يرجع الكثير ظهور "آلان عبدالله كردي" على شاطئ البحر صدفة من القدر أو من الأمواج الغادرة التي التهمته, وقذفت به إلى المكان الذي وُجِدَ فيه, بينما تؤكّد روح آلان التي ما تزال تحوم حول ضمير الإنسان والإنسانيّة والبشر والكون
أنّها أرادت بذلكإعادة بعض الحسّ فيه, محاولة بثّ جرعاتٍ من الصّحوة إليه, لعلّ البشروببعض من هذا الحسّ, وبنفثاتٍ من هذه الصّحوة يستطيعونالعودة إلى ما تبقى فيهم من شعور الإنسانيّة التي يدعون أحقيّتهم في الوجود من دون الكائنات الحيّة الأخرى, كونهم يمتلكونها أكثر منهم, وكونهم أوفر منهمخصوبة للفكر والوعي والإدراك, وكذلك استشعارهمبما يمتلكونهمن بقايا البشريّة التي يدعون من خلالها أولويتهم في الانقضاض على العواطف بكلّ أنواعها وضروبها.
أراد آلان أن يعلن الحداد العام على ضمير الإنسان والبشر, وعلى إنسانيّتهم باستلقائه على ذلك الشّاطئ على هيئة نائم, حالم, هائم بحياة أفضل في عالم أفضل له ولشقيقه وأمّه ولشعبه المسكين المهاجر, المشتّت.
أراد أن يوجّه رسالة إلى كلّ المسببين في مأساته ومآسي ومحن شعبه سواء كانوا من أبناء شعبه أو من المناطق والدّول والممالك والإمارات والإمبراطوريات والجمهوريّات الأخرى على أن يتزحزحوا قليلاً من قوقعة غفوتهم وسكوتهم, وأن يسارعوا إلى إعادة الأمن والسّلام إلى بلده وشعبه وتراب وطنه, ليعود شعبه المهاجر والمهجّر إلى وطنهم وأرضهم, ويتخلّصوا من أغلال العبوديّة والمذلة والإهانة التي يعانون منها, ولترتاح تلك المناطق والأماكن التي ترى في إيوائها لشعبه حملاً يثقل كاهلهم.
ريحان أم آلان وغالب وعلى الرّغم من إبدائها الخوف والفزع من امتطاء الأمواج العاتية لمعرفتها بغدرها وخيانتها التي ورثتها من الإنسان الذي يقذف بأخيه الإنسان إلى دوّامتها من دون رحمة أو شفقة, على الرّغم من كلّ ذلك تراءى لـ"ريحان" طيف ذلك القارب مهدا وثيراً لابنها آلان, وأرجوحة النّعيم والسّكينة لفلذة كبدها "غالب", وما كانت تعرفُ أنّ أنامل "ملك الموت" كانت هي التي تهزّ ذلك القارب, وتحرّكه يمنة ويسرة!
غالب بدا غير مبال بما يجري من حوله لأنّه كان يحلم بالّلحظة التي يصل فيها إلى كندا, ويلتقي بعمّته التي وعدته أن تشتري له دراجة هوائيّة كما كان قد طلب إليها هو بنفسه!
بينما يظلّ آلان منشغلاً بتدوين رسالته إلى المعنيين بأمره وأمر شعبه, تسارع ريحان إلى إطلاق صراخها الأكثر دوياً من هدير أمواج ذلك البحر, وتتساءل بحس الأمومة التي تنساب في عروقها:
الذين ساعدونا على اجتياز الحدود منذ انطلاقتنا هم من البشر, الذين أوصلونا إلى البحر هم من البشر أيضا, الجهات التي سبّبت لنا هذه المآسي والمحن هم من البشر, فهل يجوز بعد الآن للبشر أن يدعوا امتلاكهم للعواطف بمشاعرها وأحاسيسها؟ هل من حقّهم أن يتهموا الكائنات الأخرى بالغطرسة والوحشيّة والعدوانيّة, وهل يحقّ لهم نعت الكائنات الأخرى بقلّة الإدراك والوعي واللامسؤوليّة؟!