اعداد: هوزان أمين - الزائر لمدينة دهوك على طريق اربيل لا بد له من البداية مشاهدة احدى الحصون الكبيرة والواقعة في شرق مدينة دهوك وعلى مفترق طريق استراتيجي حيث يربط مدينة دهوك بمحافظة اربيل وكذلك بالمناطق الشرقي الشمالية كالعمادية وغيرها من الاقضية،
ومن المعروف غالباً ان القلاع والحصون قديماً وحديثاً كانت تبنى على مرتفعات وتلال عالية ولكن بالنسبة لقلعة نزاركي فالامر يختلف حيث بنيت في منطقة منخفضة جغرافياً مقارنة مع ما يحيط بها من جبال ومرتفعات ورغم ذلك يمكن للزائررؤيتها، نظراً لكبر حجمها وطريقة بنائها الذي يشبه معظم القلاع في المدن والقصبات الاستراتيجية المهمة بالنسبة للنظام سواء في كوردستان او في جنوب العراق والتي بنيت في بداية السبعينات من القرن الماضي حيث كانت تستعمل لاغراض عسكرية او لغرض السجن وحبس الاناس الابرياء.
بنيت هذه القلعة في بداية السبعينيات واستعملت لغاية عام 1976 كثكنة عسكرية من قبل نظام البعث الحاكم آنذاك، ولتزويد الجنود المحاربين بالامدادات والمواد اللازمة لهم اثناء الحروب، وفي نهاية الثمانينات تم تم تحويلها إلى سجن للعائلات الكوردية أثناء حملات الأنفال، وبعد حرب الخليج الأولى عام 1990 والانتفاضة الكوردية المظفرة عام 1991 والتي انتفض فيها الشعب والبيشمركة معاً في وجه الظلم والعدوان واستطاع تحرير المناطق الكوردية من حكم النظام البعثي أصبحت تلك القلعة ملاذاً للأكراد العائدين من تركيا وإيران والذين كانوا قد فروا من بطش النظام زمن الانفال والقصف والحرب.
سميت في بداية الامر بقلعة دهوك ولكن تسميتها بقلعة نزاركي هي تسمية شعبية جاءت لمجاورتها قرية نزاركي،يمكن لكل انسان ان يشاهد جبروت هذا البناء الشاهق الذي كانت في يوم من الايام حصن من حصون النظام البائد،حيث يغطي البناء مساحة (15) ألف مترمربع، مؤلفة من 80 غرف متعددة الاحجام و يتوسطها باحة واسعة شهدت على قتل وتعذيب الرجال امام انظار الاطفال والنساء.
الجانب الغربي للقلعة يضم عشرات النوافذ الصغيرة كانوا يستخدمونها للمراقبة، وما زالت الجدران الداخلية تحتفظ بشعارات حزب البعث السابق، المليئة بالحقد والضغينة للشعب الكوردي، بقيت هكذا لتكون شاهداً على اقترفته تلك الايادي النجسة بحق الابرياء .
حملة الانفال :
عمليات الأنفال أو حملة الأنفال هي إحدى عمليات الإبادة جماعية التي قام بها النظام العراقي البائد وهي احدى اكبر جرائم نظام صدام حسين الذي حكم العراق والذي استمر نحو ثلاثة عقود، ونفذت حملات الانفال العسكرية على دفعتين الاولى عام 1987 بشكل متقطع، والثانية بشكل منتظم بدأت في عام 1988 حيث كان الكورد في نظر الحكومة العراقية انذاك مصدر تهديد وقلق لهم وقد سميت الحملة بالأنفال نسبة للسورة رقم 8 من القرآن الكريم. و(الأنفال) تعني الغنائم أو الأسلاب، وفي تلك الحملات التي راح ضحيتها خلال العمليات وبحسب بعض المصادر الكوردية الى مقتل اكثر من 180 الف كوردي، وما المقابر الجماعية التي تكتشف اليوم في صحاري جنوب العراق لدليل قاطع على تلك الحملات التي استمرت قرابة العامين.
القلعة بشكل عام اصبحت كالبيوت القديمة والمسكونة بالاشباح حيث يحمل في طياته الكثير من قصص الحزن المؤلمة، والتي أحتضنت العوائل الكوردية المهجورة قسراً بعد تعرضهم لحملات الأنفال حيث يجري العمل اليوم على ترميمها ومن ثم تحويلها الى متحف خاص لابراز تلك الجرائم وتذكيرها بأهالي المنطقة وعرضها امام العالم، لتجسيد وتمثيل معاناة المعتقلين آنذاك،وسيكون بمثابة منبر لتجسد الذاكرة الجمعية للشعب الكوردي، حيث جاري العمل عليه ويتم ترميمه وسيصمم بشكلجديد يشابه متحف الهولوكوست والتي استخدمها المانيا النازية لحرق اليهود، وكذلك بهدف توثيق عمليات الانفال التي شهدتها هذه القلعة والتي استخدمت من قبل النظام العراقي السابق كموقع لاعتقال مئات العوائل الكوردية وتعذيبهم فيها.
المشرف العام كوهدار صلاح الدين يتحدث عن القلعة
لتسليط الضوء على هذا المشروع القّيم ومعرفة اهميته التقينا بالفنان التشكيلي كوهدار صلاح الدين المشرف على القلعة، حيث اجاب على اسئلتنا المتعلقة بهذه القلعة وخاصة من ناحية متى نشأت فكرة تحويل القلعة الى متحف لحفظ ذاكرة الشعب وتذكيرها دوماً بهذه المأساة الانسانية، حيث قال " برزت فكرة تحويل القلعة الى متحف عام 2009، حيث كان مشروع هدم القلعة مقترحاً، وكانت تؤي قرابة 250 عائلة عائدة من ايران وتركيا بعد ان كانوا فروا من بطش النظام السابق، ولكن بعد زيارة قام بها الى المانيا المدير العام السابق للثقافة والفنون والشباب والرياضة السيد عادل حسن، واثناء تجوالنا في بعض المتاحف والقلاع التي تذكر الشعب الالماني بالمجازر التي ارتكبها النظام ابان حقبة النازية، تحدثنا هناك عن قلعة نزاركي و مسألة تحويلها الى متحف للذاكرة، كما الهولوكوست حيث يتذكرها الشعب اليهودي على مر العقود، خاصة ان بناء القلعة و كبر حجمها ملائم لذلك كما انها شهدت انتهاء حملة الانفال الاخيرة في الثمانينات، كما انها شاهد على اعتقال ومقتل وتعذيب العديد من المؤنفلين، حيث كان يتم اعتقال الناس في الجبال ويتم جمعهم في قلعة نزاركي التي نحن بصددها ويتم فرزهم وتصنيفهم ومن ثم كانوا يرحلون الى مجمعات في مناطق اخرى ومنها كانوا يدفعون بهم الى الجنوب لدفنهم في مقابر جماعية.
اذاً لهذه القلعة دوراً مهماً في حملة الانفال في منطقة بهدينان وهي شاهد حي على كل تلك الجرائم التي ارتكبها النظام البائد، يستمر كوهدار بالحديث قائلاً" كما ذكرت وحسب ذلك اللقاء بدأت الفكرة، طلب مني آنذاك السيد عادل حسن بدراسة المشروع واجراء الابحاث والتصاميم ومراجعة المختصين، على ان يذهب هو ويدرس الموضوع مع محافظ دهوك السيد تمر رمضان، بعد عودته بفترة وجيزة اتصل بي وقال نتمنى قدومكم لدراسة الموضوع عن كثب ومشاهدة الموقع عن قرب، قدمت بصحبة عالم الآثار والمهندس المعماري الالماني اسمه كارستن بورغ، وعملنا كونفرانساً صحفياً حضره ذوي الاختصاص من اكاديميين ومثقفين ومهندسين حول الامر، لغاية شهر 12 من عام 2009 تم اقرار المشروع وبدأنا بالتنفيذ بداية عام 2010 "
تعويض الساكنين في القلعة، كانت الخطوة الاولى التي تعترض بدأ المشروع ارضاء العوائل القاطنة بالقلعة تلك العوائل التي ذاقت الامرين من قبل النظام السابق، وكذلك معاناتهم بعد عودتهم من تركيا وايران واتخاذ القلعة كملجئ لهم لغاية تسوية اوضاعهم إلا ان السكن طال وبقي مكانهم ومسكنهم تلك القلعة، عمدت محافظة دهوك على تعويض تلك العوائل التي كان يقدر عددهم بـ 250 عائلة بمبلغ مالي لكي يتسنى لهم الخروج من القلعة وايجاد مساكن بديلة لهم، وهكذا تم افراغ القلعة من ساكنيها ومن ثم البدء بالمشروع .
وبعد مرور اكثر من عامين على بدأ تنفيذ ترميم القلعة ما هي المراحل التي وصلت اليها اجاب قائلاً" كانت القلعة قذرة جداً ومليئة بالاوساخ حاولنا منذ الخطوة الاولى تنظيف القلعة من تلك الاوساخ، وقد قمنا بترميم الاماكن التي تعرضت للهدم والتخريب، ووصلنا المرحلة الثانية في المشروع وهي المرحلة ما قبل النهائية، حيث سيّر الترميم حسب الخطة التي رسمت، تم الانتهاء من التصاميم والمخططات، ويتم العمل اليوم على تمديد الكهرباء، والتحضير لقاعات العرض وتقسيم البناء ادارياً، حيث تم انشاء قاعة للمحاضرات وقاعة للسينما، وكذلك نولي اهمية كبيرة للاطفال، لانهم الجيل الذي يكبر ويتطلب منه عدم نسيان ما تعرض له اجداده لويلات، وهنا يكمن دور هذا المتحف بتوضيحه وتعريفه له، لتبقى هذه الجريمة حاضرة في أذهان الأجيال لكي لا تتكرر "
وفي نهاية حديثه اكد الفنان كوهدار ان العمل جاري على قدم وساق ونطمح الى انهاء الترميمات خلال العام القادم، ومن ثم يتم العمل على وضع ديكور واضاءة ملائمة للمتحف وتزويدها بكافة المستلزمات والاكسسوارات.
تم الحفاظ على الهيكل الخارجي للقلعة بشكلها الطبيعي وتم وضع التصاميم الداخلية للمتحف بشكل فني وفق النماذج المعاصرة، حيث ستكون هناك قاعات لعرض صور وبروفايلات مرتكبي جرائم الأنفال وكذلك لمن تعرض للانفال وهناك قاعات لعرض أفلام وثائقية والكثير من الاقسام الاخرى التي ستحتوي على ما تبقى من تلك الحملات سواء البسة او اوراق ومستندات وادوات التعذيب وتمثيليها عبر مجسمات، والشيئ المثير في هذا المتحف هو كتابة القصص المأساوية التي جرت داخل القلعة على جدرانها وفي مواقع ارتكابها بشكل فني فالقصص التي رويت عن القلعة وما جرى فيها معظمها مأساوية ومروعة وجدرانها تختزن الكثير من تلك القصص، لتبقى هذه القلعة شاهداً حياً على اقترفته ايادي الظلم بحق الشعب الكوردي، وهذه المآسي التي ارتكبت بحق الشعب الكوردي والتي تشبه لما تعرض له الشعب اليهودي في المانيا، وكذلك لما تعرض له العديد من شعوب العالم للجينوسايد والأبادة الجماعية .
كوهدار صلاح الدين من مواليد مدينة دهوك عام 1967 وخريج معهد الفنون الجميلة في بغداد قسم الغرافيك، وهو فنان تشكيلي واقام العديد من المعارض الفردية والجماعية، وهو احد مؤسسي معهد الفنون الجميلة في دهوك، نتيجه تعلقه وحبه لمدينته دهوك ووطنه كوردستان عاد اليها بعد سنوات طويلة عاشها في الغربة.
المصدر : جريدة التآخي -العدد والتاريخ: 6620 ، 2013-07-09