هوزان أمين- سنتطرق في هذه الحلقة من سلسلة لنتذكر مبدعينا الى حياة كاتب ولغوي كوردي قضى جل حياته كما أغلب أبناء جلدته من المثقفين الكورد في العذاب والفقر والنفي والسجون وناضل في سبيل وطنه وشعبه دون كلل وملل،
انه الشاعر واللغوي الكوردي رشيد كورد الذي يمر ذكرى رحيله الـ 49 في الـ 20 من شهر كانون الثاني هذا العام. مات وأخذ معه حسرة حبه لترابه ووطنه وقريته التي هاجر منها الى كوردستان روزآفا بعد ان تم ملاحقته من قبل السلطات التركية، يقول وهو على فراش المرض في هذا الصدد" مازال أمامي الكثير من الاعمال لم انجزها بعد، لا يجب ان اموت الآن يجب ان اعود الى بساتين ديريك ( منطقته التي هاجر منها في شمال كوردستان) لقد اشتقت الى ترابها، بعد ذلك فلياتي الموت ويأخذني) بهذه الحسرة الى تراب قريته مات وترك العديد من الاعمال خلفه للجيل الذي بعده ليكمل المسيرة.
موجز قصير عن حياته
ولد رشيد محمد بن بكر اغا والملقب رشيد كورد نظراً لتعلقه وحبه لكورديته عام 1910 في قرية روشاد التابعة لديركا جيايي مازي التابعة لمحافظة ماردين في شمال كوردستان، حيث شهد حياته اندلاع انتفاضات وثورات كوردية بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى وبزوغ الفكر الاشتراكي وانتشاره في المنطقة، ولكن نتيجة العنف والمجازر التي تعرض لها الشعب الكوردي في شمال كوردستان ومع انطلاق ثورة الشيخ سعيد الى اخماد ثورة ديرسم وآكري وتعرض الشعب الكوردي الى حملات إبادة من قتل وتدمير وحرق وتهجير، كل تلك الاحداث أثرت في تكوين شخصية رشيد كورد الثقافي والسياسي.
درس في منطقته حتى انهى الثانوية ثم انتقل الى مدينة قونيا للدراسة وتخرج من معهد اعداد المعلمين عام 1930 واثناء دراسته كان ملماً بالشأن العام الكوردي ويحض الطلاب على حب الوطن والحفاظ على وطنيتهم والدفاع عن مصالح شعبه الذي كان يتعرض للظلم على يد السلطات التركية، تعرض للملاحقة والاعتقال عدة مرات نتيجة مساندته للحركات التحررية الكوردية الوطنية ونتيجة لتلك المواقف اعتقل وزج في السجن وصدر بحقه عقوبة الاعدام، إلا ان رشيد كورد كان ينتمي الى عائلة ميسورة الحال وينحدر من أسرة ذات نفوذ من أيام اجداده ونتيجة تدخل حاجي نجيم اغا زعيم ديركا جيايي مازي انذاك ودفع مبالغ مالية للسلطات التركية للحفاظ على حياته وهرب بطريقة ما من السجن.
حياته في روزآفا
بعد المضايقات والملاحقات التي تعرض له توجه رشيد كورد مع الاديب والمناضل الكوردي قدري جان عام 1940 الى روزآفا كوردستان ومكث في قرية تعلك بضيافة اسرة جميل باشا دياربكرلي وبعد ذلك استقر بهم المقام بمدينة عامودة لكنه عاد عام 1946 الى ديريك سراً لانه كان قد ترك خلفه زوجته خاتون وكذلك كتابه المشهور قواعد اللغة الكوردية التي الفها سراً وخبأها باحكام فأرسل زوجته والكتاب الى روزآفا ويقول الكاتب دارا شيخي في احدى مقالاته والتي تتناول حياة رشيد كورد والتي اصبحت مصدراً مهماً للمعلومات عن حياته انه قال لزوجته حينما ارسلها "خذي الكتاب ياخاتون واذهبي إلى سوريا ، وإذا تمكنت من الوصول إلى قرية تعلك ومعك الكتاب فستكونين قد أنقذت حياتي“..
استقر به المقام في مدينة عامودا حيث كانت عامودا ملجاً وملاذ المناضلين الكورد الهاربين من بطش وظلم الدولة التركية وكان قد سبقه اليها الكثير من المثقفين الكورد امثال جكرخوين وغيره وتوطدت علاقته من المثقفين الكورد في ذلك الزمان ولا سيما الامير جلادت بدرخان وساهم معهم في طباعة دوريات ثقافية كوردية حيث كتب رشيد كورد في جريدتي هاوار وروزا نو.
اصبح رشيد كورد شخصية معروفة على مستوى محافظة الحسكة لانه كان يناصر الفقراء ويكافح من اجل تحسين اوضاعهم وأكتسب شعبية عارمة بين طبقة الفقراء وكان كل أطياف الجزيرة من المسيحيين والكورد والعرب يقدرونه ويعتبرونه أحد اهم رموز الحركة الوطنية الكوردية في كافة أجزاء كوردستان مما جعله عرضة للاعتقال والنفي في سبيل دعوته ومبادئه الوطنية من قبل السلطات السورية.
في عام 1948 انتسب وانضم الى صفوف الحزب الشوعي وفي نفس العام دخل السجن مع يوسف حرسان وفي عام 1958 توارى عن الانظار بعد خروجه من سجن ومكث في ذلك العام بضيافة ابناء عمومته في قرية علوانكى شيخي لدى قريبه حاج شيخي رشيد اغا رئيس عشيرة آباسا (عباسا) بديركا حمكو وفي عام 1959 كان مصيره الأعتقال مع 83 عضوا شيوعين.
ويقول الأستاذ حسن دريعي عن شجاعة وأخلاق الكاتب رشيد كورد ممايلي:
انه عذب بوحشية لاحدود لها بعد اعتقاله في القامشلي، حيث كان يربط بالسلاسل إلى جذع شجرة ويتم تعذيبه .. ومن ثم تم ترحيله مخفوراً برفقة شرطي إلى سجن المزة بدمشق وفي الطريق تعرف الشرطي علىه وتعاطف معه واخذه الى منزل والده في دمشق لان والده ايضاً كان يعرف التحدث باللغة التركية ومكث ليلة في منزلهما حض والد الشرطي على تركه حراً طليقاً في اليوم التالي، ولكن شيم واخلاق رشيد كورد لم يشجعه على القيام بذلك كونه يعلم ماذا سيحصل لذلك الشرطي بعد ذلك وقبل على ملاقات مصيره في السجن، ويقال انه تعرض لموقف مماثل اثناء اعتقاله من قبل السلطات التركية واخذه من ديريك الى قونيا بصحبة احد الجندرمة التركية الذي وثق به وفك يديه نتيجة وعورة المنطقة والدروب التي سلكوها مشياً على الاقدام إلا ان رشيد لم ينكث بوعده ويغدر بالجندرمة الذي فك قيوده في الطريق بحسب مقالة دارا شيخي.
مع مجيء حكم البعث على سوريا عام 1963 استمر اعتقاله في سجن المزة ولم تستطع وسائل التعذيب ان تنقص من عزيمته ولا معنوياته بل واصل المقاومة وعدم الاستلام حتى خرج من السجن بعد ان مرض بداء (التهاب الكبد) واتجه إلى رومانيا عام1967 لاجل العلاج بمساعدة من الحزب الشيوعي السوري ثم عاد الى عامودا حتى ووافته المنية سنة 1968 ودفن في مقبرة عامودا وترك ورائه مجموعة من القصائد طبع في ديوان بعنوان (Kerwan– القافلة ) في السويد وكذلك طبع له ديوان شعر بعنوان ( Ez – أنا) في اسطنبول،فقدكان ثورياً في اشعاره يتغنى بالثورة والثوار لاجل رفع راية التحرير ضد الظلم والاضطهاد كما الف مجموعة من القصص بالإضافة الى تأليفه كتاب ( قواعد اللغة الكوردية ) طبع في بيروت عام 1956 و اصبحت مرجعاً مهماً من مراجع اللغة الكوردية والتي لا تزال تعتمد لغاية اليومهذا وقد تأسس مركز بإسم مركز رشيد كورد الثقافي في عامودا عام 2011 وكذلك نصب له تمثال تذكاري في مسقط رأسه ديريك من قبل بلدية ديريك.
التآخي- العدد والتاريخ: 7289 ، 2017-01-30