رداً على مقال: (كردستان وخطابها العربي) لكفاح محمود
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من أقوال حكماء الشرق:
(إنني أفتح نوافذ بيتي على كل الثقافات، لكنني لا أسمح لواحدة منها أن تقتلعني من جذوري). {المهاتما غاندي}
(أجمل شيء في الحياة هو القضاء على الأعداء الأقوياء الذين اضطهدوا شعبي، واعتقلوهم، وقتلوهم، والتفرجعليهم وهم يتساقطون...). {جنكيز خان}
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قرأت مقالة الأستاذ الكبير كفاح محمود كريم الموسومة: (كردستان وخطابها العربي)، واستنتجت من خلالها مدى قصور الخطاب الكردي على الولوج إلى الفضاء العربي المتعطش لمعرفة المزيد عن الكرد: قضية، وتاريخاً، وجغرافية، وشعباً، وفلكلوراً.
أقول بأن الإعلام الناجح يحتاج الى ذراعيين، وهما: التمويل المالي، والكفاءات الإعلامية، ولا أخال أن إقليم كردستان العراق على وجه الخصوص عاجزاً عن توفير هذين الذراعيين، فبفضل الله وحمده يمتلك الإقليم موازنة ضخمة - يحسده عليها الكثيرون- وتقدر لهذا العام بنحو (18) مليار دولار، ولا ننكر أن الإقليم يشهد اليوم نهضة عمرانية واقتصادية وسياحية وتعليمية واعدة، كما تتوافر فيه عشرات الكوادر الفنية والإعلامية، ورجالات فكر وسياسة قادرة على مخاطبة الرأي العام العربي والتركي والإيراني والعالمي.
أضرب لكم أمثلة واقعية تبين مدى غياب المعرفة الحقيقية بالقضية الكردية لدى المواطن العربي، وجهل الكثير بتداعيات تلك القضية: تاريخا وشعبا وجغرافيا، وعن أحقية الشعب الكردي في الحرية والاستقلال مثل بقية شعوب العالم، وهذه الأمثلة حدثت معي بالذات بصفتي مواطناً أردنياً كردياً نتيجة خوضي في جدالات ونقاشات وحوارات ومهاترات مع مختلف الشرائح المثقفة والعادية حول القضايا الكردية الساخنة التي كانت تتداولها وسائل الإعلام، فكان غالبيتهم يتخذون مواقف سلبية ضد الأكراد؛ لأنهم سمعوها من الإعلام المعادي للكرد، أو بسبب غياب الحقائق عنهم وجهلهم بالصحيح منها، ومن هذه القصص والشواهد التي أتذكرها منذ أيام الطفولة البريئة عندما ذهبت الى العيادة الطبية في قريتي للعلاج، وهناك سألني موظف الصحة: ما هو أصلك؟ فقلت له: أنا كردي. فقال: هذا غير صحيح ؟! أن أصلك يهودي. عندها غضبت جداً وأسرعت إلى والدي استوضح عن هويتي، فقال: يا بني لا تصدقه.... أنه يمزح معك...! لكن كلماته العنصرية تركت في نفسي تساؤلات كثيرة لم أنساها الى اليوم، ودعتني أتسأل : لماذا تجنى على هويتي القومية، هل كرهاً باليهود أم بالكرد؟ وأعتقد بأن الأمر الثاني هو الصواب.
وعندما غزا صدام حسين دولة الكويت عام 1990م كنت ممن شجب هذا العدوان السافر على بلد عربي وقف معه في حرب الثماني سنوات، ويسجل لهذه الدولة كل الشكر والعرفان لأنها كانت راعية للثقافة العربية؛ فهي التي تزود العالم العربي مطلع كل شهر بمنشورات قيمة من مجلة (العربي) وسلاسل عالم الفكر والمعرفة والمسرح العالمي... وقد راهنت منذ ذلك الحين أن صدام وقع في المصيدة وسيهزم في الحلبة السياسية... وهكذا حصل، وبصدد ذلك دخلت في نقاش حاد مع شاعر من خريجي جامعات البعث في العراق نددت أمامه بهمجية هذا الغزو على الشعب الكويتي الأعزل، وما قام به النظام البعثي من حملة الأنفال، وضرب مدينة حلبجة بالكيماوي، وقتله آلاف من الأكراد، وكاد النقاش يصل إلى التشابك بالأيدي، ثم أخذ يكيل التهم والشتائم للأكراد، وقال: والله لو أنني صاحب قرار لسحبت الجنسية عنكم في هذا البلد.
وبعد إعدام صدام التقيت بأحد المعارف، وكان الغضب بادياً على وجه بعكس وجهي المتهلل، فأخذ يعاتبني وقال: والله لو قدر لنا أن نحكم العراق مرة أخرى سنحرق كل أقاربك الأكراد بالديزل؟.
كما حضرت إحدى حوارات مركز للدراسات في عمان فطرح احد المشاركين سؤالاً على المسؤول الكردي العراقي: لماذا غدت أربيل اليوم وكراً للموساد الصهيوني الذين يديرون معسكرات للتدريب في كردستان العراق، ولماذا تحرمون تدريس اللغة العربية في مدارسكم؟
وحدثني صديق من خريجي جامعة بغداد بأن الذي ضرب حلبجة بالكيماوي هي إيران وليس القائد الملهم صدام حسين، وأنه بريء منها براءة الذئب من دم النبي يوسف ....وهناك عشرات من هذه الأخبار والقصص المغلوطة بحق الشعب الكردي وقضيته العادلة تتداولها وسائل الإعلام من صحافة ومجلات وإذاعات وفضائيات، ويرددها المثقف قبل الفرد العادي، والسبب هو عدم توفر وسائل إعلام كردية تأخذ على عاتقها توضيح الحقائق، وتقديم المعلومات المقنعة، والموثقة، والحديثة الى المواطن في العالم العربي. فلو توفرت وسائل إعلام قوية لتمكنت من تصحيح هذه المغالطات والأوهام ولتغيرت النظرة الى الأفضل....
أقولها بصدق- وأجري على الله- : لا توجد لدى أكثرية المثقفين والمواطنين العرب وحتى الأكراد القاطنين في العالم العربي معلومات مفصلة وشاملة عن القضية الكردية ولا عن كردستان: شعبا وتاريخا وفلكلورا وجغرافية، والسبب يعود إلى قصور الخطاب الكردي في إيصال صوته الى العالم العربي، أضف الى ذلك ما فعله البعثيون على مدار خمسين سنة من تشويه ومغالطات لطمس الهوية الكردية في العراق وسوريا، وصوروا الكرد من خلال إعلامهم في ذهن العربي بأنهم جماعات مهاجرة هبطت من كوكب المريخ على أرض العراق وسوريا في مطلع القرن العشرين، وهم: متمردون، انفصاليون، يعملون ضد القومية العربية، عملاء للصهيونية والغرب... تصوروا كيف حسد البعثيون الأكراد على شرف انتساب البطل صلاح الدين الأيوبي إليهم، فشككوا في كرديته، ووضع المنافقون منهم كتباً لسرقة نسبه، وادعوا فيها أن صلاح الدين أموي عربي النسب والحسب من رأسه حتى أخمص قدميه.
وهنا سؤال يطرح ذاته: هل هناك من خطوات تصحح هذه الأوهام التي علقت بالذهن العربي، وتجعله يعرف الشعب الكردي وقضيته بصورة واضحة وغير مشوشة...؟
الجواب: نعم، هناك جملة خطوات يمكن إذا تم التعامل معها وأتباعها من النجاح في إيصال الخطاب الكردي إلى الرأي العام العربي، فالجميع من عرب وكرد يدركان أنهما جاران عزيزان في الجغرافيا، ويشتركان معاً في الدين الواحد، وفي التاريخ المشترك، ولهما عادات وتقاليد متشابهة يجمعها النخوة والكرم والشرف والرجولة، وأن قدرهما أن يعيشان معاً، ويذوقان المرارة والحلاوة في منطقة الشرق الأوسط الحبلى بالأحداث والأشجان. لذا يجب إزالة ما علق بهذه العلاقات التاريخية الوطيدة من شوائب وأوهام حتى نجدد ونعيد بناء علاقات عربية- كردية وثيقة يسودها الأخوة والمحبة والتعاون، وأتذكر هنا مقولة المرحوم عبد الرحمن عزام أمين عام جامعة الدول العربية السابق حين قال:" أن الأكراد هم أخوة لنا على مدار التاريخ، ولا يمكن أن يأتي الأذى من جانبهم"، ومن منا لا يحفظ قصيدة شاعر العرب الأكبر المرحوم محمد مهدي الجواهري:
قلبي لكردستانَ يهدى والفـمُ ولقد يجودُ بأصغريهِ المعدمُ
شعبٌ دعائمهُ الجماجمُ والدمُ تتحطـمُ الدنيا ولا يتحطمُ
أولاً: تأسيس محطة فضائية كردية تبث باللغة العربية على مدار الساعة، تكون مزودة بالكوادر الفنية وإعلامية وإدارية قديرة، ولها مندوبين في مختلف العواصم العربية تكون حلقة وصل بين الطرفين، بحيث تقدم البرامج الإخبارية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية عن أقاليم كردستان الأربعة، وتبث برامج وحوارات وأفلام وثائقية تعرض فيها القضية الكردية بكافة جوانبها، وتعرف بتاريخ الكرد، وعاداتهم، وتقاليدهم، وفلكلورهم، وأديانهم، والمؤامرات الدولية التي تكالبت على قضيتهم، والتعريف بالكرد داخل كردستان وخارجها، وعمل أفلام وثائقية عن أكراد المهجر في لبنان والأردن ومصر وليبيا وتشاد وأوربا وأمريكا واستراليا والهند وأفغانستان وخرسان وقرغزستان وأذربيجان وأرمينيا وجورجيا وروسيا الاتحادية وكازاخستان... واستضافة مفكرين وسياسيين عرب لمناقشة الكثير من القضايا المشتركة من أجل بناء علاقات متينة بين الجانبين، مع التوصية بإلغاء بعض الفضائيات الكردية التي تبث بالعربية لأنها تقدم برامج عامة لا تخدم القضية الكردية، وتكبد الإقليم مبالغ طائلة.
ثانيا: ضرورة توزيع ما يصدر في إقليم كردستان العراق من مجلات وصحف وكتب تصدر بالعربية الى مختلف العواصم العربية كجريدة الاتحاد والتآخي والصوت الآخر وسردم العربي...ليطلع المواطن العربي على أخبار الإقليم بشكل يومي.
وكذلك تزويد مكتبات الجامعات العربية ومراكز البحوث والدراسات العربية والمكتبات العامة بالمؤلفات الكردية التي تنشر باللغة العربية من قبل دور النشر في مدن اربيل ودهوك والسليمانية ودار الثقافة الكردية ببغداد، مما يمكن القارئ والصحفي والباحث والمثقف العربي من الإطلاع عليها والاستفادة منها؛ لأن المكتبات العربية العامة والجامعية فقيرة بالكتاب الكردي المتنوع من تاريخ وجغرافية وأدب وشعر وقصة ورواية ومسرح، وأتذكر كيف كانت طالبة الماجستير حائرة تبحث عن (الشرفنامة) ولم تجدها في المكتبات الأردنية حتى اهتدت اليّ بعد مشقة وأعرتها ذلك الكتاب!
ثالثا: ضرورة تأسيس فرقة فنية فلكلورية كردية متميزة تكون تحت رعاية وزارة ثقافة الإقليم بحيث تشارك هذه الفرقة في المهرجانات العربية المختلفة، ويكون لها حضور شبه دائم على مسارح القاهرة وجرش وعمان وبعلبك ودمشق ودبي والشارقة والكويت ومسقط ... فقد ثبت أن الفرق الشعبية الفلكلورية لها دور كبير في تعريف الآخرين بثقافة وفلكلور الشعب الذي تمثله......
رابعا: ضرورة تغيير نهج المهرجانات الثقافية والأدبية التي تقام في مدن الإقليم، فهذه المهرجانات لا يصل صداها الى العالم العربي، وتقتصر المشاركة فيها على أسماء محددة ومكررة كل عام، وكم تعج ردهات الفنادق بعشرات الوفود المشاركة دون أن تقدم أية دراسات أو أبحاثاً تنعكس بالفائدة على القضية الكردية، بالإضافة الى هدر الأموال الضخمة عليها، فنسمع منها جعجعة ولا نرى طحنا، وتتجاهل الكوادر الأكاديمية المعروفة في جامعات الإقليم، ولا توجه الدعوات إلى كبار الكتاب والأدباء والمثقفين العرب...
خامساً: ضرورة دعوة المثقفين والفنانين والسياسيين العرب لزيارة إقليم كردستان، واطلاعهم على جوانب النهضة العمرانية والثقافية في الإقليم، ويجب أن تقام لهم الندوات والحوارات والمحاضرات، وتجرى معهم لقاءات تلفزيونية وإذاعية وصحفية... كل ذلك سوف يساهم في تقارب وجهات النظر بين الجانبين، ويزيد من أواصر المحبة والتعاون، ويدفع الى مزيد من التقارب العربي الكردي.
سادسا: ضرورة أن يمد الإقليم من خلال وزاراته المعنية جسور الصلة مع أكراد الدول العربية، فكثير من أكراد الدول العربية لا زالوا يشعرون بهويتهم الكردية ويعتزون بها، وهم يشكلون الجسر الذي يستطيع الإقليم من خلاله الولوج الى العالم العربي، فمن بينهم يوجد الأطباء والمهندسين والمثقفين والكتاب والاقتصاديين والمفكرين، فيستطيع الإقليم التواصل معهم، ورعايتهم، ونشر نتاجاتهم الأدبية، والفكرية، ودعوتهم الى الاستثمار في الاقليم، والاستفادة من خبراتهم، وأن إهمال أكراد الدول العربية ومثقفيهم سوف يضعف إحساسهم بهويتهم الكردية، ويساعد على تذويبهم في الهوية الأخرى.
سابعا: ضرورة أن تخصص وزارة التعليم العالي في جامعات الإقليم مقاعد جامعية للطلبة العرب، من أجل تشجيع التبادل الثقافي مع البلدان العربية، وهي سنة متبعة في كل دول العالم الحر، حيث تخصص الدول مقاعد جامعية للخارج من أجل نشر ثقافتها واطلاع الآخرين على حضارتها ولغتها ومنجزاتها، ويشكلون بعد تخرجهم جسرا لتقريب وجهات النظر بين الجانبين، وتوثيق أواصر المحبة والصداقة بين الشعبين الكردي والعربي، وفي المقابل يتم إرسال الطلبة الكرد الى الجامعات العربية ليحملون رسالة الكرد وقضيتهم العادلة الى العالم العربي.
ثامنا: ضرورة اهتمام الإقليم بتدريس اللغة العربية جنباً الى جنب مع اللغة الكردية، فهي ضرورة للطالب الكردي حتى يتواصل مع شقيقه العراقي العربي لكونهما يعيشان ضمن دولة واحدة، كما تساعده على فهم أمور دينه ودنياه، وتمكنه من الاطلاع على الثقافة العربية الغنية التي دون بها عشرات المؤلفين الكرد والمسلمين والعرب ثقافتهم المشتركة على مسار قرون خلت.
عاشرا: ضرورة تفعيل دور ممثلي الإقليم في عواصم الدول العربية، من خلال تواصلهم مع الجاليات الكردية فيها، والتنسيق معهم ومشاركتهم في أفراحهم ومناسباتهم، وإرسال عدد من أبنائهم الى جامعات الإقليم، ودعوة المثقفين ورجالات الأعمال وأصحاب الخبرات من أطباء ومهندسين وعلماء للاستفادة منهم كل في مجاله، على أن يكون التواصل معهم علني بحيث لا يعرض علاقات الإقليم أو وضع تلك الجاليات الكردية لتساؤلات معينة، وتكون متوافقة مع أنظمة الدول التي يقيمون فيها.
الحادي عشر: ضرورة تشجيع الإقليم الشخصيات العربية السياسية والفكرية المهتمة بالشأن الكردي على تأسيس (جمعيات الصداقة العربية- الكردية)، من أجل التواصل معها لبناء تفاهمات وعلاقات وطيدة، وتكوين لغة مشتركة بين الجانبين.
الثاني عشر: ضرورة تأسيس وكالة أنباء كردية رسمية تقوم ببث أخبار الإقليم اليومية بالعربية الى مختلف وكالات الأنباء العربية.
الثالث عشر: يجب على الإقليم إيجاد (نخب كردية) متميزة من المفكرين والمثقفين والسياسيين والاقتصاديين حتى يكونوا دائماً على هبة الاستعداد للتواصل والحوار والنقاش وتوضيح الحقائق مع الإعلام العربي من صحف ومجلات وإذاعات ومحطات فضائية في حالة بروز قضايا ساخنة تتعلق بالإقليم، أو بالقضية الكردية، ويجب أن تكون تلك النخب على قدر المسؤولية ومسلحة بالمعرفة والثقافة الواسعة، والمعلومة المقنعة، والمقدرة على المناقشة والحوار، وإقناع الجمهور العربي سواء كان مشاهداً أو قارئاً أو بوجهة النظر الكردية.