حدثنا العطال البطال قال : لمّا استنفذ النظام جُلّ حيله ، وتيقّن من استحالة أمله ، وأنّ نجمه آفل ، وطغيانه في الحكم لابد زائل ، تمادى في سِعاره ، وكان كالطرشان في حواره ، يصمّ اذنيه عن مطلب الرحيل ، وبغباءٍ يرى في نفسه البديل ، مُستعيناً بالإستمالات التخويفية ، و مُمارسات الجماعات التكفيرية ، و طابور من الأبواق تنتهج التحريفية ، في تحرير الاخبار الصحفية ، ومع الأسف الشديد ، قام بالقتل والتشريد ،
وعلاوة على ذلك ، أحالنا في ظلام حالك ، وتخلّت الحكومة عن تسيير امورنا ، وتناست واجبها في تأمين عشاءنا وفطورنا ، وقصم غلاء الاسعار ظهورنا ، والذي زاد الطين بلة ، أن جاء الشتاء على غفلة ، ولم نُخزّن مازوتا أو بعروراً او جلّة ، فاتقينا شره بالبطانيات ، وزدنا على النظام اللعنات ، على حيطان الفيسبوك وفي المظاهرات ، فلمّا زاد الشتاء مِن برده ، عملنا الفكر في صده ، واهتدى البعض الى كنس البراري كي يلمّ البعرور ، وتوجه البعض الى الحقول المفلوحة لجمع الجذور ، وتقمّصنا حياة انسان ما قبل العصور ، و كُدنا أن نفقد استقامة القوام ، ونشبه بقية الهوام ، لولا شفطنا للبعرور والجذور خلال ايام .
وبينا أضرب اخماسٍ بأسداس ، طنّ في أذني الوسواس الخناس ، وذكّرني بقصة القروي مع حماره ، الذي تاه في الجبال ولم يهتدي الى دياره ، فلمّا بلغ به الجوع حدّه ، وعجزت الأعراف عن صدّه ، قال : " ما أشبه أُذنيّ حماري بأُذنيّ أرنب ، بل أنّ حماري هو أرنب " .
وفيما اشحذ فأسي ، و أوهم نفسي ، بيباس شجرة الزيتون ، وأطفالي مِن البرد يتأوهون ، وفي يوم الجمعة ، وعلى وجه السرعة ، وضعت برنامج يومي على تكّة الساعة ، كي الحق بالمظاهرة بعد صلات الجماعة ، وإذ بالبابِ يُطرق ، بحذق و تأنٍ و نسق ، فوجدّت الطارق صديقي الموظف ، قد جاءني مودعا ، وهو من الحصار يتأفف ، يريد الهجرة الى برلين ، طالبا منيّ بصوت حزين ، تصويره في المظاهرة ، لزوم أخذ الإقامة و المفاخرة ، فأجبته بالإيجاب ، وقلتُ له : هيا بنا يا حباب ، فأدركته مخافة ، أنّ تُنشر صوره في الصحافة . فقلتُ له : الويل لك ، لا أبا لك ، و ما الضير في ذلك ، وأنت هاربٌ من المهالك . قال : أخشى أن تتقطّع بيّ المسالك ، فيشبه حالي بعد طردي من الوظيفة ، مِثلُ حالك .