Share |

عندما دخلنا عفرين .... مروان خورشيد

الشاعر مروان خورشيد
الشاعر مروان خورشيد

 

 

عندما دخلنا عفرين

أنا و الطبيعةُ 

و ظلُّ الله على البحيرةِ.. 

كانت إمرأة ترتدي الريحَ ،

و هي تقفزُ من فوق النهر بخفّةِ غزالة  

أخرى كانت ترتدي السماء ،

و هي تصعدُ سلالمَ الزيتون في مواسمِ القطاف ، 

ثالثة كانت تشيرٌ إلينا ،

حيث في كفيها تنامُ الأرضَ و السماءَ في الأبد.

في عفرين

شاعرٌ في قلبِ كهولته ،

يجلسٌ داخل المقهى ،

و يعدُّ خَسَاراتَهُ

ثم يحلقُ في السماءِ ،

يحلمُ بغدٍ ،

يربحُ فيهِ الأرضَ

التي سيحطُّ فيها جسدَه

بهدوءٍ

بهدوءٍ أكثرَ

بهدوءٍ أكثرَ أكثرَ في الأبد..

عفرين

عندما دخلناها

تركنَا خيطاً من الذهبِ ،

يلاحقُنا كي ندلَه على صاغةِ الحريرِ ،

في سوقِ الذهب. 

تركنَا جرحاً ،

بدون ملح يذوبُ في الماءِ. 

و تركنَا القرى تتوسدُ العشبَ ،

و تهطلٌ على ابنائِها 

كما المطر.

في عفرين

عدنان واحد مشتقٌ من العَدَنِ ،

لا يشبه جنتهه أي عَدَنٍ آخر.

يرقصُ في الألمِ ،

و يضحكُ في الجنازات و المآتم ،

ينزوي إلى التأملِ في الاعراسِ

عدنان

عمره من عمرِ شجرةٍ

أنجبتْ الكثيرَ من الأغاني ،

التي تركناها تنام في الحقول ،

ترعى بقاءنا من ذئابِ العدم.

في عفرين ،

شارعٌ بطولِ الحياة ، 

و بازارٌ بحجمِ الربح و الخسارة ، 

و مرات كثيرة 

(تيتي تيتي متل ما رحتي جيتي). 

في عفرين ، 

الشمسُ وحدها ، 

تبردُ أكثرَ من أي شيء آخر ،

لأن الأشجارُ تلفحَها بظلالٍ كثيرة ، 

و تحدَّ من شراستِها

على المزارعين. .

في مواسمِ التعبِ..

في عفرين ، 

صبايا تقطفهنَ الأزهارُ ، 

من شدةِ ما لديهنَ من الرحيقِ. 

صبايا يتطايرنَ ، 

تاركات الفراشاتَ تعجزُ عن اللحاق بهن. 

صبايا ،

تحول الأعراس إلى كرنفالات من الذهب ، و ليس للفضة أي أثر في كعوب أقدامهن ، 

غير أن الماءُ ينبثقُ منها 

حين تحطُّ خطاها في الأبد. 

في عفرين

تنامُ قريتي جووووقة

على سياجٍ من الألمِ ، 

و خضراءَ قلبها مثل وجودها ، 

و لن تفكرَ يوماً في العدمِ ،

تصحو قريتي ، 

على تلويحةِ عائدِ من السفرِ ، 

أو من المعتقلٍ ، 

و تغيب معه ، 

في الوردة التي أسماها قلبي 

و لم ينساها في " العنكورة " تغصّ في الوجع. 

في عفرين

الليلُ يعادل النهارَ تماماً ، 

فقط ثمّةَ عواءِ لكلابِ

قدموا من هزائمِهم ، 

ليزيدوا حجمَ الهزيمةِ على حسابِ دمنَا ، 

و هو الآن يرحلُ في العبثِ. 

في عفرين ، 

زيتونةُ أبي ، 

التي رحلَ تحتها صباحَ 29 شهر نوروز سنة 2000

تاركاً يديه ، و قلبَه ، 

بيضاءَ في سيرةِ أيامنا القادمات ، 

أبي الذي نامَ تحتَ زيتونة الأبد. 

في عفرين ،

أمي توزعُ كرزَ يديها على المارين ، 

و تتوسدُ عشبَ القرية في إنتظارِ عودتنا ،

من ناستفل 

من ابونغو

من بريمن

من بريمنهافن 

من برلين

من أربيل

من قامشلو

من كوباني

من حلب

من خيم الشهباء المتناثره على قيودِ الخراب.

أمي التي تنهضُ كل يوم ،

لتمشطَ صباحاتَ القرية بحريرِ قلبها ، 

و يديها تلوحان لغيابِ أبي ، 

خلف غيمات من تعب.

أخيراً في عفرين 

تجلسُ الطبيعةُ في الوجودِ ، 

و تبقى صامدة 

في وجه الريحِ 

و أن صارت عواصف و ضباع ، 

تجلس الطبيعة

تعيد تهذيب الخرائط ، 

و لا توقعها في يد الأعداء ، 

أو في يد غرباء عن الأرض و البلد.

 

 

-----

منقول من صفحة الشاعر على الفيسبوك