حين يتغيّر في المجتمع جانبُ هامٌّ- كما يحدث معنا الآن - فإنّ مثل هذا التغيير يؤدي إلى اضطراب الطبائع الاجتماعية للناس وبالتالي فإنّ التكوين القديم لتلك الطباع لا يُعدُ مناسباً و ملائما للمجتمع الجديد مما يزيد شعور الإنسان بالاغتراب واليأس.
وفي المرحلة الانتقالية يحدث الكثير من التخبّط والتمييع والتآكل للقيم و بروز أمراض في البنية الاجتماعية مثلها مثل الطفح الجلدي فيبحث الإنسان عن إنسانيته التي تاهتْ منه منذ عهود.
في المجتمع الجديد يرتبط الإنسان بالإنسان برباط المحبّة وتمتدُّ فيه جذورُ الإخوة والتكاتف و يتعامل مع الطبيعة بالخلق لا بالتدمير ،بالإبداع لا بالتخريب،بالتشجيع و البناء ،لا بالتثبيط والإرهاب.
لعلَّ أهمَّ ميزة للإنسان مقدرتُه على معرفة ذاته ومعرفة ما ليس منه أو مختلف عنه و هذا هو مربط الفرس . إنسان المرحلة القادمة يتمتّع بالشفافية والوضوح ويبتعدُ حيثما استطاعَ عن التصنع و النفاق ، يُصرّ على كينونته كيفما كانت وتهرب منه كلُّ صفة تملّكَها في العهد الماضي . كل صفة لم تكن منه، بل لبسها عنوةً في ظل نظامٍ ولّد وشجع قيماً اجتماعية سلبية لتحقيق مصالحه وضمان تمديد ولايته.فكانت الأنانية و إشباع الرغبات في المقدمة . الأنانية التي تزيد الجشع والعدوانية والحسد والبغض عند الشخص الموصوف وتولّد لديه صفةً أخرى و هي التظاهر والادعاء بما ليس لديه وكل هذه السمات المُمرِضة عندما تجتمع في شخص بالتأكيد ستخلق إنسانا مريضاً.
فكيف بإمكاننا إحداث تغيير ٍ جذري في وجدان الإنسان وقلبه وضميره ؟
لدى جميع الكائنات ميلٌ للنموّ وتقاوم أيّة محاولةٍ تمنع توليدها و أثناء ذلك يُرغمُ الإنسان على التخلي عن معظم رغباته ويلجأ إلى الكينونة وهو نقيضُ المظهر ويعني الجوهر الصادق الحقيقيّ للشخص.
الكينونة تتضمن التغيير،لذا على الإنسان الجديد أن يُخضِع أناه و يُذلّ غرائزه ،فيتخلّى عن الاستهلاك ليصبحَ منتجاً،يقدّم للآخرين دون مقابل ،يعطي دون أن يفكر بالأخذ ،يكون رمزاً للإيثار والتضحية والمحبة فالحبُّ هو طفلُ الحرية وثمرتها.
لعلَ الهدف الأسمى من أيةِ ثورة هو التطوّر نحو النضج :النضج الفكري الذي يُغيّر شعورَ المرء بالسعادة في التفوّق على الآخرين نحو الشعور بالسعادة في المشاركة والمحبة و العطاء . فكلما استطاع الإنسانُ أنْ يتجاهلَ رغباتٍ جامحةً في التملك والاستهلاك استطاع أن يبلغ الإنسان في ذاته و يعي معنى الحريّة الحقيقيّة التي استردّها بعد طول عناء لتحقيق النضج و النمو في سبيل وجوده الإنسانيّ الذي طالما كان يطمح إليه.