الأدب الشفاهي : هو أهم أنواع الفلكلور وخاصة القصائد الشعبية (الأغنية الشعبية) التي أخذت حيزا كبيرا في حياة الناس ، ودوّنت مآثرهم وبطولاتهم ومعاناتهم، وكانت المرآة الأكثر صدقا لماضيهم ولقيمهم الثقافية والروحية، والأعمق تأثيرا في وجدانهم وضمائرهم، وكانت أوسع انتشارا في المجتمع، كونها تحمل مفاهيمهم وتصوراتهم وقناعاتهم الاجتماعية والجمالية.
بعد رحيل الفنانين الشعبيين الكبار أمثال:
كاويس آغا – حسن زيرك - گربيت خاﭽو– صديق كارلوﭭا- حسين فاري - جميل هورو – باقي خدو، وغيرهم من الجيل الذي حمل لواء هذا الفن العريق (الأغاني الملحمية والقصائد الشعبية) والذي حافظ على هذا اللون من الأدب الشعبي، بكل أمانة ومسؤولية ورفع من مستوى الفن وقيمة.
الجيل الذي توارث الغناء الملحمي والشعبي عن آبائه وأسلافه بكل حرفية ، مدركا أبعاد هذه القصائد الخالدة، لذا حفظه دون تشويه ودون المسّ بجوهر القصيدة، التي تطرح مشكلة اجتماعية وأحيانا سياسية بحتة كملحمة (درويشي عڤدي) ، ناهيك عن إدراك هذا الجيل للموسيقى ، ورغم أميته الموسيقية كان يعرف الكثير من المقامات ويتقيد بها، و بالعلامات الموسيقية عند البدء بكل أغنية، سواء كانت ملحمية أو قصيدة غنائية.
وهنا لا بد أن نشير إن الأغنية الشعبية الكوردية تنقسم إلى ثلاث أقسام : ديلوك= (الأغنية الإيقاعية) – لولوك = (الأغاني
العاطفية والملحمية) گوران،گوراني = (أغاني الرّثاء) وكذلك تنقسم الموسيقى إلى : موسيقى الجبل – موسيقى السهل – وفي الآونة الأخيرة الموسيقا التي تأثرت باللون الغربي في المدن الكوردية.
في البداية كانت الأغنية الشعبية أما قصةصاغها قاص بارع، أو قصيدة غنائية صاغها شاعر مبدع، ولعدم إمكانية التدوين نتيجة انتشارالأمية في المجتمع الكوردي، وخاصة في الأرياف، فكانت تحفظ هذه القصائد على ظهر قلب من قبل المغنين المهرة ،والذين كانوا يمتلكون ذاكرة نادرة تستوعب كما هائلا من المعلومات.
وانتقلت هذه القصائد من جيل إلى آخر، وكانتضمن العائلة الفنية غالبا ، دون أن يتجرأ منلم يحسن الغناء وفق أصوله ومبادئه، الاقتراب من هذه المهنة ، وكان من يحاول دون ذلك يتعثر في أول درجات السلم الفني ويتراجع ويبقى على الهامش ، عدا عن خامته الصوتية إن كانت تؤهله لهذا المجال أم لا ؟.
وقد استمرت هذه المدرسة الفنية حتى السبعينيات من القرن الماضي، ثم انحسرت في العائلات الفنية الكبيرة ، وذو الشأن والاهتمام بهذا النوع من الفلكلور، من الهواة والباحثين.
من جهة أخرى كان لتلك للقصائد الفلكلورية ولا يزال ، دورا هاما في تطوير الحس الجمالية لدى العامة، وقد نهل منها الكثيرون من الرّواة و من الشعراء المعاصرين والمحدثين، كونها مادة غنية بالمفردات اللغوية الأصيل،وهي بمثابة لغة جامعة كل أبناء كوردستان.
و مع كل أسف أصبح اليوم فن الغناء هواية العامة، حيث تجد في كل بيت أكثر من مغني دون وجود مؤهلات ، من صوت وأداء ولغة وحتى ذاكرة قادرة على الحفظ ، وباتت تتعرض هذه القصائد الجميلة اليوم للتشويه والتحريف ، على يدهؤلاء المغنين ، الذين لا يدركون قيمة التراث الغنائي وأبعاده الثقافية والإنسانية ، وإن غنوا من تلك القصائد
أفرغوها من مضمونها ومغزاها ، وذهبوا بالموسيقى إلى حيث أهوائهم ، داعين بذلك التجديد والحداثة دون أن يعترفوا بفشلهم وعدم قدرتهم على أداء هذا اللون العريق من الغناء.
وكذلك الأغاني الإيقاعية التي حرفت وتعرضت كلماتها للتغيير والتزوير ، نتيجة قلة إلمامالمغنين بلغتهم الأم وابتعادهم عن اللون الشعبي،الذي هو أساس الفن الكوردي.
إن كيفية إعادة وإنتاج هذا اللون الشعبي من الغناء ، والاهتمام بالفلكلور بكل أصنافه، وترويض الذائقة الفنية لدى الشعب، تقع علىعاتق الجهات المعنية بهذا الشأن ، من مؤسسات ونقابات وجهات داعمة وراعية، فعندما يكون لدينا فنا راقيا ، سيكون لدينا متلقيا ذوثقافة قادرا على إدراك ما يتلقى، وسنصبح في مصاف الشعوب المتقدمة ، ولقد عملت في هذا السياق حركتا الرومانسية والقومية في أوربا في بداية القرن التاسع عشر على الاهتمام بالفلكلور وجعله من أولويات قضاياها ، كون الفلكلور يحدد الهوية القومية ويرجع بالإنسان إلى جذوره وأصوله ، لزيادة وعيه القومي ، فجعلتا هذه المادة الجزء الأساسي من أيديولوجيتها في سبيل التحرر القومي.