Share |

(49) عاماً على إعدام الشهيدة ليلى قاسم…بقلم: حسين أحمد

الكاتب: حسين أحمد
الكاتب: حسين أحمد

ليلى قاسم حسن - امرأة كردية من مواليد 27 كانون الاول 1952 - بانميل – إحدى ضواحي خانقين - أرادت أن تبرهن حضورها للعالم كنموذج حقيقي ومدهش للنساء الكورديات الجريئات اللواتي اثبتن بجدارة شخصيتهن كالنسوة وهن ملهمات بقضيتهن القومية.

 

من هنا سعت الشهيدة ليلى قاسم بدورها أن تؤكد للجميع بأن المرأة الكردستانية لا تقبل ولا ترضى بالظلم والقهر والتعدي على وجودها الإنساني والقومي مطلقاً ومهما حاولوا وسعوا بقوة سوطهم وجبروتهم الوقوف ضد طموحاتنا، إلا أنها صرخت عالياً وقالت: شأني ككل الرجال الأوفياء الذين ضحوا بدمائهم الذكية من اجل التصدي لهذا الظلم ولهذا الاضطهاد اللذين كانا يمارسان بعنجهية سافرة ضد الشعب الكردي المسالم وخاصة من النواحي الاجتماعية والسياسية والثقافية والإنسانية من ازلام السلطة الدموية في بغداد من إجراءات متنوعة كالقتل والسجن والذبح والتعذيب الجسدي والتهجير القصري للكرد ونفيهم إلى الجنوب، بعيداً عن مناطق سكناهم التاريخية ربما حتى التراب والأحجار والجبال لم تسلم قط من براثن هذا النظام الدموي الذي لم يشفي غليله يوماً من مطاردة الكرد.

 

كل هذا دفعت الشهيدة ليلى قاسم حسن بكلّ صادق وقناعة بأن تأخذ قرارها المصيري في الولوج إلى معترك الحياة السياسية والتنظيمية لتنخرط في بداية الأمر ضمن: هيئات اتحاد طلبة كوردستان في منطقة خانقين، كان الإيمان والعقيدة هما الباعث الحقيقي للوقوف جنباً إلى جنب مع زملائها الطلبة الكرد في سبيل إيقاظهم واستفزاز الشعور القومي في أعماقهم أكثر إلى جانب معاناة طلبة الكرد والعمل على رفع المظالم عنهم كطلبة وعن كاهل الشعب الكردي في العراق عامة، ولا ريب فيه إنه كانت تمتلك إحساسا مفعما بالمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقها وعاتق كل الغيارى الكرد لتدفعها بحسها الوطني والإنساني أن تضحي حتى آخر رمق في حياتها لكف الاضطهاد عن أبناء جلدتها الكرد، مما جعلها تتطور فكرياً وسياسياً.

 

كل هذا كان سببا رئيسيا للخوض بين طلبة المدارس ومع انتقالها إلى المرحلة الجامعية في العاصمة بغداد ولإتمام دراستها في كلية الآداب قسم علم الاجتماع في بغداد لتنضم وبقناعة تامة إلى صفوف (الحزب الديمقراطي الكردستاني) للمشاركة الفعلية ضمنها لتستأنف مسيرتها النضالية هذه المرة مع كوادر الحزب وعلى نطاق واسع من العمل التنظيمي والميداني.

 

ونتيجة للإحداث السياسية التي جرت في  مناطق كردستان عام 1974 واشتداد وتيرة الملاحقة الأمنية للكوادر وأنصار الحزب في مختلف المدن العراقية. في منتصف ليلة 24 نيسان  1974 وضمن سلسلة الاعتقالات المنظمة اقتحم دار الشهيدة (ليلى قاسم حسن)  في بغداد التي كانت تسكن فيه مع أسرتها، دورية أمنية مجهزة بعناصر وعتاد لتطويق الحي بالكامل ليتم القبض عليها بشكل تعسفي بتهمة الانتماء إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق - حتى هذه اللحظة لم تكشف كيف استدل إليها - لتقتاد من دارها مصفدة اليدين، معصوبة العينين إلى إحدى مراكز الأمن في بغداد، ليبدأ معها التحقيق مستخدمين كل الأساليب الوحشية وغير الإنسانية على الإطلاق في محاولة منهم لأخذ الاعترافات منها بقوة، تحت أبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي.

 

إلا أن الشهيدة  ليلى قاسم أبت وبكل صلابة وتحد لا مثيل لها في ان تقّر بشيء ما أو ان تكشف عن أية معلومة صغيرة كانت أم كبيرة تضّر برفاقها في الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى جلاديها الأوغاد، لا بل أكدت وبصرامة وهي تصرخ فيهم جميعاً: إن كردستان (أغلى من عيوني وروحي).

 

في 12 أيار 1974 تم  إعدامها شنقاً حتى الموت دون محاكمة قانونية تذكر وفي مكان الاعتقال نفسه بأقل من أسبوعين من تاريخ سجنها، بعدما أن افقعوا عينها اليمنى وهي تفدي وطنها  كردستان وقد شوه جسدها البديع بصورة فظة من خلال التعذيب الشديد التي تعرضت لها أيام الاعتقال.

 

في اليوم الثاني من تنفيذ الإعدام سلم جثمانها الطاهر إلى أهلها وهي في زي كردي - كانت ووصيتها الوحيدة أن ترتدي الزي الكردي قبل إعدامها - لتدفن الشهيدة ليلى قاسم حسن وهي مكفنة ببيرق كردستان بمراسم تليق بها لتستقر روحها التي لم تهنأ بفتاها (جواد الهموندي) في مقبرة تسمى بـ (وادي السلام) بمدينة النجف الاشرف بعيداً عن ديار أهلها ومواطن طفولتها وبعيداً عن مناقب ذكرياتها.

 

ليلى قاسم حسن من خلال تضحيتها حتى الموت قد برهنت وبكل جدارة من أنها أفضل نموذج للمرأة الكردستانية المجاهدة التي ناضلت دون كلل أو ملل وقدمت أثمن ما تملكها في سبيل عزة شعبها وتحرره من نير الاستعباد الذي كان يتعرض له باستمرار من قبل النظام البغيض في بغداد.

 

في النهاية ان ذكرى الشهيدة ليلى قاسم ستبقى شعلة وهاجة تنير في الضمائر ووجدان كل إنسان يدرك معنى الشهامة والشهادة معاً إلى أن تتحقق رغبات الشعب الكردي في كل مكان لترتاح روحها في تراب كردستان آمنة مطمئنة.

 

RUDAW