جرت الانتخابات المحلية في تركيا في 30 من شهر نيسان المنصرم، وجاءت نتائجها مفرحة لبعض القوى المشاركة فيها، ومحزننا للبعض الآخر وعكست توجهات وآراء البعض بفقدان حزب العدالة والتنمية الحاكم جمهوره بعد الانقلاب الذي جرى عليه من قبل داعمه ومسانده فتح الله غولان وجماعته صاحب السلطة الخفية في تركيا،
حيث احتل أعضاء جماعته العديد من المراكز المهمة في مؤسسات الدولة بما فيها الشرطة والجيش، وجرى ابعادهم مؤخراً من تلك المناصب والهيئات وتنظيف الدولة منهم بحسب مزاعم حزب العدالة والتنمية في تركيا، وكانت حملة اردوغان الانتخابية وخطاباته جميعاً تصب في خانة التشهير بفتح الله غولان واعوانه، وكذلك الوقوف في وجه مواقف المعارضة التركية التي يتزعمها حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة قومية التركية، بعد حملة توقيفات واسعة ضد الفساد بحق رؤساء وبعض وزراء حكومة رجب طيب اردوغان حين جرت في شهر كانون الاول من العام الماضي وطالت الكثير من مقربيه وشوهت صورته، فبالرغم من كل ما قيل من فساد اداري ومالي في مؤسسات الدولة والسرقات التي طالت كبار وزراء حكومة اردوغان وكشف التنصت على المكالمات الهاتفية حتى على رجب طيب اردوغان الذي يتهم بانه امر ابنه بأخفاء كميات من الاموال في منزله الذي ربما يطاله التفتيش، بالرغم من كل تلك الدعاوي والشكاوي بحق اردوغان ومسؤوليه وانصاره إلا انه جاءت نتائج الانتخابات بعكس ما تشتهيه المعارضة والذين على خلاف معه، وجاء في تصريحات لرجب طيب اردوغان بعد اعلان حزبه الفوز بالانتخابات، وتوعد خصومه بأنه سيجعلهم «يدفعون الثمن» على المؤامرات التي يحيكونها عليه واتهامهم له بالفساد، وقال "إن الشعب أحبط اليوم المخططات الخبيثة والفخاخ اللا أخلاقية وأحبط أولئك الذين هاجموا تركيا"..
بعد حملة انتخابية واعلامية كبيرة من قبل جميع القوى والكيانات السياسية المشاركة في الانتخابات البلدية في تركيا، في 81 محافظة تركية تضم 1318 قصبة وناحية، ويحق لاكثر من 52 مليون ناخب في تركيا بالادلاء باصواتهم من مجموع سكان تركيا الذي يقارب 82 مليون نسمة، وبمشاركة قرابة خمسين كيان سياسي، حيث تصدر حزب العدالة والتنمية الفوز بالانتخابات بحصوله على نسبة 45% من الاصوات واعلن نتيجة ذلك فوزه ومن بعد حزب الشعب الجمهوري التي يتزعمه كمال قلجدار اوغلو بنسبة 29% ، وجاء في المرتبة الثالثة الحزب القومي التركي المتطرف بحصوله على نسبة 15% وكانت نتيجة حزب السلام والديمقراطية الممثلة للاكراد في تركيا جيداً مقارنتاً مع انتخابات البلديات في الدورة السابقة عام 2009 حيث حصل على قرابة 7% من مجمل الاصوات على صعيد تركيا عموماً.
وكانت نتيجة هذه الانتخابات مفرحة للشعب الكوردي حيث استطاع الحزب الذي يمثلهم ( حزب السلام والديمقراطية) توسيع الرقعة الجغرافية التي كان يسيطر عليها حيث زاد رصيده في عدد البلديات التي فاز بها من 9 في الانتخابات البلدية عام 2009 الى 11 بلدية حيث انتزع بلدية محافظة ماردين وآكري وبدليس من حزب العدالة والتمنية بالاضافة الى قرابة 20 بلدية في المدن والقصبات المختلفة في جنوب شرق تركيا ( شمال كوردستان) واصبح بذلك حاكماً على اكثر من 100 بلدية في محافظات ومدن كردستان الشمالية، واكدت جميع المصادر المقربة من الحزب انهم عازمون من خلال هذه النتائج على تعزيز الادارة الذاتية الديمقراطية حيث صرح السيد فرات آنلي الرئيس المشترك والفائز في رئاسة بلدية دياربكر كبرى مدن شمال كوردستان ان الشعب اراد من خلال هذه الانتخابات الفوز بالقيم والمبادئ الديمقراطية والحرية وجاء الوقت لبناء الارادة الذاتية الحرة.
كما احتفظ الحزب الحاكم ( حزب العدالة والتنمية ) ببلدية اسطنبول وبلدية العاصمة انقرة كبرى مدن تركيا والتي كانت المنافسة عليهما في اوجهما بين حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري، لتأتي النتيجة بفوز لحزب العدالة والتنمية ويكرس (العدالة والتنمية) كقوة كبيرة لم تخسر أي انتخابات منذ عام 2002 ومنذ بداية حكمه للبلاد.
في حين تقدم حزب الشعب الجمهورى فى كل من مدينة (إزمير وإسكي شهير)،وأبدى اعتراضاً كبيراً على نتائج بعض المدن والمراكز متهما الحزب الحاكم بالتلاعب فى الأصوات، فيما خسر حزب الحركة القومية التركية والمعروفة بعدائها للاكراد وفقد الكثير من البلديات التي كان يسيطر عليها في الدورات السابقة، وفاز بعض المدن المطلة على البحر المتوسط وفى أضنة.
وقد تابع العالم برمته نتائج هذه الانتخابات التي قد تم تغطيتها من قبل اكثر من 2000 صحفي ومراسلي وكالات عالمية قدموا الى تركيا، ومؤسسات المجتمع المدني والعديد من اعضاء البرلمان الاوربي، الذين اكدوا حصول تجاوزات في بعض الاماكن.
قام الشعبين التركي والكوردي في هذه الانتخابات بابداء رأيهم في يمن يستحق ان يمثلهم، وقد اكد الناخبون في الانتخابات على انهم يرشحون السلام والديمقراطية ويؤكدون من خلال تلك النتيجة انهم يناصرون ويؤيدون السلام في تركيا، ولكن يبقى السؤال قائماً؟ هل باستطاعة اردوغان وحزبه القيام بقفزة شجاعة ومد يده للكورد بفتح صفحة جديدة معهم وتحقيق عملية السلام والديمقراطية في البلاد بعد ان وعد كثيراً وبقيت جميع تلك الوعود حبراً على ورق ولم يتحقق منها إلا الشيء القليل، فالكورد في تركيا طامحون الى غد افضل لهم في ظل جمهورية تركية تعددية ديمقراطية تضمن لهم حقوقهم في الدساتير والاعراف التركية.
المصدر- جريدة التآخي العدد والتاريخ: 6821 ، 2014-04-07