أمسكت المذيعة اللامعة في شاشة "كه لي كوردستان " برأس الخيط الذي عجزت الأحزاب الكُردية عن التقاطه طيلة تواجدها كفاعلة سياسيّة في الساحة الكرديّة، وهو الخيط الذي يفصل بين ما هو الوطنيّ السوريّ وبين ما هو القوميّ الكردي (أو الكُردستاني) .
أرادت سيما خان - وهي كُرديّة إيرانيّة شغوفة بحال الكُرد السوريين- ان تضع النقاط على الحروف من خلال محاورتها لشخصين من مؤسستين شرعيتين الكرديتين المجلس الوطني الكُردي، ومجلس غربي كردستان(تابع للحزب الاتحاد الديمقراطي= جناح سوريا للحزب العمال الكردستاني)، وسئلت سيما خان من مسؤول الكردستاني ، هل تقرون بوجود جزء من كُردستان في سوريا ؟ الأمر الذي أُحرج هذا المسؤول الذي يتخذ أربيل محل إقامة له، وحاول الهروب من الجواب الصريح، فيما تهرّب العضو في مجلس الوطني الكُردي من الإجابة من خلال تأكيده على صداقته مع عبدالعظيم المنسق العام لهيئة التنسيق ، ومع انّ سيما خان منحته وقتا طويلا في برنامجها اليوميّ الغنيّ "كردستانا روجافا" وبالرغم من إصرارها على الخوض في فك لغز الخطاب الكُردي السوريّ وإحاطة مشاهديها بحقيقة الوضع. إلا أنها لم تفلح ، ومن الواضح انّ هذا اللغط الخطابيّ سيبقى في مفاصل السياسيّ الكُرديّ إلى أمدٍ منظور.
إذاً طفت على السطح مرة أخرى مسألة الكُرد في السجال السياسيّ بين المعارضة الكُردية والمعارضة العربيّة، وذلك بعد الحوار الذي أجرته إحدى المنابر الإعلاميّة الكُردية مع أحد أقطاب المعارضة الداخليّة ، وفي الحقيقة لا نعرف بالضبط لماذا أفاق هذه الصحفيّ الفطحل هذا الرجل من نومه-يبدو انّ هذا الحوار كان قد أجري في وقت متأخر من الليل أو في أوقات القيلولة لأن المحاور في نهاية الحوار يعتذر من الرجل على استيقاظه من النوم. والسؤال، ،ترى ما هو الأمر المستعجل حتى يتم إيقاظ هذا المعارض السوريّ من نومه، ونسأله فقط أسئلة تخص الكُرد مثل: ،هل يحق للكُرد الفيدراليّة أو الحكم ذاتي، أو هل تعترفون ب"كُردستان سوريا"..الخ، في حين أبدت هيئة التنسيق في وقت سابق في باريس موقفاً متطوراً من حقوق الكُرد.
هذا المعارض السوري من الداخل تعامل مع حقيقة وجود الكُرد بمزاجيّة بالغة، كما لو انّه يتحدث في مجلس شعبيّ عادي. لا أعرف لماذا غابت الجدية في أجوبة هذا المعارض. والأنكى من ذلك انّ أحد مسؤولي الاتحاد الديمقراطي أيضاً زاد من الطين بلة عندما دافع عن هذا المعارض (في حواره مع راديو نوى ) الأمر الذي اعتبره المراقبون سببا لإثارة نقاط ضعف الحوارين. ما دفع بمسؤول الاتحاد لإصدار تصريح يوضح فيه موقفه من كل ما دار من السجال في ساحة الحراك السوريّ. لكن يبدو انّ مسؤول الاتحاد الديمقراطي لم يستطع إسكات الناس وإقناعهم فحسب انّما أثار الإشكاليّة حتى في داخل هيئة التنسيق والتي هي بدورها ردت على مسؤول الاتحاد الديمقراطي ونوهت انّ ما صرّح به هذا المسؤول لهو أمر يلفه التباس، وقالت انّها ستناقش كل ما جاء في تصريح مسؤول الاتحاد الديمقراطي في الاجتماع المقبل القريب.
في الواقع انّ الطرفان أخطأ. الطرف الإعلامي، والطرف السياسيّ المتمثّل بالمعارضة الداخل الذي كان ُيطلب من إدارته التمعن في تداعيات تصريحاتها ، مثلاً كان يتطلب من المعارض السوري أن يردّ بانّ الأهم في هذا السجال ، وهو كيفيّة التئام المعارضة وتوحيدها على أسس واضحة تبنى عليها سوريا مستقبلاً على ان تكون سوريا للجميع، ومسألة الخوض في تفاصيل الجغرافيّة والتاريخ يُترك للخبراء واللجان المختصين إذا أرادت الوقائع ذلك . ثمّ انّ الطرف الكُردي في الهيئة ما كانوا مجبرين الواعيّة والشرح المفصل عن المرحلة التي تفرض عليه وما تتطلب هذه المرحلة من تبني مطالب واقعية قابلة للتطبيق لأنهم أكثر من غيرهم من ضمن الهيئة يعرفون بالضبط تطلعات هؤلاء الناس. إذا ربما كان الخطاب المزدوج مقبولاً ومشروعاً في حقل الممارسة السياسيّة لكنه غير مقبول شعبياً، خصوصاً ان ثمّة رغبّة ببناء فضاء قومي موجود وحاضر. صحيح انّ العمل بوحي القوميّ والمصلحة القوميّة مباح ومشروع ان لم يكن هناك من عقبات وعواقب، لكن ما هو غير الصحيح ان يتم التمسك بالحقوق في اطار من القوالب الجامدة ، ولعل في حقل النضال الكُردي ماهو أكثر العواقب.
بقي القول انّ من حق الكُرد المناداة بالروح القوميّة لأنهم في ظرف الثورة والظروف الثوريّة لا تعترف بالقوانين والانضباط..حيث تكون الحريّة متاحة بشكل أوسع، وان كان الكُرد مرّوا في مراحل جلد الذات ، وأجبروا أنفسهم على ان يكونوا جلادي أنفسهم سياسيا بشكل لا معقول ، وذلك بقبول ألماً أكبر عندما يكون الألم الأقل ممكناً.
جريدة الحياة