في كل شبر من روج آفا وُلد مثقف وكاتب كردي، يحمل بين ثنايا قلبه حبه لشعبه وقضيته الكردية التي يدافع عنها في كل سطر يخطّه قلمه، وخالص مسور أحد هؤلاء الكتّاب، ولتسليط الضوء على أهم محطات حياته، وما قام ويقوم به من أجل خدمة الثقافة الكردية، أجرت صحيفة الاتحاد الديمقراطي حواراً معه، وإليكم نص الحوار:
من هو خالص مسور، حبذا لو تحدثنا عن حياتك ودراستك، وفي أي بيئة ترعرعت؟-
ولدت في قرية “جودارا” التابعة لناحية عامودا، من مواليد1951، انتقلت مع عائلتي إلى قرية “حوفا”، حيث عشت وترعرعت بين ربوع وأحضان طبيعتها، ولم تكن البيئة التي عشت فيها بيئة ثقافية إلا إن والدي كان محباً للعلم بشكل كبير وكان يشجعني على القراءة دائماً.
وتابع: درست الابتدائية في مدارس قرى “كرديوان، عنز، وهرمي عربا”، ولحبي الجم للقراءة، تعلمت الألفبائية الكردية” لـ “أوصمان صبري” عندما كنت في الصف السادس، ودرست الصف السابع في مدرسة “أبي العلاء المعري” بعامودا، بعدها انتقلت إلى مدرسة “عربستان” بقامشلو ودرست فيها حتى البكلوريا، ثم سجلت “الجغرافية” في جامعة دمشق وتخرجت منها بتفوق سنة 1977.
وخلال دراستي الجامعية في دمشق بنيت صداقات كثيرة مع أصدقاء من قوميات أخرى، وكنت أحدثهم عن الشعب الكردي وحقوقه بكل شجاعة، وأقولها دائماً: “على الكرد أن يتحدثوا عن قضيتهم ويطرحونها بكل جرأة ودون خوف كوننا أصحاب حق وعلينا الدفاع عن حقوق شعبنا”.
وأضاف: بعد تخرجي تعيّنت في عدة قرى إلى أن انتقلت إلى قامشلو ودرّست في مدارس “حاتم الطائي، صالح عبدي، مدرسة الطلائع، العروبة، ومدرسة عربستان التي بقيت أدرّس فيها حتى التقاعد عام 2001.
وعند بداية الثورة في روج آفا كان “خالص مسور” من أوائل المطالبين بإعطاء دروس باللغة الكردية في المدارس، حيث تم آنذاك عقد اجتماع بحضور العديد من المدرسين لتأسيس اتحاد المعلمين، وقاموا بترشيحه وترأسَ الاتحاد، وحول ذلك قال مسور لصحيفتنا:
عندما ترأست اتحاد المعلمين، كنت أفكر كيف لي أن أخدم لغتي وقضيتي الكردية، لذا قررت أنا وبعض من الرفاق أن نقوم بفتح المدارس وتدريس اللغة الكردية حتى وإن كان بالقوة، وقمنا بتعيين مدير على كل مدرسة، إلا انه تم إغلاق المدارس حينها بقرار من النظام، وكنا نجتمع كل شهر كـ “مؤسسة المجتمع المدني” والتي كانت تضم أحزاب وتنظيمات عدة، واقترحت هناك أن نقوم بلقاء الجهات المعنية في مدينة الحسكة والتحدث باسمنا جميعاً، فذهبت مع آخرين، وطالبنا بتدريس اللغة الكردية وبعد حديثنا عن حقنا بتعلم لغتنا الأم، تمت الموافقة على افتتاح المدارس وتدريس اللغة الكردية في ثلاث حصص وكان هذا في عام 2011.
وعن سؤالنا حول الهيئات الثقافية التي ترأسها ولعب فيها دوراً فعالاً، قال مسور-
بعد رئاسة اتحاد المعلمين، تم انتخابي للرئاسة المشتركة لاتحاد مثقفي الجزيرة، وبقيت في رئاسة الاتحاد حوالي السنة، وإلى الآن أنا عضو فيه، كما قمت بإعطاء دروس لمدة أربع سنوات في أكاديمية ميزوبوتاميا.
وأضاف: الآن أقوم بإعطاء الدروس في كلية العلوم والتربية بجامعة روج آفا، إلى جانب إعطاء محاضرات عن تاريخ الأديان في أكاديمية الإسلام الديمقراطي.
? fm وحول تجربته بتقديم برنامج “الشعر والنقد” على راديو “بوير“، قال مسور:
من خلال هذا البرنامج نقوم بتسليط الضوء على الضعف والسلبيات التي يعاني منها النص الشعري لأحد من الشعراء، على عكس ما كان متداولاً عند النقاد سواء كرد، عرب، فرس..”، فمن خلال هذا البرنامج لا ننقد شخص الشاعر إنما ننقد الجانب الضعيف من شعره، وقلتها كثيراً “لا أحد فوق النقد، ولا فحول بعد اليوم”، ولاقى هذا البرنامج تشجيعاً كبيراً، فيجب على القراء أيضاً ألا يتأثروا بشخص الكاتب بل عليهم إعطاء رأيهم بشعره بكل صراحة إن كان من الجانب الإيجابي أو السلبي، وذلك لرفع مستوى الشعر.
وأشار إلى أنهم بصدد التحضير لبرنامج آخر على ذات الإذاعة وسيتم بثه قريباً، وسيتم من خلاله التحدث عن تاريخ كردستان منذ القديم والإمارات الكردية حتى وقتنا الحالي، وسيكون هذا البرنامج ذو فائدة ليعلم الجميع حول التاريخ الكردي.
هلّا تحدثنا حول الجمعية التي قمتم بتأسيسها منذ فترة وعن هدفكم منها ؟-
قبل عدة أشهر طرحتُ فكرة لتأسيس جمعية كما في الدول الغربية، تحت اسم “خريجي الجامعات السورية في إقليم الجزيرة”، والآن تم إنشاء هذه الجمعية وأخذنا رخصة لها، وتم عقد اجتماع وتم اختياري لرئاستها. وهذه الجمعية تم تأسيسها بهدف تمويل الأبحاث التي يطرحها ويعمل فيها الخريجين المسجلين ضمن الجمعية والذين هم ذو شهادات عالية المستوى كالدكتوراه، حيث ندافع عن حقوقهم ونموّل أبحاثهم العلمية ودعمهم للتعريف بهويتنا وتاريخنا الكردي.
وتابع: إلى الآن لم نختر مكاناً لهذه الجمعية كوننا لم نحصل على التمويل لها بعد، وهناك الكثير من الجمعيات والمنظمات في الخارج قادرة على تمويل مشروعنا هذا، إلا إننا نرغب بأن يكون تمويلنا من الداخل، ولاقت هذه الجمعية تشجيعاً كبيراً من قبل الجميع.
وأضاف: نعم هناك الكثير ممن يتحدثون عن تاريخنا الكردي إلا إنه ليس بالمستوى المطلوب، لذا أتوجه من خلال الصحيفة بالنداء إلى جميع الكرد الذين لديهم شهادات في الآثار أو التاريخ، القيام بأبحاث تخص تاريخنا، لأنه من الأجدر أن يكون الكرد أنفسهم هم القاصين والمسطّرين للتاريخ الكردي.
وبالحديث عن بدايته في الكتابة وتأليف الكتب، قال الكاتب خالص مسور:-
بدأت بكتابة المقالات بشكل مبكر نوعاً ما في سنتي الجامعية الأولى، ونشرت مقالاتي في عدة مواقع، وبدأت بتأليف أول كتاب لي في عام ١٩٧٤ تحت اسم “الاقتباس والجنس في التوراة”، كتيب صغير يتناول قصص التوراة، واستطعت أن استخلص قصص كردية موجودة في التوراة، وأوضحت من خلال مقال لي التشابه بين قصة “شمشون الجبار” وقصة “سيامندِ كُري، سيامند وخجي”، وظل كتاب “الاقتباس والجنس في التوراة” سنوات دون طباعة إلى أن طبعته في دمشق عام ١٩٨٠.
وتابع حديثه قائلاً: بعد ذلك بدأت بترجمة كتب الشاعر “جكر خوين”، حيث له ثلاثة كتب عن تاريخ كردستان قمت بترجمتها من اللغة الكردية إلى العربية لنشر التاريخ الكردي وإيصاله إلى الجميع، وترجمت الكتاب الثالث من سلسة كتب تاريخ كردستان له بعنوان “الدولة الأيوبية الكردية”، وطبع حوالي الألفين نسخة منه، وكان له رواجاً كبيراً، كما انه لدي الآن كتب جاهزة للطبع.
وبالعودة إلى سبب تأليفه لكتب عن النقد قال الكاتب والناقد خالص مسور-
عندما نقوم بنقد شاعر ما من خلال دراسة نقدية عنه، ثم يأتي ناقد آخر ينقد نقدنا للشعر، نسمي هذا بـ “نقد النقد”، فقمت بتأليف كتاب باسم “عائد من التيه”، نقدت من خلاله نقد البعض لشعر شعراء روج آفا، لا انتقاص لشخص الناقد أو رداً عليه إنما لتصحيح بعض المواقف، وألفته منذ حوالي الأربعة سنوات حول “نقد النقد”، ولقى رواجاً كبيراً أيضاً.
وتابع: منذ سنتين قمت بطبع كتاب “دراسات وأبحاث في الشعر والنقد”، وأنصح الشعراء بقراءته والاستفادة منه، كون شعراءنا لديهم من الإبداع ما يكفي لتوظيفه في خدمة الشعر وتصقيل مواهبهم وإبداعاتهم من خلال القراءة لشعراء كُثر، وآخر مؤلفاتي كان في العام الماضي وهو كتاب “في روج آفا”، باللغة الكردية، وقام اتحاد المثقفين بطباعته وتم عرضه في معرض الكتاب، واستطيع القول بأن هذا الكتاب يعتبر الأول في الدراسات النقدية باللغة الكردية.
وحول كتاب “في روج آفا”، أشار الناقد خالص مسور:-
واجهت صعوبة في كتابته، لأنه لا توجد مصطلحات نقدية باللغة الكردية كما المصطلحات النقدية العربية كـ “الالتفات، المعادل الموضوعي،..”، لذا اضطررت لكتابة مصطلح كردي ومصطلح عربي إلى جانبه، ليعلم القارئ ما كنت أقصده، لأنه كما ذكرت لا توجد مصلحات كردية نقدية يستطيع الكاتب أن يوظفها في خدمة النقد بالشكل الصحيح، لذا أطالب بإنشاء مجمع للغة الكردية، من قبل مختصين لتلافي هذا الأمر ونلجأ إلى المجمع عند حاجتنا إلى المصطلحات سواء أكانت نقدية أو غيرها ليستخدم الكرد جميعاً المصطلحات ذاتها بدون الحاجة إلى أي لغة أخرى.
كما أدعو نقادنا الكتابة باللغة الكردية وبمصطلحات كردية، ليسهل ذلك الأمر أمام الشعراء الذين يكتبون باللغة الكردية ولا يفهمون المصطلحات النقدية العربية، وكما أنه على الشعراء تقبل النقد لأن من لديه ثقة بنفسه وبأشعاره يتقبل النقد بكل رحابة صدر، وذلك لتفادي نقاط الضعف في شعره.
– ما رأي الكاتب خالص مسور بالواقع الثقافي الكردي، وهل يساهم المثقفين الكرد بنشر الثقافة والتاريخ الكردي بالشكل المطلوب ؟
كانت النهضة الثقافي الكردية ضعيفة، إلا أنه بعد الثورة بدأت بالتنشيط بشكل أفضل، وما زالت تحبو في بداياتها ولم تصل إلى المستوى المطلوب من التقدم والتطور، فما زال هناك ضعف في الثقافة والتأليف الكردي، وهناك خطوات يجب اتخاذها لتطورها وتقدمها، وباعتقادي أن الثقافة الكردية تتقدم شيئاً فشيئاً، وسنكون بعد عدة سنوات أمام نهضة ثقافية كبيرة، كون هناك الكثير من الكتّاب ممن حافظوا ولا زالوا يحافظون على التراث لترسيخ ثقافة الشعب الكردي وفلكلوره.
ورداً على سؤالنا حول توصياته للفئة المثقفة الشابة، أجاب الكاتب خالص مسور:-
على الفئة الشابة تنمية المواهب التي لديهم بجدية، والاهتمام بثقافتهم الكردية بشكل حماسي لأن الثقافة هي رأسمال أي شعب، فالشعب الذي بدون ثقافة شعب ميت، وكلما نتقدم بالثقافة تتقدم إنسانيتنا، كون الثقافة تخلق وعي كبير لدى الفرد.
وأضاف مسور: على الشباب الذين يرون في أنفسهم موهبة من أي ناحية كانت، تنميتها وتطويرها من خلال حضور وندوات لتصقيل تلك الموهبة وتوجيهها في خدمة الثقافة الكردية، وأن يضع خطة للوصول إلى مستوى عال من المعرفة، للمساهمة في تطوير وترسيخ ثقافتنا وقيادة المجتمع نحو الوعي والتقدم.
وفي ختام حديثه أكد الكاتب والناقد خالص مسور:-
على كل من لديه ميول إبداعية في أي جانب كان سواء النقد أو غيره أن ينميه، ليصل إلى هدفه ومبتغاه برفع مستواه الثقافي والحفاظ على التاريخ الكردي من الضياع والاندثار، وكما يقول لينين: “المثقفون عيون مجتمعاتهم”، لذا على المثقف أن يحارب بقلمه كما يحارب المقاتل بسلاحه في الجبهات، فالمحاربة بالقلم لا تقل أهمية وتأثيراً في الشعوب عن المحاربة بالسلاح.
كما دعا المرأة الكردية بالانفتاح الثقافي والمشاركة في كافة النشاطات والفعاليات الثقافية للمحافظة على التراث والثقافة الكردية.
حوار وإعداد: دلناز دلي