Share |

الفنان التشكيلي حسكو حسكو" هذا الكم الهائل من العنف في سوريا لا استطيع مقامته إلا بلوحة جميلة"

الفنان التشكيلي حسكو حسكو
الفنان التشكيلي حسكو حسكو

هوزان أمين-دياربكر

يستمد مواضيعه التشكيلية من الطبيعة وجمالها وكائناتها ويضيف اليها بعضاً من خياله، يتأمل المشاهد لوحاته بعمق يرى فيها البراري والمساحات والابعاد الواسعة التي ترسخ جزءاً من ذاكرته التي بقيت هناك على تلك البراروي والجبال والوديان المحيطة بقريته انه حسكو حسكو الكوردي الذي ينحدر من الجبل وينحت في الجبل ليعطي الطبيعة اجمل الوانها ورونقها ويلهمه الطبيعة بدوره الدفىء والحنان والامل بغد افضل يجسدها في لوحاته التي اصبحت قريبة الى حديقة يجمع فيها الكائنات ويعيشون في محبة وسلام.

ولد في ناحية شران احدى نواحي عفرين عام 1973 قضى كامل طفولته في البراري وفي كنف الطبيعة الجميلة التي تحيط به خلق وخلقت معه الفنون وتلقى التشجيع من والده الذي جلب له هدية من الحج وهي علبة الوان خشبية فرنسية و كانت الدفعة والتشجيع له على الرسم والنحت في الحجر حيث يقول " تلك الهدية الغت الشيء المحرم أمام عيني حيث كان النحت والتماثيل والاصنام في المجتمع تعتبر نوعاً من المحرمات" وبدأ بالنحت حيث كانت قريته في حضن الجبل ويذهب نهاراً الى تلك التلال المحيطة بالضيعة وينحت على الحجر ويجلبها الى البيت.

درس الابتدائية في ضيعته والاعدادية في عفرين والثانوية في حلب ثم كلية الفنون الجميلة في دمشق قبل ذلك تعرف الى النحات المعروف محمد شيدو رشو في حلب حينما كان مدرسا للفنون الجميلة في احدة معاهدها حيث تعلم على يديه ويعتبره استاذه في تعليم اولويات فن النحت وتقنياته وصب البرونز والفايبر كلاس.

في عام 1994 انتسب الى كلية الفنون الجميلة بدمشق وكنت من الاوائل في امتحان قبلول المعهد، واستغرب المدرسين من خبرته في فنون النحت والصب حتى قبل دراسته لها، وعندها تعرف على الفن التشكيلي المعاصر من خلال فنانين معروفين جداً مثل الراحل فاتح المدرس و صفوان داحول، باسم دحدوح في دمشق وتطورت خبرته في فنون النحت والرسم لغاية تخرجه عام 2000 مع قسم التصوير الزيتي حيث كان الاول على دفعته.

يقول في مستهل حديثه للتآخي " رغم ان بدايتي كانت بالنحت إلا انني معروف اليوم بالرسام اكثر من النحات لانني اجد الرسم فضاءً اوسع للابداع حيث انك تتعامل مع كتلة صلبة في النحت لها ابعاد ثلاث وتشكل من ذلك الخام شيئاً، اما على سطح مستوي لايوجد لها ابعاد ثلاث فالابداع ان تختلق ابعاد وعوالم ومنظور وفضاءات، وانا التقيت بأكثر الفنانين السوريين شهرتاً كان هاجسهم وخوفهم من اللوحة البيضاء والفراغ ومن العدم انت تخلق ابعاد وفراغات وفضائات ومساحات وآفاق واسعة عبر استحضار الذاكرة والفكرة واللون والتكوين لتنتهي بلوحة فنية، وهذه كانت بالنسبة لي التحدي، رغم امتلاكي لمفاتيح النحت واعتبر نفسي قوياً بما فيه الكفاية لاي عمل ما، ورغم كل الاغرائات لم اعر اهتماماً لذلك الامر بقدر اهتمامي بعمل لوحة فنية تحمل بصمتي وهويتي وهذا كان هاجسي الاكبر.

العصفور 2   أكريليك على قماش  80-120 سم

 

حسكو حسكو الذي اخبرنا خلال اللقاء وربما تكون مفاجئة للكثيرين بأنه عمل في اكثر النصب التذكارية المنصوبة الميادين وساحات المدن الرئيسية في سوريا من ضمنها تماثيل للرئيس السوري الراحل حافظ الاسد ونجله، حيث كنت ينفذ تلك الاعمال ولكن كانت العقود باسماء اناس آخرين، فأي دكتور اونحات سوري يحصل على مناقصة من هيئة النصب العليا السورية فكانوا يأتون اليه وهو ينجز لهم المشروع ولم يكن يرغب في ابراز اسمه او وضع علامته عليها، حيث كان يعتبر الامر وظيفة لغاية تأمين المعيشة وبالنسبة له لم يكن شيئاً حراً ليضع عليه لمساته الفنية وافكارك فقد كانت المقاييس والابعاد والاحجام مقررة في المشروع وينفذها حسب مخططاتهم.

 

وعن سؤالي له بمن تأثر وفي أي مدرسة يصب أعماله قال "بالرغم من علاقاتي الطيبة مع مجموعة من الفنانيين السوريين وعلى رأسهم الراحل فاتح المدرس الذي كنت على علاقة طيبه معه و ازوره في مرسمه لكن بعد ان وصلت للجامعة وصار عندي وعي تشكيلي تأثرت كثيراً بالفنان شاغال، حيث كان يعيش في البراري مثلي في طفولتي حيث كان الريف حاضراً في اعماله وكانت قريبة الى عالمي، كل فنان عرضة للتأثر والذي يقول لم أتأثر بأحد لا اعتبره فناناً والفنان بطبعه حساس ويتأثر بكل ما هو جميل وانا احب الطبيعة كثيراً وخلقت في كنفها واعتبرها الدافع المؤثر على مسيرتي الفنية".

مغادرة العالم، أكريليك على قماش، 120-80-120-80 سم

 

واستمر بالحديث قائلاً " كل عملي ينصب على الطبيعة والكائنات وهناك فنانين كثر يعملون في نفس الموضوع، وربما هناك اناس يقلدون غيرهم دون اعطاء الامر جزء من ابداعهم الذاتي ولهذا لم ينجحوا، فلهذا انا اعتبر نفسي من الفنانيين الذين اضافوا شيئاً الى فكرة الرسوم الطبيعية والكائنات التي تعيش فيها وهذا سر الامر والمهارة لدي بأخفاء ما ترسمه، فيشاهد المتلقي لوحتي في مناخات وفضائات مختلفه والامر المبهم في الامر هو كيف ترسم كل ذلك وكيف تخلط كل تلك المدارس مع بعضها البعض فلا اتبنى او انتمي الى مدرسة معينة انا ارسم الانطباعية والواقعية والتعبيرية".

افتتح اول معرض له عام 2001 في صالة عشتار بدمشق ولغاية اليوم افتتح له اكثر من 6 معارض فردية وجماعية كثيرة ومن جملة تلك المعارض ولغاية بناء جسور التعاون والتعارف بين فناني غرب كوردستان وجنوبه اقام بين اعوام 2003- 2006  نشاطات مهمة في السليمانية بصحبة الفنانيين نهاد الترك ونديم آدو وآخرين وافتتاحا اول معرض فني في فرع الامن السابق في السليمانية واقترح على المعنيين حين ذاك بأن يتحول الفرع الى متحف وذاكرة لذلك الظلم من قبل النظام العراقي البائد، وليعلم العالم ان الانسان الكوردي ينبذ العنف والقتل ويحول كل تلك الاماكن الى مراكز الجمال والفن والمعارض، وكذلك عملا معرضاً كبيراً في صالة ميديا بأربيل ولاقت تلك المعارض الصدى الواسع واصبحت لهم علاقات جيدة مع فنانين اكراد من اقليم كوردستان حيث كان هدفهم ان يبادر الفنانين من جنوب كوردستان الى عرض اعمالهم في سوريا حيث كان لـ حسكو التأثير على صالات العرض وبإمكانهم المساهمة والمساعدة في الامر.

طروادة  اكريليك على قماش  130 -100 سم

 

وفي ختام الحوار الجميل معه قال " تجربتي منذ الطفولة ولازالت عن الكائنات والطبيعة والطيور تبين لي بأن بعد الاحداث والثورة السورية انه بالفعل هذا الكائن بريء من افعال البشر، حيث يدمر البشر هذه البيئة وهذه الحياة، فأنا المدافع عن هذه الكائنات التي لا حول لها ولا قوة، هذا جعلني اتمسك بلوحتي التي تحتوي على الكائنات وليس للبشر وجود فيها على الرغم من انه يحتوي على أفعال البشر، ولكنني تمسكت بهذه الحيوانات والطبيعة والجمال فهذا الكم الهائل من العنف في سوريا لا استطيع مقامته إلا بلوحة جميلة وازداد تمسكي بتفاصيل وعمق اللوحة بعد الثورة، فنجد اليوم فنانين يرسمون مباشرة السلاح ونتائج المعارك والحروب وينقلون الواقع كما هو، لكنني اختلف معهم في الامر واذهب الى ابعد من ذلك وآخذ المتلقي فضاءات ابعد ينسى فيها ما هو العنف؟ وانا مع الانسان الكوني والانسان الذي يحب الامن والطمئنينة مع الكائنات الاخرى ومع محيطه وانسانيته ووجوده وفكره ويعتبر نفسه انساناً ويأنسن الآخرين معه، وانا لا استعمل مقولة الحيوانات واعتبرها جميعاً كائنات مثلنا تعيش على هذه الارض، نجد ان رموز الدول العظمى كلها من هذه الكائنات مثل النسر الامريكي والدب الروسي والتنين الصيني فالانسان يخلق من هذه الكائنات رموز له ويدمرها في نفس الوقت ونرى اليوم ما تعانيه بعض الحيوانات من انقراض، واشكر التآخي على هذه الحوار واتمنى ان يسود التآخي والوئام بين جميع الكائنات والقوميات".

 

 

جريدة التآخي - العدد والتاريخ: 6915 ، 2015-06-16