اعلن في غربي كردستان في بيان رسمي عن انتهاء جلسات اجتماع "مجلس الشعب لغربي كردستان" حيث حضره ثلاثمائة وخمسة وثلاثون نائبا من اصل ثلاثمئة وتسعة وخمسون انتخبوا من جميع المناطق الكردية ومن المهجر، كما وتم انتخاب رئاسة مشتركة بين امرأة ورجل، وهذا يظهر نوعا جديدا من التنظيم الذي يلفت النظر ليس فقط من جانب الكرد، بل الاوربيين ايضاً كون هذا النوع من التنظيم يظهر حقيقة توجه جديد يمثل الكثير من القيم الرفيعة.
مجلس الشعب هو اول تجربة مدنية شعبية في غربي كردستان، وخطوة ناجحة في ادارة الشعب نفسه بنفسه، فالشعب اختار ممثليه في غربي كردستان وبالانتخابات الديمقراطية الحرة، وهذا يظهر حقيقة ان الكرد عندما يصرون على طريقهم فلا بد لهم من النجاح والوصول الى الهدف.
كان الشعب قد اعتاد على الانتخابات البرلمانية التي تجريها الانظمة الحاكمة والتي تسيرّها وفق مشيئتها مغتصبة لارادة الشعب، ومتظاهرة بان مثل هذه الانتخابات هي تطبيق للديمقراطية ولكن الشعب محروم منها ولذلك في اول تجربة من هذا النوع ظهر ان الشعب قادر على ادارة نفسه بنفسه، فلأول مرة تحدث انتخابات والجماهير الكردية تتحرك نحو الانتخابات بفرح وتفاؤل.
جاء اعلان هذا المجلس بعد اشهر من النشاط والنضال المكثف التي جرى في غربي كردستان من حيث عقد الاجتماعات الجماهيرية واجراء الانتخابات في القرى والاحياء والمناطق والمدن وفعاليات مكثفة ليلا نهارا وكأن الجميع منخرط بتشكيل كردستان من جديد من النواحي المؤسساتية والتنظيمية والسياسية، كنموذج جديد والذي سيكون مثالاً يحتذى به. نموذج فيه الكثير من الجديد والقليل من القديم من حيث التجربة والمعرفة والعمل والطراز. نعم مجلس ينتخب جميع لجانه الحقوقية والثقافية والسياسية والتنظيمية والفنية والرياضية والاجتماعية والتعليمية. فها هي المدارس التعليمية للغة الكردية من اجل تعليم الاطفال ليس الاطفال فقط بل الشباب وحتى المسنين من مختلف الاعمار كون الشعب حرم من التعليم بلغته الام وارغم عنوة على تعلم اللغة الاجنبية/ العربية، وحتى بدا الخوف من الصهر والابادة الثقافية التي راهن عليهما النظام في ضرب هذا الشعب العريق في المنطقة. هذه المدارس تفتح هنا وهناك وهي كانت حلماً للكرد واصبحت الان حقيقة، وكأن المجتمع ينبعث من جديد وترى وجوه المجتمع مبتسمة فرحة كما يفرح الاب والام بمولودهما الجديد، وكذلك الامر بالنسبة الى افتتاح المؤسسات الثقافية والفنية والادبية لتطوير الثقافة والفن والادب الكردي الضارب في عمق التاريخ، ولكن نتيجة السياسات الاستعمارية اصبح في عداد المهجرين عن ثقافته وفنه وادبه وحتى ان الانظمة الاستعمارية بدات تقوم بالمزج والتماهي مع الموروث الثقافي الكردي ونسب هذا المووق لنفسها. هذا وبالاضافة الى السياسات التي استهدفت الشبيبة لتحريفها عن امالها في التطلع نحو المستقبل، وستكون هذه المؤسسات الشبابية بجميع فروعها الفنية والتعليمية والرياضية والثقافية بمثابة الدواء الشافي للداء والمشاكل التي تعاني منها، وبمثابة الرد الحازم على سياسات الصهر والانحلال المطبقة من قبل الانظمة بالاضافة الى مؤسسات المرأة، هذه الشريحة الاجتماعية التي لعبت الدور الاساسي في بناء المجتمع والحياة الاجتماعية وتشكل نصف المجتمع وقامت وتقوم بالكثير من الخدمات والاعمال ولكنها محرومة من لونها وارادتها وتنظيمها وهذه المؤسسات الاجتماعية ستدخل لون وطبيعة المراة ضمن المجتمع وستجعل من المجتمع فعالا اكثر، وكذلك المؤسسات التعليمية الاكاديمية للبحث والتعليم من اجل كتابة تاريخ الكرد والمجتمع من خلال منهجيته الديمقراطية الايكولوجية لا من خلال منظور القوى المهيمنة التي فرضت من خلال سياساتها التعليمية وبحوثاتها التاريخية الانكار والانصهار وبانه لا حقيقة للكرد ويعودون في اصولهم الى العرب والفرس والترك تماشياً مع سياساتهم وهلم جرا .
هذه المؤسسات ربما لا تشبه في تصميمها وامكاناتها المادية مثيلاتها المتوفرة لدى الانظمة المتربعة على ظهر الشعوب، او ربما لا تشبه القصور الفخمة من ذوي النجوم الخمسة كما هو معروف ، بل ربما بيوت عادية للمواطنين الكرد الذين تبرعوا لمثل هذه النشاطات والاعمال المقدسة في تاريخ الكرد، وربما لا يشرف عليها اكاديميون من العيار الثقيل متخرجون من الجامعات، بل هم اناس تعلموا من تجربة الشعب والنضال وترعرعوا ضمن صفوف النضال واصبحوا تلامذة ومدرسين وفق طبيعتهم الخاصة، وهكذا معلمين ومدرسين في نفس الوقت. سيكتب للجهود التعليمية والمؤسساتية والتنظيمية والسياسية والثقافية والاجتماعية النجاح لانها تتخذ القوة الذاتية اساساً في العمل دون الاعتماد على الغير لكي لا تصبح بعدها فريسة خاضعة لسياسات ومخططات مرسومة وفق مصالح الجهات الاقليمية والدولتية. نعم سيتحرك مجلس الشعب هذا بخطط واستراتيجيات جديدة وفق المنهجية الجديدة للمجتمع الايكولوجي الديمقراطي ضمن نظام الكونفدرالية الديمقراطية المجتمعية وبهذه المنهجية (البراديغما) ستخلق الذهنية والاسلوب والطريقة الجديدة .
تعتبر هذه خطوات اولية ومازال يلزم الكثير من العمل والجهود الفوق العادية من اجل الاتمام والاكمال في طريق الانشاء لجعلها تليق بهذا الشعب المضحي، فغربي كردستان تعيش ايامها وشهورها وسنواتها التاريخية .
اعلان المجلس خطوة عظيمة لكن ليس كل شيء، حيث ينتظره الكثير من المهام العملية والحياتية كونه يعتبر السلطة التشريعية تشرع وتسنن القوانين والدساتير في جميع مجالات الحياة تستطيع ان تلبي حاجات كل الشرائح والطوائف المتواجدة في غربي كردستان .
الخطوة الاخرى هي ادارة اللجان التابعة للمجلس وايصالها الى هويتها في الممارسة العملية وعدم بقاءها شكلية وجعلها فعالة وعملية وتلعب دورها في مجال عملها ونشاطها وبهذا يصبح المجلس مجلساً شعبياً مؤسساتياً بكل معنى الكلمة، كون التجارب المجالس الموجودة والتي تتحرك بالعقلية الدولتية يبقى اللجان والمؤسسات فيها شكلية ومهمشة حتى ان الكثير منهم بعدما يتم انتخابهم فبدلا من خدمة الشعب يعملون على استخدام الشعب من اجل مصالحهم الانانية والفردية، وهذا حال الكثير من البلدان والانظمة التي توجد فيها المجالس لدرجة ان الشعب يفقد ثقته بها وتسحب الشرعية منها، ولا تاخذها بموضع الجدية . فهذا المجلس سيكون متميزا عن كل التجارب السابقة بطرازه واسلوبه وتناوله للقضايا والمساءل. مجلس يعيش مع الشعب ويرى وجوده مع وجوده ويشاركه الافراح والاتراح في جميع مجالات حياته. يستمع وينصت اليه بكل تواضع دون ان يفرق بين شرائحه وطوائفه، رجاله ونسائه، كباره وصغاره، ويتقدمه في جميع اعماله ونشاطاته، وهكذا يتفهم مشاكله ومعاناته ووفقها يطور مشاريعه وخططه على جميع الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفنية والثقافية والصحية والتربوية والتعلمية، عندها يراه الشعب بانه قريباً وواحداً منه يمثله في السراء والضراء .
كل هذا يظهر ان للمجلس فلسفته الخاصة في النضال والعمل والحياة. هو تجربة غنية ورائعة جديرة بان يحٌتذى بها، لذلك فبقدر نجاح اعضاء المجلس في مهامهم الموكلة اليهم في الممارسة العملية سينجح نموذجهم، وبالتالي ستنجح مهمة انشاء وبناء "الادارة الذاتية الديمقراطية لغربي كردستان" في سورية ديمقراطية تعددية حرة ، شعبها صاحب ارادة قوية قادرة على اتخاذ القرار بصدد مصيره ومستقبله، ولن تتمكن الانظمة الحاكمة من ارضاخه لسياساته.
ان شعبا وصل الى هذا المستوى من التوعية والتنظيم وقوة الارادة والقرار، يبني وينشئ مؤسساته في جميع مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والاقتصادية، ويجعلها نموذجاً ديمقراطياً شعبياً جديداً في البناء والحياة وبديل عن النماذج الدولتية المتعفنة والمتصدئة الموجوة، لهو جدير بالتحية والاعجاب.