لوحات من الفن المفهومي تحكي "القصص الخرافية والأساطير الكردية".
جمع بين الخيال والحقيقة
بلوحات مستوحاة من الثقافة الكردية، الحقيقية منها والخيالية، يشارك الفنان السوري الكردي أكرم زافي في معرض يجمع فنانين أكرادا، ليسرد كل واحد منهم تجربته التي قوامها جذورهم وهويتهم ومدى ارتباطهم بالمكان الذي ولدوا فيه والمجتمع الذي ينتمون إليه، بالكثير من الترميز والإشارة إلى معاناة الإنسان الكردي أينما كان.
افتتحت صالة “فايوليت للفنون” في مدينة كاسل الألمانية معرضا جماعيا غنيا بأعمال فنية لثلاثة عشر فنانا كرديا تحت عنوان “القصص الخرافية والأساطير الكردية”. أعمال تمتعت بخيال خصب مُشبع بغرائبية القصص الكردية وذات قيمة فنية عالية.
نذكر من أبرز الفنانين المشاركين في هذا المعرض، الفنان السوري أكرم زافي.
◙تشكيلي صادق تجاه ذاته وتجاه عمله والآخرين
افتتح معرض “القصص الخرافية والأساطير الكردية” في الأول من أبريل الحالي في صالة “فيوليت للفنون” الألمانية لتكون له أهمية مزدوجة: من ناحية تقديم غني لثلاثة عشر فنانا كرديا ومن ناحية ثانية تعريف الجمهور على جانب من الإرث الكردي.
ضم المعرض أسماء فنانين أثبتوا وجودهم على الساحة الفنية، وهم أزاد كريم وأريا أتّي وعدنان جتّو وباريس سايتفان ودارا لالو ونوريم عصام ونهاد غول وجلال دادا وروناك رسول بوور وروان أتّي وشيرزاد أبراهام وزارادشت إبراهيم.
ومن الفنانين المشاركين أيضا أكرم زافي الذي قدم أسوة بزملائه الفنانين أعمالا لافتة للنظر وتحمل بصمته الفنية الشخصية.
ويذكر البيان الصحفي المرافق للحدث الفني أن المعرض لا يضم فقط لوحات تشكيلية مشغولة بمواد مختلفة، بل يشمل أيضا أعمالا تنتمي إلى الفن المفهومي ويضم موسيقى العمل. غير أن كل الأعمال المعروضة على اختلافها جاءت من وحي كتاب للمؤلفة أريا أتّي الذي قُدم في الحدث الفني وهو بعنوان” قصص خرافية من كردستان”.
العمل الموسيقي هو للفنان زارادشت إبراهيم الذي بث الحياة في شخوص الكتاب. وإضافة إلى ذلك تمكن زوار المعرض من أن يتذوقوا مأكولات من التراث الكردي.
الفنان/الحالم دوما أكرم زافي قدم لوحات هي من ضمن السياق الذي قدمه سابقا من ناحية قوة الألوان المستخدمة وحضور شخوصه الغرائبية من جهة والواقعية جدا من جهة ثانية. وكل من يعرف الفنان يدرك تماما أن الواقع والخرافة لا ينفصلان، بل يتكاملان وأحيانا كثيرة تبدو الخرافات والأساطير الكردية وباقي المنطقة الغنية بالأساطير أشبه بمرايا تعكس شخصيات وأفعالا من الواقع المعيش.
لذلك من يرى أعماله التي قدمها بمناسبة هذا المعرض يدرك أنها احتفاء بقدرة الخرافة على تمثيل الواقع وانتقاده على حد السواء. والجدير بالذكر أن الفنان لم يرد يوما أن تخوض أعماله في السياسة وأزمات المنطقة رغم أن فنه تأثر كثيرا بالمأساة التي عاشتها سوريا عند اندلاع الحرب. فلطالما أكد أنه يرسم أولا وأخيرا لنفسه ويترك خياله وأفكاره تنهمر على لوحاته مخضبّة بألوانه المتفجرة دون الأخذ في الاعتبار ماذا ستكون ردة فعل الآخرين تجاهها.
هكذا هو الفنان التشكيلي أكرم زافي؛ صادق تجاه ذاته وتجاه عمله والآخرين.
حضرت في المعرض شخوص الفنان زافي، بل لنقل “ملوكه” بأحوالهم شديدة الاختلاف، لتنضوي تحت لواء كلمات الأديب الكردي الكبير سليم بركات “سأفاجئكم بالإنسان. وأسدل فوق مكائده السعف. سأفاجئكم حين تكونون دما متحدا أو مختلفا. سأهرقكم كالنبيذ عند العتبات. وأرمي حجر المخلوقات إلى بركتكم حتى تعودوا شيعا. وسأجمعها إذ أجمع هذا الترف”. بهذه الكلمات قدم الفنان مشاركته في المعرض على صفحته الخاصة في موقع فيسبوك.
ملوك يحملون على رؤوسهم شتى أنواع التيجان ليس من ناحية شكلها فقط، بل أيضا من ناحية ما توحي به. منها الصغيرة جدا التي لا تناسب رؤوسهم ومنها ما يذوب لينسكب على الوجوه فتصبح أنوفا ذات ألوان فاقعة. وبدلا من أن تؤدي دورها الأساسي في تأمين التنفس تبدو وكأنها تزيده اختناقا. اختناق لا تبالي به لأنها في حقيقتها شخوص/ملوك لا تنتمي إلى جنس البشر وإن كانت تحمل مبادئ ملامحه.
◙ شخوص تذكّر بالمعاناة الإنسانية
وفي لوحات أخرى مُغرقة في القصص الخرافية الساحرة تظهر الحوريات ذات الأذناب التي تنتهي بوجوه. حوريات لم يحرمها الفنان من تيجانه التي تكاد تكون منطلقا لفك رموز كل لوحاته. ولعلّ أجمل ما في لوحات أكرم زافي، ليس فقط في هذا المعرض بل في كل معارضه السابقة، هو قدرته على الجمع الفذ بين ما هو خرافي ويذكر بالفن الساذج، والقدرة على تحميله المعاني والأفكار العميقة والمتصلة بالطبيعة البشرية.
وكان الفنان قد ذكر سابقا ما ينطلي على مجمل إنتاجه الفني “أعمالي تقوم على السخرية والترميز والاهتمام بأبعاد المكان والإشارة إلى معاناة الإنسان، ولعل بتلك التقنية أدفع المرء إلى التساؤل عن أسباب ذلك لأنه في بعض تجلياته يبدو عنصرا شفهيا قادما من الحكايات، وهناك رغبة مني في توصيل الحكايات إلى المتلقي وإشعاره بالحميمية والتقرب إلى العمل وبذلك خلقت إدهاشا للمتلقي، أنا لا أنتمي إلى أية مدرسة وأعتبر نفسي حرًا”.
يُذكر أن أكرم زافي هو فنان عصامي من مواليد الحسكة سنة 1974. في رصيده أكثر من 11 معرضا ما بين فردي وجماعي بين عامي 2001 و2011 في الحسكة وعامودا واللاذقية والرقة ومعرض فني في صالة اليونسكو ببيروت تحت عنوان “الملك سلطة وتاجا”.
كانت له مشاركة في فعاليات مهرجان دمشق الحادي عشر للثقافة والتراث عام 2004، وكذلك شارك في معرض التصوير الضوئي بهولندا عامي 2004 – 2005 وفي بريطانيا ونال عدة جوائز تقديرية. على مرّ السنين انتشرت لوحاته خارج سوريا وباع عددا كبيرا منها في لبنان وتركيا وهولندا وألمانيا وإسبانيا وفرنسا وإيران وإيطاليا. وكان الفنان قد بدأ نشاطه الفني سنة 2001.
الأربعاء 2023/04/19
ميموزا العراوي
ناقدة لبنانية
جريدة العرب