لمحة عن جمهورية أذربيجان: أذربيجان دولة مستقلة تقع في منطقة القوقاز، حصلت على استقلالها من روسيا القيصرية عام 1918م، واحتفظت باستقلالها لمدة سنتين فقط، حتى غزتها القوات الروسية في أبريل 1920م، وأقيم فيها نظام حكم تابع للسلطة المركزية في موسكو لمدة سبعين سنة حتى استعادت استقلالها من جديد في 30 آب 1991م.
تعد مدينة (باكو) عاصمة الجمهورية، واللغة الرسمية هي (الأذرية)، معوجود 13 لغة أخرى في البلاد، مساحتها 113،600،86كم2، ويبلغ عدد سكانها نحو 9 ملايين حسب إحصاء عام 2010م.يحدها شرقاً بحر قزوين، وشمالاً روسياالفيدرالية، ومن الشمال الغربي جورجيا، ويحدها مكتنف(ناخيتشيفان)أرمينيا في الشمال الغربي، وإيران من الجنوب الغربي (1).
بعد استقلال أذربيجان 1991طغت في السنوات الأولى من الاستقلال الحرب في (ناغورني كاراباخ) مع أرمينياالمجاورة، وبحلول نهاية عام 1994 فقدت أذربيجان السيطرة على ما يصل إلى 16% من أراضيها، بما في ذلك )ناغورني كاراباخ(نفسها، وقتل ما يقدر بنحو ثلاثين ألفاً، وُشرد أكثر من مليون آخرين.
أما منطقة (ناغورني كاراباخ) ذات الأغلبية الأرمينية الواقعة في الجنوب الغربي من أذربيجان فقد أعلنت نفسها مستقلة عن أذربيجان بعد عام 1991م، لكن هذا الاستقلال لم يتم الاعتراف به دبلوماسياًمن جانب أي دولة، ولا تزال تعتبر جزءاً من أذربيجان بحكم القانونرغم احتلاله من قبل القوات الأرمنية.
التركيب العرقي: غالبية مواطني أذربيجان من العرق الأذري (التركي) بنسبة 90% من السكان حسب تقديرات عام 1999م، لكن هذه النسبة مبالغ فيها حسب قول الباحث (د. محمد البرازي) إذ حدد نسبتها إلى 70%، لأنه من المستحيل أن تكون أية جمهورية سوفيتية سابقة تصل إلى هذه النسبة السكانية العالية (2). وبالنسبة للدين فالغالبية مسلموننسبتهم نحو 93%. منهم 85% شيعة،و 15 % سنة، وهناك المسيحيون 4%، واليهود وأديان أخرى، والدولة رسمياً ذات طابع علماني.
يعيش في أذربيجان قوميات متعددة بنسبة 10% حسب إحصاءات عام 2006م، على الرغم من محاولات السلطات الرسمية التقليل من عددهم؛ إذ فقد الكثير منها لغته وهويته الثقافية بسبب سياسة الدولة المتبعة في صهر الأقليات ضمن الهوية الأذرية، ومن أبرز هذه الأقليات: (اللاز) يمثلون نسبة 2،2%، وعدهم نحو (200) ألف، وهم من أصول داغستانية. و(الروس) بنسبة 1،8%، و(الأرمن) 1،5%في خارج منطقة كارباخ نحو (30) ألف، و(التاليش) بنسبة 1%، وهم من أصول إيرانية تسكن في الجنوب، ويقدر عددهم (500) ألف، والسلطات تقدرهم بـ (76) ألف، و (الأتراك) 0،6%، و(الجورجيون) 0،2%، و (الأكراد) 0،13% ، و (اليهود) 2،3%، وعددهم (25) ألف، وهناك أعراق أخرى كالتات، والأوكرانيون، والألمان (3).
تاريخ الأكراد في أذربيجان:
كرديات من أذربيجان
سكن الأكراد في منطقة القوقاز منذ زمن سحيق حسبما تذكر المصادر القديمة، وفي تاريخ أذربيجان فقد هيمن الميديون(أجداد الأكراد) على منطقة أذربيجان جنوب الآراس،وشكلوا إمبراطوريتهم الشاسعة بين أعوام (900-700) قبل الميلاد، والتي دمجت فيما بعد مع الإمبراطورية الأخمينيةحوالي 550 قبل الميلاد.
بدءاً من النصف الثاني من القرن التاسع الميلادي، ساهم الصراع القوي لسكان الولاية من الإيرانيين والإقطاع في تنشيط أكراد أذربيجان، حيث برز منهم القائد ديسم بن إبراهيم الكردي في عهد حكم الساجيين، وكان والده (خارجياً) و نصيراً لقائد حركة الخوارج المشهور (هارون الشاري) في النصف الثاني من القرن التاسع الميلادي الذي قتل في 697م، وتم القضاء على انتفاضة الخوارج في ولاية الموصل، عندها فرَّ والد ديسم إلى أذربيجان وتزوج من ابنة أحد رؤساء الأكراد المحليين هناك، وأنجبت منه (ديسماً) بعد عام 897م.
أصبح ديسماً بن إبراهيم الكردي واحداً من القادة المشهورين عند يوسف أبي الساج ( 901 - 928م)، وبعد وفاته استولى ديسم على أذربيجان وبدأ حكمه بين العامين 934 - 938م، وكان قسماً كبيراً من جيشه مؤلفاً من أكراد أهل المنطقة.
وبسيطرته على أذربيجان من جديد قام بطرد الحمدانيين من المناطق الجنوبية الغربية. وحارب مواطنيه الأكراد الذين نشطوا بحرية تامة على أطراف الإقليم لأنهم استولوا على بعض ممتلكاته، وبمساعدة فصائل الديلميين تمكن من إيقاف معارك التناحر بين مواطنيه الأكراد، وانتزع الأراضي التي استولوا عليها، وأسر بعض الرؤساء.
تعرض لخيانة وزيره المدعو (أبو قاسم علي بن جعفر) واتي بـ (مرزبان بن محمد المسافر) الباطني إلى أذربيجان (330هـ/931م، الذي الحق الهزيمة بديسم وجيشه، فخرجت جميع الولايات من يده ما عدا (تبريز)، ثم هرب إلى أرمينيا، وهناك حاول محاربة المرزبان فجمع جيشاً من الديالمة والأكراد، وجرت معارك طاحنة بين الجانبين، وتم محاصرة (تبريز) فتركها (ديسم) وذهب إلى (اردبيل) فتعقبه المرزبان وحاصره، وانتهت بهزيمته وأسره، وأودعه في قلعة (الطرم) سجيناً لمدة سبع سنوات.
حاول ديسم أن يُرجع سلطته على أذربيجان في عهد البويهيين الإيرانيين، فبعدما أغار جيش ركن الدولة على أذربيجان، أطلق سراح ديسم، وكلفه بجمع جيش من أكراد أذربيجان والديالمة لمقاتلة قائد البويهيين عبد الرزاق، فتقدم ديسم على الفور نحو أردبيل، لكنه هزم بالقرب منها على يد البويهيين.
قام قائد البويهيين بإخراج جيشه من أذربيجان، فاتجه نحو الجبال، وفي العام (949/ 950م) دخل ديسم بدون قتال إلى أردبيل ووطد سلطته في المنطقة، وفي نفس هذه السنة قام بصك عملة تحمل اسمه، وبمساعدة الأكراد والديالمة أخضع كل أذربيجان وعدداً آخر من المناطق المجاورة.
في سنة 342 هـ/954م فرَّ خصمه اللدود المرزبان من قلعة سميرم، وسرعان ما ظهر في أذربيجان، وأتى معه علي بن ميشك الديلمي مع جيش كبير لمحاربته، وفي أوان الحرب ترك الديالمة من جيش ديسم والتحقوا بجيش المرزبان، فلم يتمكن ديسم من الصمود أمام هذا الجيش الهائل فعمد مع من تبقّى من فصائله الكردية من جديد إلى الفرار إلى أطراف أرمينيا، ومن هناك توجه إلى بغداد عن طريق الموصل إلى معز الدولة البويهي الذي احترمه كثيراً وقدره وخصص له إيراداً شهريًّا قدره خمسون ديناراً، وقضى فيها بضع سنوات.
خلال كل هذا الوقت سعى جاهداً للعودة إلى أذربيجان، وبمساعدة أحد رؤساء أكراد أذربيجان توجه نحو مدينة (سلماس) في عام956م، ولعدم قدرته على مقارعة مرزبان فرَّ ثانية إلى بلاد الأرمن، وفي النهاية قبض عليه (خاجيك ديراني) حاكم أرمينية وسلمه إلى المرزيان الذي فقأ له عينيه، ورماه في السجن، و بعد موت مرزبان، قام أحد رجاله، فقتل ديسماً خوفاً من انتقامه، وكان بعد عام 345هـ/958م (3).
ملأ فراغ السلطة في أذربيجان الذي خلفه تراجع الخلافة العباسيةسلالات محلية عديدة منها الرواديين والشداديينالأكراد. فالشداديون أو بنو شداد هم من أولى الأُسر الكردية، شبه المستقلة، التي ذكرها التاريخ، ومؤسسها محمد بن شداد بن قرطق عام 340هـ/951م. وحكمت هذه السلالة مناطق كردستان الشمالية الشرقية، وأذربيجان، وأرمينيا، واتخذوا (دوين) عاصمة لهم منذ عام 967م، وحكموا منطقة آران وعاصمتها (كنجة) التي غدتعاصمة السلالة الكردية الشدادية، وفي فترة حكم (فضلون) أصبحت هذه المدينة أكثر قوة وعمراناً، فبنيت فيها المساجد والقلاع والقصور والجسور والخانات لمبيت القوافل، وصكت النقود، وفي عام 1063م بنوا مدخل كنجة الرائع. وهكذا ضرب الشداديون مثلاً رائعاً في فن العمارة والحكم العادل، ونالوا الإعجاب الكبير، وبتحويل كنجة إلى مركز قوي وكبير، توسعت مساحتها وبنيت فيها أحياء تجارية وصناعية جديدة، حيث جذبت الصناعات الحريرية التجار المحليين والأجانب، وقد خصص الشاعر التبريزي مئات المراثي للحكام الشداديين وأشاد فيها بحكمهم العادل، وتغنى بانجازاتهم الكثيرة، ومن المعروف أن البطل الكردي الخالد (صلاح الدين الأيوبي) كان بالأصل من قبيلة (الروادية).فوالده وأجداده ولدوا ونزحوا من بلدة (دوين) الواقعة في أذربيجان إلى شمالي العراق عند مجاهدي بهروزي الذي عين والده رئيساً لقلعة تكريت. ويرجح البعض بوجود صلة قرابة بين الأيوبيين والشداديين واعتبارهما من السلالة الروادية. كما أن والدة الشاعر الشرقي الكبير (نظامي كنجوي) الذي عاش غالبية حياته في مدينة كنجة كانت كردية من السلالة الروادية، وقد ذكر ذلك في مقدمة ملحمته (ليلى والمجنون) بأن أمه كانت ابنة حاكم كردي (4).
البطل الخالد صلاح الدين الأيوبي
استمر حكم الشداديين في عموم القفقاس نحو 113عاماً، وفي تلك الأعوام حكموا آران، نخيتشفان، كنجة، بارد، دوبيل وبيلكان.وانتهى حكمهم عام570هـ / 1174م، حينما سقطت في يد الكرج، وعندما احتل السلاجقة القفقاس أصبحوا من أتباعهم.
كما سكنت قبيلة (الهذباني أو هدبان) الكردية في أوائل انتشار الإسلام في مناطق تمتد من اربيل جنوباً إلى شمال تبريز (مركز إقليم أذربيجان الشرقية في إيران) وكذلك انتشرت بعض بطونها المسماة (الرواندية أو الروادية) في بلاد آران وأرمينيا الحالية خصوصا في مدن دوين (دبيل) داخل أرمينيا، و(كنجه) ضمن حدود جمهورية أذربيجان، وقد جاء في كتاب "سير أعلام النبلاء" للإمام الذهبي أن دوين:"بليدة بطرف أذربيجان من جهة أران والكرج، أهلها أكراد هذبانية". ولقرابتها مع أسرة القائد صلاح الدين الأيوبي التي تنتسب إلى الروادية من دوين، وقد ساهمت الهذبانية في بناء الدولة الأيوبيةفي بلاد الشام ومصر، وظهر بينهم أمراء وشخصيات عظيمة في مجال الحروب الصليبية وإدارة الدولة وعلماء دين وشخصيات اجتماعية مرموقة منهم الأمير حسام الدين الهذباني نائب السلطان الصالح أيوبالذي حكم من سنة 1240م إلى 1249م (5).
كردي من بلاد القفقاس
كما أسس الهذبانيون دويلات وإمارات في مناطق اربيل وأذربيجان خلال حقبة العباسيين. لكن ذكرهم خفت بعد سيطرة المغول على مراغةوتبريزوجعلها عاصمة لخانات المغول أيام هولاكو وغازان (1256-1338). ويبدو أنهم نزحوا من موطنهم الأصلي في أذربيجان و آران نحو الغرب وبلاد الشام ومصر ليلتحقوا بـصلاح الدين الأيوبيالذي كان جل جيشه من الأكراد خاصة من أكراد أذربيجان ومنطقة هكاري (6).
في بداية القرن الحادي عشر، سيطر على الأرض بشكل تدريجي موجات قبائل الأوغوزالأتراكقادمين من آسيا الوسطى. وكان أولهم الغزنويونالذين دخلوا المنطقة التي تعرف الآن باسم أذربيجان عام 1030م.
تاريخ الأكراد الحاليون:
لا شك بأن الأكراد وجدوا في القوقاز منذ زمن سحيق، لكن وجودهم الحالي أخذ يتبلور في أذربيجان منذ القرن السابع والقرن التاسع الميلاديين، لكنه أخذ الطابع الفعلي في أواخر القرن السابع عشر الميلادي عندما جلب شاه إيران الصفوي عباس الأول نحو (24) قبيلة كردية من كردستان إيران وإقليم خرسان من أجل تحصين وحراسة حدود الإمبراطورية الصفوية من جهة الشمال الغربي ضد العثمانيين، وقد سكنوا في المنطقة الواقعة بين ناغورني كارباخ وزانجيزور. كما جاءت هجرات كردية أخرى قدرت بـ (600) عائلة بقيادة محمد سيفي سلطان قادمة من إيران في أوائل القرن التاسع عشر 1813م لتستقر في خانات كارباخ، وتلتها هجرات أصغر منها بقليل عام 1885م انتقلوا إليها من الدولة العثمانية، وهناك قبائل (فيريح خاني Ferihkhani) قدموا من جوار مدينة الموصل وكركوك قبل ثلاثمائة سنة وسكنوا في منطقة القوقاز الجنوبي لأنها كانت من القبائل الكردية المتمردة على العثمانيين وترفض دفع الضرائب لهم، وفي بداية القرن العشرين كانت القبائل والعائلات الكردية الرئيسية الشهيرة في أذربيجان تتألف من: هاسي شاملي Haci Shamli، شاديمانليShadimanli، جيجوفجو Gechovchu، كوليكانلي Kulikanli، حاجي شاملي Shamli، حسنالي Hesenanli، بوزلو Bozlu، فريخانلي Ferixkanli، بوسيانPusyan، الملي Milli.
في عام 1852م تم تحديد (22) من القبائل الكردية الشيعية التي رحلت الى كارباخ من قبل الشاه عباس الأول ومنها: كاراجورلو، حسينانلي، كوليكانللي، شاديمانللي، المللي، شيلانلي، تيميزلي، بيرجوشاد، عليانلي،تيهمزلي، شاديمانلي بابالي،بابالي،جيلوفجو، فيريخانلي، سيسيانلي، تيرتيرلي،سلطانلي، جولوخانلي، بوزلو، كولاني، بوسيانلي،ساملي، حاسي ساملي،تيتيرلي، كوللوكجو،عليكيانلي (7).
استقرت هذه القبائل في مناطق: ناخشيفان Nakhchevan، وكرباخ، ونقشوان (كردستان الحمراء)، حيث استقروا في مدن: لاشين، كيلبيجار، كوبادلي، ناغورني، زانجيلان، وشكلوا فيها أغلبية كردية، ففي عام 1813م وجد في هذه المناطق (44) قرية يسكنها 910 أسرة، منها 663 أسرة كردية، و247 أسرة أرمينية - علماً بأن نسبة الأرمن انخفضت في نخشيفان حتى بلغت 1% عام 1979م- وفي عام 1926م بلغ تعداد قرى ومستوطنات منطقة (كردستان الحمراء) نحو 51،426 نسمة، منهم 41،193 من الأكراد بنسبة 92،54%، والباقي 7،46% من الأذريين الأتراك، وقد تعرضوا إلى الترحيل بعد إلغاء (إقليم كردستان الحمراء) عام 1929م، من قبل الدكتاتور السوفيتي (ستالين) بين أعوام (1940-1944) وهجرهم إلى جمهوريات أسيا الوسطى مثل كازخستان وقيرقيزيا، ومن بقي منهم عاشوا في تلك المناطق إذ قدر عددهم بنحو (680) ألف كردي حتى عام 1993م، وفي هذا العام بالذات وقعت منطقتهم تحت سيطرت القوات الأرمينية بعد حروبهم مع أذربيجان حول إقليم ناغورني كارباخ التي بدأت عام 1988 وانتهت عام 1994م، وتم في نهاية الحرب طرد جميع الأكراد المسلمين من هذه المناطق الجميلة والخلابة وتشريدهم إلى شتى أنحاء أذربيجان، وأصبحوا يعيشون هناك كلاجئين ينتظرون حل مشكلة كارباخ للعودة إلى موطنهم الأول، هذه المشكلة تجاوز عمرها اليوم نحو عشرين سنة ولا تزال بلا حل منظور إلى الآن (8).
كما أنتشر الأكراد في مناطق تقع في ناغورني كارباخ الأرمني وأجزاء أخرى من أذربيجان، وقدر عددهم خلال الحقبة السوفيتية بـنحو (41) ألف كردي، بينما تقدر بعض القيادات الكردية عددهم الكلي في أذربيجان بنحو (200) ألف كردي، بينما الإحصاءات الرسمية الأذربيجانية تقدر عددهم بـ (12) ألف كردي، وذكرت أنه في عام 1979م لا يوجد كردي مسجل لديهم (9).
كما سكن الأكراد المسلمون السنة في شمالي أذربيجان وعاشوا في جبال القوقاز الجميلة التي تقع في جنوبي شرق روسيا بين البحر الأسود وبحر قزوين. وقد صلوا إلى منطقة القوقاز خلال أواخر عام1800م وأوائل عام 1900م .طلباً للجوء بسبب الحروب الدائرة بين تركيا العثمانية وروسيا القيصرية، خلافاً لأرمينيا وجورجيا المسيحيتان اللتان هاجرا إليها الأكراد من أتباع الديانة الإيزيدية.وقد تمتع .أكراد شمالي أذربيجان بمستوى معيشة مقبول ، فكانوا يعملون في المزارع، ورعاية الحيوانات، وكثير منهم يعيشون في المدن، .وأكثر تعليماً من الأكراد في البلدان الأخرى، حتى اختفت الأمية من بينهم في عام 1930م.
كانت الروابط الأسرية في المجتمع الكردي متماسكة، فلهم معتقداتهم الدينية، وتقاليدهم القبلية والمرأة الكردية في أذربيجان تتمتع بمزيد من الحرية، .ولا يطلب منها ارتداء الحجاب، وليست خجولة ولا سيما مع الرجال الغرباء، وتمكن بعضهن من الانخراط في الحياة السياسية داخل قبائلهن، وتحقيق النجاح الباهر، وقدر لهم الحفاظ على العادات واللباس التقليدي في كثير من المجالات، وكانوا على علاقة جيدة مع غالبية سكان أذربيجان، ولهم محطة إذاعية تبث بالكردية، وصحف، والعديد من المدارس تعمل على المحافظة على الثقافة الكردية وإبقائها على قيد الحياة في الحقبة السوفيتية السالفة. .
لا يزال لدى أكراد شمالي أذربيجان شعور قوي من القيم العائلية والتقاليد العميقة داخل مجتمعاتهم. وبسبب معتقداتهم الدينية الحازمة، قاوموا حركات التبشير المسيحية، على الرغم من ترجمة (الإنجيل) إلى اللهجة الكرمانجية، ولا يوجد بينهم سوى عدد قليل من الأكراد المسيحيين (10).
يدعو السكان المحليين في أذربيجان أكراد منطقة (كردستان الحمراء) وفي الأجزاء الأخرى من سكناهم بـ (الأكراد أو الجبليين) بشكل متبادل، .وفي بعض الأحيان ينالون التعاطف والاحترام بسبب تمسكهم الصارم بالشرف، وضبط النفس، والكبرياء. ونادراً ما يذهبون إلى مراكز الشرطة أو المحكمة إذا كان لديهم أية خلافات شخصية، .وهم يتحدثون بطلاقة بالأذربيجانية لكن بلكنة مميزة ينفردون بها عن غيرهم، وكانت لهم علاقة جيدة مع الأذربيجانيين والأرمن حتى قيام حرب كارباخ 1988-1993م حتى القوا بهم على نفس الجانب من المعركة مع الأذربيجانيين، وأصبحوا مع مواطنيها ضد الأرمن. ولم يكن أي تمييز بين الأكراد والأذربيجانيين المسلمين عندما احتل الأرمن جميع مناطقهم الواحدة تلو الأخرى التي كانت تشكل سابقاً (كردستان الحمراء) المتاخمة لمنطقة كاراباخ (11).
لقدترك الأكراد بصمات واضحة على الفولكلور والأدب والموسيقى والتاريخ في أذربيجان فـ (الكردي، والبياتي، وشهناز) لا تزال تعتبر أفضل الأمثلة على الموسيقى الكلاسيكية في أيام أذربيجان الحديثة. .ونجد في شجاعة (نجل كردي) الذي يقاوم ضد الإقطاعية والباشاوات وملاكي الأراضي في تصحيح الظلم تجاه الفقراء والمحرومين. ونجد في الأدب الكلاسيكي الأذري الشاعر نظامي كنجوي (توفى 1209م) قد كرس قصيدته الشهيرة (شير = الأسد) إلى ذكر حسنات وفضائل زوجتهالكردية الغنية، مشيدا بجمالها ورحمتها وكرمها نحو "عاجز" في الطريق حفظ (شير) من الجوع والموت (12).
خلال عملية الإصلاح (البيريسترويكا) التي أطلقها غورباتشوف آخر رئيس للاتحاد السوفياتي السابق، كان هناك اهتمام متجدد في الثقافة واللغة الكردية، فقام شامل اسكيروف Askerov، الذي كان شاعراً وباحثاً وعالماً لا يعرف الكلل في خدمة الدراسات الكردية - وهو من مواليد مدينة (كيلبجار) من (كردستان الحمراء) بالعمل على إدخال تعليم اللغة الكردية في بعض مدارس القرى الكردية. وكان الفتيان والفتيات الأكراد فخورين بتعلم هذه اللغة الجديدة في مدارسهم، لكن لسوء الحظ لم تدم طويلاً هذه التجربة عندماقامت حرب كارباخ الدموية عام 1988م، ووضعت حداً لهذه المبادرة عن طريق تشتيت جميع الأكراد من مناطقهم إلى مختلف أرجاء أذربيجان عام 1993م، واحتلالها من قبل القوات الأرمنية (13).
يتضح مما سبق أن غالبية أكراد أذربيجان هم من المسلمين الذين شاركوا الأذربيجانيون في عناصر متشابهة من الثقافة كونهما من أتباع الديانة الإسلامية، وربما تكون من الأسباب الوجيهة التي أدت إلى سهولة استيعابهم لغوياً واجتماعياً وثقافياً في المجتمع الأذربيجاني في نهاية القرن التاسع عشر والقرن العشرين،ففي البداية كانت هناك نسبة قليلة منهم تتكلم الأذرية كلغة أولى وفق ا .لبيانات الإحصائية العائدة لعام 1886م مثل أكراد جبرائيل Jabrayil، وأراشوجزئيا من .بينما كانت غالبية أكراد أذربيجان يتكلمون اللغة الكردية حسب التعداد السوفيتي الأول لعام 1926م، إذ قدر عدد الأكراد الذين يتكلمون الأذرية بـ (3100) شخص وهي نسبة قليلة تمثل (8،3%)، بينماالذين يتكلمون اللغة الكردية قدروا بـنحو (37200) بنسبة كبيرة تمثل (91%).
كما وجدت لدى الأكراد في منطقة (كردستان الحمراء) البعيدة والواقعة بين أرمينيا وأذربيجان الاختلافات الثقافية عن بقية الناس من الأذربيجانيين والأرمن المجاورين لهم. على الرغم من تحدث الأكراد اليوم باللغة الأذربيجانية، فلا يزال لدى الكثير منهم من غريب اللهجة والكلمات المختلفة المستمدة .من اللغة الكرمانجية الكردية التي كانوا يتكلمون بها في هذه المنطقة قبل تذويبهم وصهرهم وإرغامهم على التحدث بالأذرية.
.على الرغم من أن المجتمعات الكردية التي عاشت منفصلة داخل جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق مختلفة عن بعضها من حيث الدين، وأماكن الأصل، والمسافة، فهناك حلم لا يزال يراود الكثير منهم بوطن واحد يجمعهم في دولة كردستان الكبرى الموحدة.
جمهورية كردستان الحمراء:( Red Kurdistan)
كردستان الحمراء (باللون الأخضر)
في مطلع القرن العشرين كانت المنطقة ذات الأغلبية الكردية تقع ضمن دولة أذربيجان بين إقليم ناغورني كارباخ ذو الأغلبية الأرمنية وجمهورية أرمينيا السوفيتية، فقامت الإدارة الأذرية بتعيين الأمير الكردي (خسرو بي سولطانوف) حاكما على ناغورني كرباغ، وبعد نجاح الثورة البلشفية 1917م خضعت أذربيجان للإتحاد السوفيتي الجديد، وأصدر الزعيم السوفيتي (لينين) أمره الشخصي في يوم 7 تموز من عام 1923م بإنشاء جمهورية ذاتية الحكم لأكراد أذربيجان وكان القرار من لجنة خاصة عرفت باسم (كردستان الحمراء)، وبتاريخ 17 يوليو أكد على ذلك من قبل المجلس التنفيذي للجنة برئاسة الموظف الرفيع في البلشفية (س. كيروف)، وجاء هذا القرار كاعتراف رسمي منهم بالقومية الكردية،وأثبتت الأيام أن إقليم (كردستان الحمراء)كان وحدة إدارية نموذجية، وكان الهدف من إنشائه من قبل السوفييت هو لجذب تعاطف الشعب الكردي في البلدان المجاورة في إيرانوتركيا،والاستفادة من الحركات الكردية في تلك البلدان عند الضرورة.
أصبح الاسم الرسمي لكردستان الحمراء بالروسية (كراسنايا كردستان=KrasnyyKurdistan)، وبالكردية:(كوردستان سور =Kurdistana Sor)، وبالأذرية:(قيزيل كردستان = Qüzül Kyrdistan).
شملت جمهورية (كردستان الحمراء) المنطقة ذات الأغلبية الكردية الواقعة قرب إقليم ناغورني كراباخ التابع لأذربيجان، وأصبح يحدها أذربيجان وأرمينيا وجورجيا، وبلغت مساحتها (6210) كم2، وعدد سكانها عام 1926 نحو (51426) شخصاً، منهم (37182) من الأكراد، بنسبة 72،3%، والبقية من الأذريين 27,2%. وفي شهر آب من نفس العام عين (حسي حاجييف) رئيساً لمجلس الإدارة، وشكلت لجنة لتطوير الإقليم.
تم اختيار مدينة (لاتشين =Laçîn) عاصمة (لكرستان الحمراء)، وقسمت إلى أربع وحدات أدارية، وإلى ست دوائر : كولباجار، لاشين، غوبادلي Qubadli، زينجيلان Zangilan، وجزء من جبرايل، وأقسام فرعية من قرقشلاقKarakushlak ، وقوتورلي Koturli، ومراد خانلي Khanli، وكرد- كنجي، وحاجي. وكان ".غالبية السكان من الأكراد.
وعلى الرغم من أندرجة الحكم الذاتي الممنوح له كانت باهتة بالقياس إلى الأرمن المجاورين في مقاطعة ناغورني كارباخ المتمتعة بالحكم الذاتي،إلا أنها .تجربة الحكم الذاتي شكلت على الصعيد السياسي أول تجربة كردية في العصر الحديث، وحصل تقدماً ملموساً على صعيد نشر الدراسات حول اللهجة والفولكلور والثقافة الكردية، ومنحوا امتياز إصدار جريدة (كردستان السوفيتية)، وفتح معهد تربوي، وقاموا بتعليم الأطفال اللغة الكردية، والبث الإذاعي، وكادت أن تكتمل المؤسسات الإدارية له في نهاية العشرينيات من القرن الماضي.
الزعيم السوفيتي (لينين) مؤسس كردستان الحمراء
وعن جغرافية (كردستان الحمراء) وحدودها، فقد ورد في موسوعة (كييه) الفرنسية المعلومات التالية: "أنها مقاطعة في جمهورية أذربيجان السوفيتية مساحتها (35340) كيلو متراً مربعاً، يقطنها 51.500 شخصًا، العاصمة قرية (لاتشين)، وحدود منطقة كردستان الحمراء من الشمال إلى الجنوب تمر بالمناطق التالية: كلبازار، لاجين، كوباتلين، وقسم منإقليم دجرنزار. وحدودها الشمالية عبارة عن سلسلة جبال مورفداكس، وتتحد في منطقةكاندرانسكي ومحاذاة جبال كانكورو وألانكرزسكي، ومنطقة (نور بايزه) في أرمينياالسوفيتية. وفي الجنوب الغربي تمتد حدود ها من منطقة ارورودرلكسكي وزنكزور في أرمينيا السوفيتية، وتستمر هذه الحدود في الجنوب الغربي بمحاذاةنهر (اكه را) إلى أن يصب فرع نهر ميخالييف في نهر (اكه را). وحدودها منالجنوب الشرقي، ناكورنو قره باغ وبالذات في المناطق التي يصب فيها نهر ميخالييف في نهر (اكه را) قرب جبل موروفدكسلس. أما الأقسام الجنوبية من كردستان فهي عبارة عنمنطقة كوباتكسي على حدود منطقة (نزمين)، وتستمر بمحاذاة نهر اراس (14).
كما قام(ي. بجيلينا) بتقسيم منطقة (كردستان الحمراء) السوفيتية إلى ثلاث مناطق جغرافية، وهي:
- القسمالأول: أطراف نهر آراس، وهي منطقة سهلية ذات إنتاج زراعي جيد مثل الرز والقطن، وتصلحفي الشتاء كمراع للمواشي التي تنحدر من المشاتي القرية.
- القسم الثاني: سفوحالجبال وتشمل العديد من المراعي والمراتع إلى جانب الأراضي الصالحة للزراعة.
- القسم الثالث: الجبال التي يبقى فيها القليل من السكان أثناء الشتاء لكنهاتتحول إلى مصايف ومراع لماشية المنطقة كلها في الصيف.
وتحدث عن سفوحجبال كردستان الحمراء السوفيتية وذكر بأنها منطقة ذات جبال جافة وجرداء، تتخللها كهوف كثيرة متصلة أو منفردة ذاتمداخل مظلمة وكثيرة، وبعض الكهوف تستخدم كسكن، وبعضها الآخر يستخدم لإيواء الماشية،وتقسم الكهوف التي تستخدم لسكن المواطنين في كردستان الحمراء إلى نوعين:
1- البيوت الكهفية، وتشمل الكهوف السكنية المبنية عن طريق حفر الصخور الهشة كالتي تنتشر في قرى عبداليان، كاريكاس، سندليار، مينكند،وعادة ما تكون هذه الكهوف صغيرة يعيش فيها الناس، أو تحشر فيها المواشي، أو تلك التي يتم فيها حفر التراب الأصفر بشكل دائري ثمتغطى الجدران بطبقة من الطين، وبعدها بصفوف من الحجارة الواحد فوق الأخرى، أو يبنى جدار حجري سميك بجانبه، ويترك المجال لفتحة ضيقة تؤطر بإطار خشبي حيث يثبت فيهاالباب، كما يترك المجال لعدد من الفجوات الصغيرة تستخدم كنوافذ.
2- البيوت الكهفية الطبيعية: وتقسم إلى نوعين: الشرخي، ويظهر على شكل شق عميق في الجبال، ارتفاعه مساويٍ لقامة الإنسان، وتستخدم هذه الكهوف كإسطبلات لإيواء المواشي في الشتاء، وتتسع في حدود (1000-3000) رأس من الماشية، وتنتشر هذه الكهوف في قرى: فيزيليابيرجاني، واشلو، مينكند، ملا احمدلو، وبوزلو. وهناك الكهوف الواسعة التي لاتستخدم لإيواء الحيوانات لسعتها وبرودتها، وتكثر بالقرب منقرى: ملا احمدلو، بوزلو، قرقشلاق.
بالإضافة إلى الكهوف، يستخدم كرد هذه المنطقة نوعاً آخر من المنازل تسمى (قوردام) يتم حفرها في الأرض، وتستعمل كمسكن للإفراد، وهناك نوع آخر من البيوت قليلة الشيوع على غرار البيوت القفقاسية تسمى (ساكلا)، وتنتشر في قرى: بيرجان؟، ومينكند. ولا تختلف بيوت (الـساكلا) و(القوردام) والكهوف كثيراً من ناحية التنظيموالتهوية (15).
إلغاء إقليم (كردستان الحمراء) عام 1929م.
بعد المؤتمر السادس لأذربيجان السوفييتية، تم إلغاء إقليم (كردستان الحمراء)،بعد أن استمر قائماً لمدة ست سنوات من عام 1923م حتى تم حله بشكل تراجيدي في 8 نيسان عام 1929م(16).
من الأسباب التي ساهمت في حل (كردستان الحمراء) بشكل مباشر هو ما يعود إلى القوميين الأذريين الذين وقفوا بشدة ضد تأسيس هذا الإقليم منذ البداية، ولم يكن ينظرون بعين الرضا والقبول إلى تحسن أحوال الأكراد، ولا يرتاحون الى تطورهم نحو الأفضل، فقد كان رئيس أذربيجان آنذاك (مير جعفر باقيروف) من أشد المناهضين للأكراد وإقليمهم في البلاد، كما أن الضغوط التي مارسها الرئيس التركي (مصطفى كمال) على السلطات الروسية والأذربيجانية، والاتفاقيات السرية التي عقدها مع ستالين وباغيروف لإنهاء الإقليم الذي بات يشكل خطراً على جمهوريته الفتية ويحرض أكراد تركيا على المطالبة بالمثل أدت الضغوطات التركية في النهاية إلى إزالة هذا الإقليم من الوجود، حيث وجد في الأرشيف التركي وثائق تشير إلى تأثير تشكيل (مقاطعة كردستان الحمراء) للكرد السوفيت على اشتعال فتيل انتفاضة آرارات عام 1930م التي نتج عنها تشكيل (جمهورية آرارات) في شمال شرقي تركيا في منطقة آغري (التسمية التركية لآرارات ). وقادها الثورة إحسان نوري باشا، وتم جذب قوة قائد قبيلة الجلالين إبراهيم حسكي من تيلو، وتم تعيينه قائداً، وبهذا وضعوا أساساً للدولة الكردية المقبلة، وفي هذه المنطقة كانت تطبق قوانين صارمة ضد السلب والنهب، وتم إقامة اتصالات مع قائد كردستان الشرقية (سمكو شكاك) في إيران، وتم إعلان جمهورية آرارات المستقلة عام 1927م، واختيار قرية حول آرارات بأنها العاصمة المؤقتة لكردستان (17).
وسبب آخر يعود الى أكراد أذربيجان أنفسهم، فقد انقطعوا عن ديارهم وأوطانهم لعدة قرون، وعاشوا في شبه عزلة، وكان معظمهم في تلك المنطقة يعتنقون الدين الإسلامي وبالتالي يعدون مسألة (الدين) أهم من مسألة العباد والبلاد (الشعب والوطن)(18).
بعد ذلك جرى إعادة تصنيف أكراد كردستان الحمراء تدريجياً مع السكان الأذربيجانيين،وجرى خلط هيكلي للمنطقة في عدة وحدات إدارية جديدة تحت سيطرتهم، وغير اسمه الى إقليم (نقشوان)، وبمجرد حله يعني عملياً طرد العرق الكردي من لوحة الإثنية من دولة أذربيجان، حيث مورست ضدهم سياسات عنصرية بشعة من قبل السلطات في باكو، فمنعوا من التحدث باللغة الكردية، من أجل صهرهم ضمن الأكثرية الأذرية، بل تم هجير أكثريتهم على يد (ستالين) إلى جمهوريات آسيا الوسطى وسيبيريا، ومصادرة أراضيهم وممتلكاتهم.
قامت السلطات الأذرية باتخاذ قرارات ظالمة ضد الأكراد لأن لديها مصلحة وطنية في استيعابهم مع الأذربيجانيين في بوتقة واحدة، وبكل أسف لم تواجه أي مقاومة قوية من غالبية الجاليات الكردية غير المتعلمة، ف .بعد فترة أمسى نصفهم وخاصة جيل الشباب في المقاطعة الكردية المستقلة يستخدم اللغة الأذرية بدلاً من اللغة الكردية، وذكرت مصادر رسمية أن حجم السكان الأكراد في (كردستان الحمراء) بلغ نحو (60) ألف بعد ثورة أكتوبر عام 1917، باستثناء عدد الأكراد الكبير في منطقة (ناخشيفان Nakhchevan)، وأجزاء أخرى من مناطق أذربيجان. لكن السلطات هناك عملت على التلاعب في عددهم الحقيقي في الإحصاءات الرسمية، ففي عام 1921 تم إعادة تصنيف أولئك الذين لا يتكلمون الكردية كلغة أولى باسم (الأذربيجانيين) من قبل حكومة باكو التي ليس لها مصلحة في إحياء الثقافة الكردية، والوعي الوطني بين الشباب الكردي.
وعن هذه السياسة الشوفينية التي مارستها حكومة باكو ضد أكرادها جعلت الكاتب السوفيتي (بوخسبان Bukhspan) ينشر كتيباً تفصيلياً يبين فيه ما تمارسه سلطات أذربيجان ضد الأكراد، وقد كتبه بعد زيارته إلى الكثير من القرى الكردية والمستوطنات في كيلبجار، لاشين، وناخشيفان، وبعد ذلك قامت السلطات في موسكو بتوبيخ الجهات الرسمية في باكو عن الإهمال والشوفينية التي تنتهجها تجاه الأقلية الكردية، فعلى سبيل الذكر لم تبلغ الكتب المنشورة بالكردية في أذربيجان نحو 30 كتاباً بين أعوام (1930-1938م).
وعلى الرغم من إلغاء إقليم (كردستان الحمراء) استمرت المنطقةلفترة وجيزة بأخذ الدروس في اللغة الكردية في صيف 1931م، وفي العام نفسه تأسست صحيفة (كردستان السوفيتية) في مدينة لاشين؛ وبقيت هذه جريدة تصدر من باكو منذ 1926 باعتبارها لسان حال (كردستان الحمراء) حتى سنة 1961م. كما أنشئت إدارة كردية في شوشا لكلية التربية في عام 1932م، ووجهت المدرس الضليع في التربية والتعليم (جعفر أحمدوف) للإشراف والتدريس في المجتمعات الجبلية في مدن كلباجار ولاشين لسنوات عديدة. وكان لقيادته والتزامه في نشر التعليم بين سكان القرى الكردية قد أكسبه شهرة واسعة، وتقديراً له من الرئيس السوفيتي (لينين)، فقد منح واحدة من أرفع الجوائز في الاتحاد السوفيتي (19).
يتبع في الجزء الثاني