تعرفت إلى الشاعر بدل رفو أول مرة،ذات لقاء ثقافي هام جمعنا بالمغرب،سويا في مدينة تاهلة تحديدا،
مارس فيه كل منا مواسم بوْحه مع الآخر،خلال يوم وليلة، في أمور شتى، بمشاركة ثُلة مُباركة من المبدعين الأصدقاء.فكانت نقطة التَّماسِّ إحساسا غريبا،أخذ يشدني إلى هذا الرجل شدا،ويجذبه إلي بنفس المقداروالدرجة أمدا،تجاوز حدود المناسبة المذكورة كواقعة محددة في الزمان والمكان، ليطول العالم الافتراضي على النت أيضا،بمزيد مودة وكبيراحْـترام.
- وقتها،أدركت أنني أمام كائن استثنائي،إنسان متوقد الشعور،شاعرمستنيرالفكر والإحساس.يحسن الإصغاء بكل حواسه،حتى عدسة كاميراهُ الباذخة تظل في أقصى حالات الاستنفار المطلوبة لمحاورة الأشياء، يشير عليها فتستجيب على التو،من غيرما نشاز أو تشويش على مناخ اللحظة...
- كان اللقاء مناسبة سعيدة بشهادة جميع المشاركين،ولم يكن بدل رفـو- الضيف العزيز- بدعا من بينهم، فقد عبرعن منتهى ارتياحه وسعادته بالتعرف إلى المغرب، بيئيا وحضاريا وثقافيا كذلك،من خلال نماذج من حَملة الأقلام في هذا البلد الواحد والمتعدد في آن. كان جلهم شعراء من مختلف الحساسيات الفنية، البعض منهم شعراء نقاد،والباقي نقاد أدب متفرغُـون لحرفتهم.ومضت أعوام وتوثقت الصلات،وتحقق ما سبق لي أن فاتحت به صديقي الشاعر رفو قائلا :> يا بدلُ،إننا بعد اليوم ما نبغي عنك بدلا،وكيف نستطيع ذلك جدلا؟> وسَرت العبارة مسْرى النادرة بين الأصدقاء في السر والعلانية منذ ذلك اليوم حتى الآن.
- كان عشق الكلمة هو البيئة الطبيعية التي تنفست فوقها أرواح الأدباء المتعبة،وكانت سماء الشعر قبة من صور،تظلل المبدعين بوارف ظلالها، وقد فاءت أرواح العباد إليها،وهبت الأجسام من جحيم الواقع وغطرسة المعيش تبتغيها.
تناجت الأرواح وتقاطعت الأصوات،وافترقت بينها السبل المؤدية إلى محراب الشعر، لكنها ظلت على طول الحرم الشعري مستوفزة، منسجمة ومتآلفة، تشرئب بأعناق الأمل إلى المستقبل، وتطرح عنها مشاغـل الحاضر وأعباءه.
- ومن بوثقة هذا التآلف خرجت جملة من صلات القربى بيني وبين أيقونة الترحال بدل رفو المزوري، لتدخل في مدارات أرحب من مجرد التواصل الشفهي العابر،إلى آفاق أخرى في الفكر والسياسة والفن والحياة،وما إلى ذلك...
و شِـيءَ لهذه الصلات أن تنْحُـوَ مناحي أخرى أكثرأهمية،عبر التجاوب المتبادل بين تجربتين، تجربتي أنا الخاصة في حقْـلَي ْالشعر والنقد من خلال ديواني البكْر>للصمت متسع للنظر> وبعض المقاربات النقدية المنشورة التي أمكن لصاحبي الاطلاع عليها، وتجربته الشخصية هو في مجال الشعر خاصة،من خلال ماتيسر له أن يقرأه علينا من قصائد في تلك المناسبة.ترتب عن هذا وذاك زواج فني على سُنَّة التجاوب، وشريعةالألفة والتقارب.ولا غرو أن اندلعت أيقونات التواصل بشكل أمبراطوري، لتشمل ديوانه الشعري المُوالي الممْهور ب >أطفال الهند علموني > بعد ديوانه السابق>وطن اسمه أفيفان>.فألف مرحى بالديوان وما حمل،وبالمزوري وما عمـل ،ناهينا عن منجزه التوثيقي الباسق>أنطولوجيا شعراء النمسا> الذي ناولني نسخة منه مشكوراً، وكان ذلك من صاحبي عربون مودة لا تقدر بثمن تجاه الآداب والعباد،وما خلفت رحم الثقافة والفنون من بنين وأحفاد .
-أوسياخ - من الأدب الكوردي في المهجر هو العنوان الذي اختاره الشاعر الرحالة بدل محمد طاهر يونس لمجموعته الشعريةهذه، في بداية الأمر، قبل أن يعدل عن قراره إلى تسمية أخرى مقترحة من قِـبَل بعض اصدقاء الشاعرفي المهجر، هي >أطفال الهند علموني>.
وأيا ما كانت صيغة عنوان هذا المنجز الشعري الجميل،القديمة منها أو الجديدة، بسبب الجَـرْح والتعديل الذي طال تسميتَها، فإن ذلك العُدول الشكلي لم يزدها إلا رسوخا في الوفاء لمقاصد البرنامج الدلالي للمجموعة الشعرية،على صواعد عدة،طالما أن المادة الشعرية البانية لمعمار الديوان هي نفْسُها،واحدة لم تتغير،تُعنى بتدوين سيرة ذاتية للشاعر مع المكان،وأن الشاعر ذاته مصصمم على إذاعتها بين الناس تحت التسمية المذكورة، من غير زيادة ولانقصان.