انتصر الغرب على الاتحاد السوفيتي بعد صراع زاد عن نصف قرن. عندما خلت للغرب، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، الأجواء، خرجت إلينا أميركا برسالة العولمة، وابتدأت هذه الرسالة بالهجوم على أفغانستان لاجتثاث صنيعتها الطالبان، وقبلها استبدلت أفغانستان برهان الدين الرباني بالطالبان.
هذا التقلب السريع بين أتباعها جعلت أميركا تخسر مواليها وتفقد دورها في قيادة العالم ومعها الاتحاد الأوربي، الذي لا يملك القدرة على التحرر من تسلط اليانكيين عليه. اتبعت أميركا أسلوبا غريبا في الفترة الأخيرة، حيث تساعد مواليها ومن ثم تنقلب عليهم. دولة كبيرة، بل إمبراطورية بهذا الحجم تتصرف تصرف الصغار، لا بد أن تخسر مواقعها مهما كانت قوية. ببساطة تهدر قوتها فيما لا ينفعها، خاصة بعد الانتصار على الاتحاد السوفيتي. وما زاد من الطين بلة كما يقول المثل، مجيء أوباما المسلم المتخفي، فأراد أن ينفع الإسلام والمسلمين بصدق وأمانة، كانت النتيجة أن أضر بالإسلام والمسلمين وأفقد هيبة إمبراطورية مثل أميركا، وذلك بالتخلي عن العراق لصالح إيرانوالانسحاب من أفغانستان في العام المقبل.
لم يساعد السيد أوباما ثوار ليبيا إلا بعد تبني فرنسا الثوار ومشاركتها الحرب ضد نظام القذافي. بينما في الوضع السوري واليمني، وقف ضد الثورة في كلتا الدولتين.بالرغم من هذا التصرف المكشوف، لا يزال أهل المنطقة يعولون عليهوعلى إدارته.بشر العديد من المهتمين بالشأن السوري عن موافقة أوباما على تسليح الجيش السوري الحر بقيادة رجل السعودية السيد سليم إدريس.
إذا حللنا تشبث السيد مبارك حسين أوباما بالإسلام السياسي على الساحتين المحلية والعالمية لوجدنا أنه يضر كثيرا بالمنطقة، بالرغم من أن الرجل ينوي أن يساعدها لتستعيد شخصيتها التي انهارت منذ سريان الضعف في نفوس مسلمي المنطقة.يظن السيد أوباما بحكم موقعه أنه بوسعه دفع المنطقة لتقف على قدميها، متناسيا أن المريض المزمن لن يكون تعافيه فجأة وبجرعة واحدة، فهو بحاجة إلى فترة زمنية معينة وإلى تناول الدواء على دفعات. فالدواء المركز أو الجرعات الزائدة ستزيد من تفعيل المرض وتنشيطه أكثر، إذا لم تودي بحياته.ما حصل في اليمين كان إطالة مأساة الشعب اليمني، وما يحصل في سوريا هو الدمار والمزيد من إزهاق الأرواح وتوسيع الشرخ بين أبناء الوطن الواحد.
ما فائدة مساعدة أوباما المتأخرة جدا للثورة السورية. هذا ما يجب أن نبحث فيه بالمنطق العلمي العملي وليس النظري. ربما يجد بعضنا أن تلك مفيدة وسترضخ النظام على التفاوض. قد يكون صحيحا في البداية، ولكن عندما نشخص المرض ونعين بؤر المرض لا نصل إلى هذه النتيجة الابتدائية. كل ما يمكننا أن نستنتجه حاليا هو أن النظام سيتلقى ضربات قوية من الثوار، ثم لا تلبث أن تضعف تلك الضربات، قد تخمد فيما بعد دون كرة أخرى.من الملاحظ هنا أن معظمنا لا يفكر بهذا الشكل. يرون الدعم القادم من الغرب سيكون قادرا على جعلنا نحقق الانتصار على النظام. أرى أن ذلك صعب، سيؤدي إلى المزيد من الضحايا. وفي أحسن الأحوال سنخوض حربا لا يعرف نهاية مدتها؛ وذلك؛ حسب تقديري، للأسباب التالية:
تلاشى الاتحاد السوفيتي بقيادة روسيا بشكل مزرٍ، هذا ما حز في قلوب الروس، وفكروا بالانتقام. بالرغم من تردي الأوضاع المادية لروسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وفقدانها الدول الدائرة في فلكها، عكفت بجدية منقطع النظير على تطوير أسلحتها القتالية، جنبا إلى جنب كونت حلفا بديلا.ضم قوة بشرية واقتصادية وعسكرية فاقت الاتحاد السوفيتي بكثير، عندما أسست مجموعة بريكس التي تضم الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا بالإضافة إليها.بوسع هذه المجموعة تحطيم أية قوة تقف في وجهها، ولم تكتفِ بها وحدها فحسب، بل عمدت إلى استنزاف الاتحاد الأوربي في جره إلى ضم أيتام الاتحاد السوفيتي السابق إليه، تلك الدول التي لا تعرف سوى التحايل على القانون منذ عقود من الزمن، وهذا التحايل بالذات أدى إلى انهيار المنظومة الاشتراكية وحلفها الدفاعي وارسو، علاوة على هذا استنزفت أميركا في مستنقع أفغانستان والعراق.إلى هنا نفهم أن الاتحاد الأوربي وقائدته أميركا ليسا في وضع ملائم لمواجهة القطب الجديد. هذا ما أريد إظهاره هنا.
أما بشأن تقديم المساعدة للثورة السورية، تعتريها تحليلات وتفسيرات كثيرة، استخلص منها ما أراها مهمة.شعرت أميركا ومعها الاتحاد الأوربي بالضعف الدائب في الأوصال. تفكر أن تعيد نفس العملية التي اتبعتها روسيا والصين من مجموعة بريكس معها، أي ستحاول هي أيضا أن تستنزفهما في مستنقع سوريا، عندما تقدم الدعم للمعارضة. بالنظرة المجردة هذا جيد، ويسر الثورة والثوار، ولكن إذا تابعنا حيثيات الدعم لوجدنا أنه لا يمكن أن يكون مجديا كما نتوقع. حيث الترويج القائم، وبشدة، بين مانحي الدعم عن ذهاب الدعم إلى الإسلام المتطرف، وعليه يجب أن يكون الدعم عن طريق معتمد أمين. من أين لهذا المعتمد الأمين التزكية حتى يتكرم مانحي الدعم الوثوق به، فالتزكية لا بد أن تأتي من الدول السابقة التي ساعدت الثورة، ولكن بانتقاء. وهذه الدول هي الخليج وعلى رأسها السعودية وتركيا الإخوانية.في هذه الحالة نعود إلى مؤتمر آنطاليا، والمجلس الوطني السوري، ومن ثم الائتلاف وحكومة هيتو إلى أن نصل إلى السيد سليم إدريس.مصدر كل هذه السلسة واحد، إذن لن يكون لهذا الدعم تأثيره الفعال. ومنه نتوصل إلى نتيجة مفادها أن أوباما لا زال متمسكا بمساعدة الإسلام السياسي، ومن دونه لن يكون مستعدا وإن خسرت أميركا وسقطت هيبتها وأهينت ومعها الاتحاد الأوربي. ما الفائدة إذا انتقل الشعب السوري من نظام يكبت الحريات ويعتقل الإنسان بمجرد الإجهار برأيه المخالف لرأي النظام، وما يتبعه من تعذيب وقتل وسجن. هذا يعني أننا بعد كل هذه التضحيات سنعيش في نفس الأجواء، الأولى كانت عروبية وكان علينا أن نكدح ونصرف كل طاقاتنا من أجل الوحدة من المحيط إلى الخليج ومن أجل الرسالة العربية الخالدة، وفي الحالة الجديد، سنقوم بنفس الشيء من أجل وطن أكبر وتحرير وتوحيد الأرض من أسوار الصين إلى إسبانيا والبرتغال.لن يكون هذا النصر كما نتوقع أن نصبح بموجبه أحرارا في إبداء آرائنا بحرية كما هو الحال في الدول المستقرة.
والأمر الآخر إعطاء الدعم بحذر وعن طريق قنوات منتقاة من قبل القائمين السابقين لن يغير من المعادلة شيئا. كان الدعم حكرا على الإسلام السياسي باسم الإخوان أو السلفيين، واليوم سيكون باسم آخر ولكن نفس الأشخاص، كما هو الحال في المجلس الوطني السوري، حيث ترأسه العلماني برهان غليون ومن ثم الكردي عبد الباسط سيدا والآن المسيحي وغدا آخر، بينما تبقى وراء الكواس نفس التركيبة.أليس من الطبيعي أن لا يأمل أمثالي بالجديد من هذه الأشكال.
مؤتمر جنيف الثاني
هذا المؤتمر يأتي ليحفظ، لأميركا وتابعها الاتحاد الأوربي، ماء الوجه لا غير. إذا عقد المؤتمر، سيكون الخلاف كبيرا ومتشعبا، إلى أن يتم البت في الخلافات ستمضي فترة طويلة من الزمن؛ بينما آلة القتل من قبل النظام لن تتوقف، والدعم الجديد القادم سيكون كالدعم السابق، ولن يعطى إلا لمن يأتمر بأوامر المعتمد الأمين. هل يعتبر هذا تحديثا أو تغيرا، أنا لا أظن.
وما تظنه أميركا ومعها حليفها الاتحاد الأوربي في استنزاف روسيا والصين في المستنقع السوري، لا أثق أن ذلك سيطول؛ حيث الأميركان بخصوص القضاء على الخصم لهم أسلوب غير أسلوب الأنظمة الشمولية، فالأنظمة الشمولية تحرق الأخضر واليابس بسبب دخول أسد في غابة، دون تكليف نفسها عناء البحث وتحديد الهدف بالذات، كي لا يضر بالمحيط؛ بينما الغرب لن يقدم على حرق الغابة بسبب ذلك الأسد، ولو أنه فعل ذلك لكان العراق الآنغير تابع لإيران، ولم تكون القوة الغربية المتواجدة في أفغانستان تنتظر قدوم العام القادم لتخلو مكانها للحكومة الضعيفة القائمة.
سيتبع النظام سياسة الأرض المحروقة مع الثوار، لن يرحم السكان الآمنين والأبرياء إذا دخل المقاتلون إحدى القرى أو أحد الأحياء، سيبيدها عن بكرة أبيها.حينها أي منطقة يستردها النظام من الثوار، لن يسمح لهم بالعودة إليها، لأن الإبادة والدمار كافيان أن لا يدعان للعودة أية إمكانية. بهذا الشكل سيكون عدد الضحايا كبيرا ومدى الدمار شاملا مع إطالة مدة الحرب، أو بتعبير آخر لبننة سوريا أو صوملتها بمساعدة السيد مبارك أوباما. هذا ما أتوقعه من مساعدته الجليلة للثورة السورية.
علي بوبلاني