الهجرة الى الغرب الاوربي اصبح هاجس السوريين والعراقيين والعديد من شعوب المنطقة بسبب الحرب الدائرة وعدم الاستقرار الامني والاقتصادي والعنف الدائر فيها ادت الى تشكل موجات من الهجرة الجماعية بأتجاه المناطق التي تتوفر فيها الامن والامان والاستقرار،
فقد طفت هذه الظاهرة على السطح واصبحت الشغل الشاغل للعديد من الحكومات ولا سيما الاوربية منها كمحاولة للحد من الهجرة ووقف هذا السيلان البشري باتجاههم بعد ان تفاقمت هذه الازمة كمحاولة منهم لوقف الخطورة التي يتعرض لها المهاجرين في تلك الطرق سواء في البحر عبر زوارق الموت او في الغابات والوديان والطرق بعد أشهر من تزايد عدد المهاجرين بنسبة عالية جعلت العديد من الدول ان تتخذ اجراءات طارئة ووضع اسلاك شائكة على حدودها بعدما يحاول المهاجرون عبور بحر إيجه في ظروف شاقة وخطرة تكلفهم حتى حياتهم للوصول إلى الجزر اليونانية باعتبارها مدخلا إلى الاتحاد الأوروبي ومنها براً الى مقدونياً فصربياً وصولاً الى هنغاريا ومنها الى بلدان الاتحاد الاوربي (شنغن) الى النمسا ومن ثم مبتغاهم والتي فتحت احضانها للاجئين الا وهي ألمانيا.
فمشاهد الموت والغرق الذي يتعرض له المهاجرون على التلفزيونات اصبحت شبه يومية ولكن الصورة والمشهد الابرز والذي تصدر أغلب صحف العالم واكثرها شهرة والتي هزت العالم وأصبحت الخبر الرئيسي لكبريات التلفزيونات العالمية صورة الطفل آيلان )آلان) البالغ الثانية من العمر والذي توفي غرقاً في احدى زوارق الموت المتوجهة من بودروم الى جزيرة كورس اليونانية برفقة والده وامه واخيه الاكبر والذي مات ايضاً في نفس الحادث بالاضافة الى والدته، انتشرت صورته وهو ممدد على بطنه على رمال شاطئ بودروم جنوب غرب تركيا بعدما جرفته المياه إلى شاطئ أحدى المنتجعات السياحية في تركيا على مواقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك وشكلت يذلك صدمة حقيقية وموجة تأثير كبيرة في العالم، وانتشرت تلك الصورة كالنار في الهشيم على صفحات التواصل الاجتماعي في مختلف اصقاع العالم وسط تعليقات ونداءات بوقف الهجرة الغير شرعية او تأمين الطرق الآمنة لهؤلاء الناس واستقبالهم بكرامة وانسانية وأثارت موجة غضب عارمة واعتبر اغلب التعليقات ان مشهد ذلك الطفل وهو ممد على رمال الشاطئ بمثابة شهادة على موت الضمير في العالم.
فقد كانت تلك العائلة الغريقة من مدينة كوباني (عين العرب) الكوردية والتي شهدت طوال عام سابق اكثر المناطق عنفاً ودماراً شهدت اشرس المعارك بين القوات الكوردية وأرهابيي داعش والتي انتهت بانتصار الكورد في حربهم بالتعاون مع قوات التحالف الدولي من الجو وقوات البيشمركة الكوردية وادت ذلك الى تدمير المدينة بالكامل وفرار أهاليها الى تركيا وانتشارهم في العديد من دول العالم بحثاً عن الامان والطمأنينة فقد كانت عائلة الطفل الراحل آلان أحدى تلك العوائل التي كانت تبحث عن الامان والذين فروا من كوباني إلى تركيا العام الماضي هربا من عنف تنظيم داعش.
وفي ظل حزن وأسى شديدين شيع جثامين آلان وشقيقه غالب ووالدتهم ريحانة في منطقة كوباني المنكوبة حيث عادوا اليها ليدفنوا بعد ما كانوا يأملون بغد أفضل في أوربا بحضور والدهم عبدالله الذي روى مشهد غرقهم وعيونه تغرورق بالدموع والاسى باديا في وجهه لوسائل الاعلام قائلاً ( ركبنا زرقاً ليأخذنا الى جزيرة يونانية قريبة من تركيا ولكن بسبب الامواج العالية فر المهرب عائداً سباحة الى تركيا وتركنا نواجه مصيرنا حيث كنا 12 شخصاً على متن الزورق من سوريا والعراق، انقلبت بنا السفينة وأحكمت امساك اولادي الاثنين وأمهم وشاهدت موتهم واحداً تلو الآخر وسط صراخ ونداءات بالنجاة )
وأضاف قائلاً انه لن يحمل مسؤولية غرق اولادة لاحد وقال انا اتحملها وسادفع ثمنها بقية عمري، وتمنى ان يصبح حادث غرف عائلته مثل ضحايا كثيرين قتلوا في سوريا وقال "آمل أن يتم إيجاد حل للأزمة السورية".
وتبين أن أسرة عبدالله كانت تعيش في حي ركن الدين بدمشق، حيث كان عبدالله يعمل حلاقاً وعاد إلى مسقط رأسه كوباني بعد اندلاع الثورة السورية بعامين، وبعد فترة عام أو اكثر مكث فيها في مدينته كوباني اضطر الى الهجرة الى تركيا كما جميع اسر تلك المدينة المنكوبة التي عانت كثيراً جراء هجمات داعش الارهابي، عمل في اسطنبول اكثر من عام ولكن عانى من سوء الاحوال وضيق المعيشة في تركيا شجعته شقيقته التي تعيش في كندا الى تقدم اللجوء الى السفارة الكندية حيث رفض طلبهم الى ان اضطر الى جمع المال وبمعاونة شقيقته اتفق مع ذلك المهرب ودفع مبلغ 4000 دولار لملاقات اجلهم وحظهم البائس وكانت هذه المحاولة البائسة الثالثة بالنسبة لهم بعد مرتين حاولا فيها الوصول الى اليونان ولكن محاولاتهم باءت بالفشل.
وقد رفض عبدالله الجنسية الكندية والتركية بعد ما ألم به من نكبة ومأساة وفضل العيش بجوار قبر اولادته وزوجته وفي مدينته كوباني حتى الموت.
وقد اثارت قضية غرق آلان وعائلته ردود افعال دولية كثيرة وتصريحات من العديد من المسؤولين الاوربيين الذين دعوا الى اجتماعات عاجلة لمناقشة هذه المسألة وضرورة تعاون جميع الدول الاوربية ووضح حلول للمشكلة التي بدأت بالتفاقم مع اغلاق هنغاريا حدودها مع النمسا وانتظار اكثر من ستة آلاف مهاجر بطاقة السفر من جزيرة كوس الى اثينا ومنها الى مقدونا ليكملوا بقية رحلتهم الى المانيا، في حين تسعى المانيا وفرنسا الذين يستقبلون أكثر المهاجرين الى اوربا الى ضرورة توزيع اللاجئين على مختلف الدول الاوربية وتخفيف عبئهم عن كاهل دولتين او ثلاث في حين ترفض دول ايوائهم ووتتصدر المانيا اكثر الدول الاوربية استقبالاً للاجئين وخففت الكثير من قوانينها لصالح اللاجئ بحيث يحصل على اللجوء خلال فترة وجيزة على اللجوء الانساني او السياسي ورفعت سقف توقعاتها لنسبة اللاجئين الذين سيقدمون الى المانيا الى ثمانمائة الف نسمة خلال هذا العام ومن بعدها تأتي السويد والنمسا ثم فرنسا في حين ترفض دول مثل الدنمارك وبريطانيا وسويسرا استقبالهم.
التآخي- العدد والتاريخ: 6966 ، 2015-09-06