

خالد عيسى .

( تارا آشێعه لاوي) .(1)

بعد عبور (ڴندكێقاسو)، والتبرّك بمزار الرسول في زاوية حديقة (خليل مشقى)، و قبل الولوج في عاموده، يبدأ حي طاحونة علاوي (تارا آشێعه لاوي). ويقع هذا الحي على الطرف الجنوبي من الطريق الآتي من الدرباسية. وكان في الطرف الأيسر من الطريق أراض زراعية، تمتد غرباَ من بئر الماء المقابل لمزار الرسول، وشرقاَ حتى (چه مێكاني ڴوريكێ:نهر طاحونة علاوي، أو نهر عين الجربا).

 بني هذا الحي حول المطحنة التي كانت تعود ملكيتها إلى عائلة علاوي الديرية الأصل. ومن ثم اشتراها (نجيم حجي گولك البيرتي) . وأصبح هذا الأخير هو المالك الوحيد لصناعة الطحين في عاموده، لأنه كان، فضلاَ عن طاحونة العلاوي، يملك طاحونة البوظ (الجليد) التي كانت تقع في مركز البلدة. وكان أولاد نجيم:( كاميران وبوظان ) يعملان في المطحنتين.

كان قسم كبير من أهالي عاموده وضواحيها يطحنون حبوبهم في طاحونة علاوي. وبالدرجة الأساسية كان الناس يطحنون فيها القمح لصناعة الخبز المنزلي، في التنور أو على الصاج. وكان من ملحقات الطاحونة بركة ماء يستحم بعض الأولاد فيها أحياناَ.

أمّا طاحونة البوظ، فكان لها دور هام في الحياة اليومية لأهالي عاموده. فكانت درجة الحرارة العالية في عاموده صيفاَ، تدعو الناس إلى شراء البوظ لتبريد مياه الشرب، ولتلطيف بعض السلطات، وخاصة أثناء الظهيرة. كان يباع البوظ في عاموده إما بالقوالب وبالمفرق. وسعر القالب(بطول 100سم و عرض 20 سم وسماكة 5سم) كان ليرة سورية ونصف الليرة . أما بالمفرق فكان سعر قطعة البوط (بطول 5 سم بخمسة عشر قرشاَ). كان الراتب الشهري للمعلم الابتدائي في ذلك الحين ما يقارب المائتين وخمسين ليرة سورية.

تطور حي( آشێعه لاوي) بشكل أساسي باتجاه الجنوب من الطاحونة،أي باتجاه حي نجارى (نه جارێ). وفيما بعد تطور الحيّ شرقاَ بمحاذاة الطرف الجنوبي من الشارع الأساسي الذي يعتبر امتداداَ للطريق الآتي من الدرباسية، والمؤدي إلى مركز البلدة. وكان في مركز عاموده شارعان أساسيّان متوازيان يخترقان البلدة من الشرق إلى الغرب. وفيما بعد توسع الحي باتجاه (ڴندكێقاسو )غرباَ، و على الطرف الشمالي من الشارع الأساسي بني فيما بعد خزان لمياه الشرب. و من أحد الأسباب الرئيسة في توسع الحي هو استقرار الكثير من الفلاحين فيها، بعد هجرتهم من قراهم، اثر استيلاء الدولة على الأراضي الزراعية التي كانوا يستثمرونها. يبدأ الحي السكني ببيت شێغێكراس سورێ. شێغێ(شيخێ) كراس سورێ، المسجل في سجلات النفوس باسم شيخموس خنجر، كان معروفاَ في عاموده، لأنه كان صاحب مكينة (الشعيرة) الشعيرية. ففي عاموده والكثير من مناطق الجزيرة كان الناس لا تأكل البرغل إلا بعد خلطها بالشعيرية المحمصة. كانت ألة الشعيرية عبارة عن اسطوانة حديدية مرفوعة على أربعة أرجل، توضع في داخلها العجين وقليل من السمن، ومن ثم يتم كبس العجين بضاغط ذات ذراع متصالب في أعلى الآلة. وبإدارة الذراع من قبل صاحب المكينة، ينضغط العجين داخل الاسطوانة إلى الأسفل، يخرج العجين عبر غربال، وعلى شكل معكرونة رفيعة. ولتنشيف الشعيرية، توجد مروحة صغيرة في أسفل الآلة عند مخرج الشعيرية . وتدار المروحة عادة من قبل أولاد الحي، وكثيراَ ما كان الأولاد يتنافسون على هذا المنصب الذي يقرره صاحب المكينة.

و كان (شێغێكراس سورێ)يربّي الأغنام أيضاَ. وكانت زوجته من عائلة أبو حسن، وكان يتحرك على دراجته الهوائية المعدّلة، وكان يقع داره على طريق الدرباسية، إلى شرق طاحونة علاوي، وكان أمام بيته شجرة توت كبيرة. كان (شێغێكراس سورێ) رجلاَ محبوباَ، وكانت سيجارته لا تفارق شفتيه. وكان ابنه حليمێطنبورفان(عازف البزق) يغني الأغاني الشعبية الكردية في عاموده.  كان بيت (عمرێحوتا ) يلي بيت (شێغێكراس سورێ) ، وكان يلي بيتيهما بيت أبو الفوز (عبدو خلف حسن)المعروف. كان يعمل أبو الفوز في معمل البلوكات الذي كان يستثمره (زكي ايبو چركس ). وكان المعمل من أملاك هادي آغا. وكان (صالح خلف حسن) قراشاَ لمطحنة علاوي. بعد بيت أبو الفوز، كان بيت قاسمو ينهي حي طاحونة علاوي. فكان بيت قاسمو مطلاَ على نهر (چه مێكاني ڴوريكێ:عين الجربا). كان قاسمو وأولاده يربون الدواجن، ويهوون تربية الحمام. وكان يتحرك قاسمو على (بسكليته) : دراجته الهوائية المعدّلة، مثل الكثير من أهالي حي طاحونة علاوي. وكان يضع خلفه على الدراجة سلة، وكان يبدو من السلة عادة إما ديكاَ أو زوجاَ من الحمام.

و من سكان هذا الحي المعروفين هو علي الآلوجي الذي كان يسميه البعض علي گژنيژا (الكزبرة)، وكان عطاراَ(بائعاَ جوالاَ). كان يضع التوابل على ظهر حماره في خرجتين متدليتين، ويتجول في أحياء عاموده ليبيعها. كان علي گژنيژا كهلاَ ملتحياَ، وعلى رأسه لفة، ويحمل بيده عكازة يتكئ عليها. وكان ينادي : گژنيژ گژنيژ!..

وكان من سكان هذا الحي، حسن الحلاق (حسنێلال)، وكان محله مقابل كراج الدرباسية ( كراج صبوحة)، وهو بالأصل من قرية خاص، وكان قد تزوج من بنت صاروخو الكلاڤچي (اللبابيدي). كان من المعروفين في عاموده بوطنيتهم، و كان بيته في (حي آشێعه لاوي ).

كان حسين لال عديلاَ لأخيه حسن، أي أن زوجته كانت أيضاَ من بنات صاروخو. و كان يعمل عند عمه اللبابيدي صاروخو أحياناَ، وأحياناَ أخرى عند المزارعين كعامل موسمي.

صاروخو الكلاڤچي (اللبابيدي)، كان صاحباَ لورشة صناعة الكلاڤ (اللبابيد أو الچبن) الواقعة على طريق الدرباسية، مقابل مقر شبيبة الثورة. وكان لقب صاروخو اسماَ على مسمى، فكان شديد السرعه. وكان يتنقل على (بسكليته) دراجته الهوائية المعدّلة. و كان الناس في حي آشێعه لاوي تخلع الرفراف (الچامورلغ) عن الدراجة الهوائية، وذلك لكي يتمكنوا من التحرك بين الوحل في الشوارع الترابية، ولذلك فكل الدراجات هناك كانت معدّلة.

كان من أولاد صاروخو، رضوان و نور الدين و حمادة. و قد تطوع رضوان فيما بعد بالعمل لدى المخابرات العامة (أمن الدولة) في عاموده. وكانت زوجة صاروخو اسمها (.......)، وهي شقيقة الحاجة (.........)  زوجة الشخصية الوطنية الشهيرة يوسف حجي حرسان.

ومن العائلات المعروفة في هذا الحي أيضاَ، عائلة المرحوم (محمد أمين خه ره بازني ) -البارافي. وكانت مكونة من الأم (........) وأولادها: (........) المتزوجة من إبراهيم محمود كرمي، شقيق رفاعي كرمي المشهور في عاموده. وأبنائها أحمد المعروف بوطنيته، و عبد القادر الذي توفي، و عيد الله، وأديب، وكانوا جميعاَ من ذوي السمعة الطيبة والسيرة الحسنة.

ونذكر بأن محمد (علي گروتو )كان من سكان هذا الحي، وكان على صلة جيدة مع الكثير من الشخصيات الشعبية والأدبية في عاموده. فكان صديقاَ لأحمد( خه ره بازني ، وللشيخ توفيق الحسيني ). وكان يتنقل على(موتور) دراجة نارية من نوع سمسم. وكان من الشخصيات المعروفة في هذا الحي گلابدون، الذي كان يعمل جانبازا، أي دلالاَ (سمساراَ) في سوق الغنم. فكان يفوضه أصحاب الأغنام بمهمة بيعها، ويدفعون له لقاء أتعابه مبلغاَ متفقاَ عليه. وفي بعض الأحيان كان يقوم الجانباز بالمتاجرة بالأغنام لحسابه الخاص.  ومن سكان هذا الحي أيضا، (أحمدێكالو ) الذي كان يمد الحي بثمار بستانه من الخضروات المتنوعة. وكان يسقي بستانه بالغرافة التي كانت تدار بالحيوانات. وكان بستانه يمتد حتى (حي نجارێ) . و إلى الجنوب من حي العلاوي يقع حي نجارێ، وأغلبية سكان هذا الحي هم من الكرمية. و إلى الشرق من حي العلاوي يمر (چه مێكاني ڴوريكێ: نهر عين الجربا) الذي يقطع الشارع الأساسي .

 (1)- ملاحظة من المُعِدّ : تمَّ طيّ أسماء النساء من مادة الأستاذ خالد عيسى بعد موافقته لضرورات خاصّة .

---------------------------------

(2)

كوني ره ش

(من آماده إلى عاموده)

 

تلُّ مدينة ( عامودة ) أو تلّ الكمالية من التلول الأثرية القديمة ، يرجعُ تاريخها إلى آلاف السنين ، وأعتقدُ أنها كانتْ موجودة في عهد الآشوريين ، واسمُها كان عندهم ( آماده ) كما كانت موجودة في العهد السوبارتي والميتاني ، كالعمادية في العراق ، والتي كانتْ تسمى عند الآشوريين بـ ( أمادي – آميدي ) أو ديار بكر في تركيا ، والتي كانت تسمى بـ ( آمد ) .

وبرأيي أنّ اسم عامودة الحالية اسمٌ مُحدث حلّ محل اسم ( آماده ) القديمة بعد اندثارها نتيجة الحروب والغزوات . وكلمة ( آماده : عامودة ) مثل كلمة ( آمادي : العمادية ) وكلمة ( آمد : ديار بكر ) لا بدّ وأن يكون قد ورد ذكرها أيضاً في المخطوطات الآشورية وأخبار الملك الآشوري ( شمس آدادي الخامس : 823 – 810 ق . م الذي خلف أباه ( شلمنصر الثالث في جملة المدن التي أثارها أخوه آشور دانن – إيلي ) في حياة أبيه ليستأثر بالعرش الآشوري بدلاً من الوريث الشرعي ( شمس آدادي الخامس ) وقد تكون قد وردَ اسم عامودة أيضاً في مسلة ( شمس أدادي ) مثل ورود اسم ( آميدي وآمد ) هذه المسلة التي وجدت في القصر الغربي الجنوبي من نمرود ، الآن هي في المتحف البريطاني بلندن تحت رقم ( 110 ) وقد نشرها طه باقر .

والذي أعتقده أنّ مدينة عامودة أو تل عامودة - الكمالية أقدم بكثير مما وجد في مسلتي ( شمس آدادي ) وابنه ( آدادي نيراري ) الموجودتين في متحف لندن واستانبول .

كون ( عامودة : آماده ) هي أقربُ مدينة أو تل أثري إلى التلول الأثرية الموغلة في القدم في المنطقة مثل : تل موزان ( أوركيش ) وتل حلف ( واشوكاني ) وتل ليلان وتل براك ، والعديد من التلول الأثرية الأخرى .

وكلمة ( آمادة ) معناها المتأهب أو المستعد والجاهز إذ كانتْ حاميتها في العصر القديم والحديث متأهبة للدفاع عنها في كل الأوقات وهي كلمة كردية أصيلة ، رُخّمت الكلمة لكثرة الاستعمال ونتيجة تأثرها بالعربية صارتْ في يومنا هذا بـ ( عامودة ) أو ( عمودة ) .

والمؤرخون يطلقون على الميديين اسم ( ميد ، أماد ، ماد ) ولكن مهما قيل فإن اسم ( آماده ) عامودة الحالية اسم قديم قدم الزمان والعصور .

هذه المدينة تقع في البوابة الجبلية الشمالية لسهل ماردين الفسيح وعلى مقربة من مدينة(دارا ) التاريخية يسكنها الشعب الكردي منذ قدومه واستوطن فيها منذ

فجر التاريخ وشهدت المدينة مثل بقية مدن المنطقة مختلف التغيرات الاقتصادية والاجتماعية حتى الغزو الآشوري وبسط سلطانهم على بلاد سوبارتو وكوردوئيين ، وقيل بأن الملك الآشوري ( تجلات بلير الأول : 1100 ق . م ) ترك نصباً عظيماً دون عليه نقوشاً جميلة وتفاصيل معاركه على الشعب الكردوئي …

وأعتقد بأن مدينة ( عامودة أو تل آمادة ) صمدت أمام الغزوات التي تعرضت لها عبر تاريخها الطويل ونالت حصتها من المآسي والويلات الكثيرة ، فقد احتلها الملك الفارسي ( شابور الثاني : 360 م ) وتعرضت كغيرها من مدن المنطقة عقب الفتوحات الإسلامية إلى مختلف الغزوات الخارجية على أيدي المغول والتتار إلى أن انضمت كغيرها إلى الدولة الأيوبية .

مع قدوم ( هولاكو : 1259 م ) إلى سوريا قام الجيش المغولي بتدمير المنطقة وقتل الناس وأزال معالم العمران بعد ظهور " تيمور لنك " بين عام ( 1394 – 1405 عام وفاته وغاراته المدمرة على المنطقة أصبحت المنطقة شبه خالية . في القرن السادس عشر وبعد معركة جالديران 1514 وانحياز الكرد إلى جانب العثمانيين بواسطة الأمير ادريس البدليسي عمَّ الاستقرار في المنطقة وانتعشت الإمارات الكردية حينها تم جلب عشائر كردية شجاعة وقوية من إيران إلى ولاية ماردين وعامودة منها وذلك لحماية طريق الحرير أو طريق السلطاني أو طريق القوافل التي كانت تربط بين استانبول وبغداد عبر عامودة ، ومن هذه العشائر كانت عشيرة ( شاه بسني ) من منطقة " تاكوري على الحدود الإيرانية التركية والتي يقال لهم اليوم بـ " دقوري " نسبة إلى منطقتهم " تاكوري " ومازالوا في عامودة ومنهم آل سعيد آغا الدقوري ، ومنهم ذهبوا إلى الشام لحماية قوافل الحجاج وأصبحوا يعرفون يـ " أمراء الحج " وهم " آل شمدين آغا " أبناء عمومة دقوريي عامودة ، وأيضاً منهم في تركيا ناحية " حبسبني يقال لهم آل حسن شمدين .

وهكذا أرى بأن مدينة عامودة الجديدة ولدت من مدينة تل عامودة أو تل آمادة أو تل الكمالية منذ حوالي 488 سنة في مكانها الجديد بجانب تل شرمولا – هذا التل الأخير مركب من كلمتين : ( شار) بمعنى المدينة و( مولا ) قد تكون صاحب المدينة وهي مثل مدينة ( شرنخ ) المركبة من كلمتين . وجدير بالذكر أن اسم تل الكمالية حل محل ( تل آمادة ) بعد تأسيس الجمهورية الكمالية عام 1923 م وذلك بشكل خاص بعد دمار المنطقة على يد هولاكو وتيمور لنك ومعركة جالديران واستقرار المنطقة أثناء حكم السلطان ياوز سليم وسياسته المرنة تجاه شعوب المنطقة والشعب الكردي بواسطة سياسة الأمير إدريس البدليسي وحكمته .

 المصادر المعتمدة عليها في هذا الرأي :

1- خلاصة تاريخ الكرد وكردستان – محمد أمين ذكي بك

2- إمارة بهدينان ، أو إمارة العمادية – صديق الدملوجي

3- الأكراد في بهدينان – أنور المايي

4- الدولة الدوستكية – عبد الرقيب يوسف

5- ومعلومات شخصية مكتسبة من خلال الاطلاع والاستفسار من الكتب والمعمرين .

---------------------------------

 (3)

لماذا عامودا ؟

هوزان أمين

عندما اقترحَ الزميل عبداللطيف الحسيني أنّه بصدد إعداد ملفّ خاصّ عن مدينة عامودا ، بادرتُ على الفور بنشر الخبر الذي ندعو فيها الكتاب والصحفيين والشعراء لكي يشاركوا في هذا الملف الذي عوّدَ موقع (سما كرد) قرّاءهاعلى فتح ملفات مهمة ، وتركنا المجال مفتوحاً ليتسنى للعديد من المثقفين الكرد في كلّ مكان أنء يكتبوا حول هذه المدينة سواء  بقصيدة شعر أو مقالة أو أي إبداع أدبي .

عامودا تستحق ذلك ويتطلب منا - نحن أبناءها -خاصة أن نكرمها ،ونردّ عليها ديناً قديماً ، لأنها تحملتنا ،وتحمّلت أعباء شقائنا ، بل حضنت كل مَنْ قصدها ، وحمتهم ودافعت عنهم لأسباب سياسية أو فكرية أو اجتماعية واقتصادية ،بعد ما أهملتها السلطات ،وأصبحت البطالة متفشية فيها ،وعانت منذ سنوات عديدة حالة من الركود أدت إلى جعل أهلها عرضة للهجرة والتشرد في العالم ،ولا سيما الفئة المثقفة منها  كونها عانت اللأمرّين (ضغوطات سياسية واقتصادية) .

هنا نحن بصدد فتح ملف يتناول عامودا من جميع الاتجاهات والنواحي وإبراز أهم نقاطها العلامة وكذلك أوضاعها المعيشية الصعبة ومعاناة أهلها اليوم تحت ظلّ فرض قيود على حرية الفكر والرأي في عموم سوريا وعامودا ايضاً جزء من ذلك النسيج .

لماذا عامودا تحديداً دون غيرها من المدن ؟

 قليلة هي المدن التي على شاكلتها وصلتْ إلى حدود الدهشة والخيال ، مدن خلابة - مدن سحرية - مدن عاشتْ عصوراً ذهبية ،وتعيش اليوم أسوأ عصورها ،وربما تجاوزت ذلك ووصلت إلى حدّ الخرافة في أطوار تاريخها ، منها ينبعثُ عبقُ التاريخ والحضارة.

ربما يتساءل المرءُ ماذا في عامودا ، وبماذا تمتاز لا جغرافية ولا طبيعة حلوة ( ليست خلابة ولا سحرية) ولا هواءً نقيّا :في الصيف جافٌ وغبارٌ ، وفي الشتاء بردٌ ووحل .

أتساءلُ ماذا كان يشدُّ (رسول حمزاتوف )حتى يتغنى ببلده، ويكتب عنها أجمل الأبيات، ويكتب رواية "داغستان بلدي"

سؤال: مدينة ليستْ ككل المدن ، بل استثنائية  في مقاييس وخصائص المدن ، استثنائية بحضارتها القديمة - استثنائية في مستواها الثقافي - استثنائية بمجانينها - استثنائية بإبداع أبنائها - استثنائية في كثير من الاشياء.

عامودا في كم جملة :

 عامودا مجالس العلماء والشعراء 

عامودا المتوجة بالجدل والفقه والثقافة 

عامودا حركات التصوف والزهد

عامودا الحركات الفكرية والابداعية على الساحة .

عامودا الحكايات والخرافة 

 عامودا الصعاليك والحرفيين   .

عامودا القصف والحرائق ، طوشها وسينماها

 عامودا استراحة محارب 

 عامودا معبر القاجاغجيين

عامودا مقصد السياسين والفارين 

عامودا محطة المسافرين

 عامودا الاصالة على وجود الكرد 

عامودا الجغرافية المقسمة .

عامودا الوافد اليها لا يريد ان يبارحها والخارج منها تنهشه الحسرة والندم .

عامودا يجب عدم نسيان شرمولا .

سؤال :

كيف سيكونُ شكلُ المدينة حين يعودُ إليها كلُّ مَنْ هجرها ، مجردُ سؤال دون إجابة ،أو معادلة مستحيلة الحل ( الحلم وحده قادر على حله ).

عامودا تنادينا

تنادينا ذكرياتنا  وذكريات الطفولة المعذبة  .

أتذكر عندما كنا نتجوّل في تلك الحقول المحيطة وخاصة من جهة الشمال المجزأ ،ونتطلع إلى الطرف الآخر من الحدود ونحلم بالسير حتى وصول إلى سلسلة  تلك الجبال ، ولكنْ ، نجد أنفسنا مجبرين على التوقف، والاكتفاء بالتأمّل فقط ، و نكتفي بألم الحسرة على السير في تلك الطرق الجبلية وزيارة قرى أجدادنا .

الآن انقلبت الآية ،أجدُ نفسي في ذلك الطرف ،وأتأمّل عامودا بحسرة ،وأقفُ عاجزاً على سلك ذلك الطريق السهل الذي يؤدي الى بيتي .

 وأنا أتتبعُ بخطوات عيني في ذلك النهر الجاف الذي يدلّ على الكآبة والبؤس الذي يعاني منهما أبناؤها  ، بعدما كان جارياً ،وتجري معه أحلامنا وآمالنا ، تذكرت معها جرينا وراء سفينة من ورق كنا نصنعها ونتركها تسير مع الماء إلى أن تغرق ، لقد غرقت وغرقت معها تلك الخيالات، هكذا تخيلت وسرحت في لحظة تأمل ، وأنا أضغط برأسي على شباك الحافلة التي كانت تقلنا على طريق الحرير التي تمرّ بالقرب من عامودا من جهة سرخت  .

-        هوزان أمين : محرر موقع سما كرد

....................................

ملحق صور من عامودا :

31 كانون الثاني، 2010 06:59:00